الباب الأربعون في ذم الحسد
قال الله تعالى قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ مِنْ شَرِّ ما خَلَقَ و عدد المستعاذ منه ثم ختم إلى آخر السورة بقوله وَ مِنْ شَرِّ حاسِد إِذا حَسَدَ و قال رسول الله (ص) إياكم و ثلاث خصال فإنهن رأس كل خطيئة إياكم و الكبر فإن إبليس حمله الكبر على ترك السجود لآدم فلعنه الله و أبعده و إياكم و الحرص فإن آدم حمله الحرص على أن أكل من الشجرة و إياكم و الحسد فإن قابيل حمله الحسد على قتل أخيه هابيل و الحاسد جاحد لأنه لم يرض بقضاء الله و اعلم أن الحسود لا يسود و جاء في تأويل قوله تعالى قُلْ إِنَّما حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَواحِشَ ما ظَهَرَ مِنْها وَ ما بَطَنَ الحسد و قال في بعض كتبه الحاسد عدو نعمتي و الحسد يبين في الحاسد قبل المحسود و قال أمير المؤمنين (ع) لله در الحسد ما أعدله بدأ بصاحبه فقتله و قال بعضهم الحمد لله الذي لم يجعل في قلوب الأمراء و لا الولاة ما في قلب الحاسد فكان يهلك الناس جميعا و روي أن في السماء الخامسة ملكا تمر به الأعمال فربما مر به عمل كالشمس يضيء نورا فيرده و يقول هذا فيه حسد فاضربوا به وجه صاحبه و ما رأيت ظالما أشبه بمظلوم إلا الحاسد و كل واحد في رضاه سبيل إلا الحاسد لا طريق إلى رضاه لأنه لا ترضيه إلا زوال نعمة المحسود و من علامات الحاسد أنه يشمت بزوال نعمة الذي يحسده و بمصائبه و من علاماته أيضا أنه يتملق إذا حضر و يغتاب إذا غاب عنه من يحسده و روي أن موسى (ع) رأى رجلا عند العرش فغبطه و قال يا رب بم نال هذا ما هو فيه من صنعه تحت ظلال عرشك فقال إنه لم يكن يحسد الناس و الحاسد إذا رأى نعمة بهت و إذا رأى عثرة شمت و ينبغي لمن أراد السلامة من الحاسد أن يكتم عنه نعمته و أعظم الأخلاق المذمومة الحسد و الغيبة و الكذب و إذا كان الحاسد همه نشر خصائل المحسود فإنه ينشر فضائله من حيث لا يعلم و لقد أحسن الشاعر في قوله شعرا :
و إذا أراد الله نشر فضيلة طويت أتاح لها لسان حسود
و لقد أحسن الشاعر أيضا :
و كيف يرجى ود حسود نعمة *** إذا كان لا يرضيه إلا زوالها
قال النبي (ص) الحسد يأكل الحسنات كما تأكل النار الحطب فلا تحاسدوا و قال أمير المؤمنين (ع) و لا تحاسدوا فإن الحسد يأكل الإيمان كما تأكل النار الحطب و إذا كان النبي (ص) و أمير المؤمنين (ع) قد شهدا بأن الحسد يأكل الإيمان و الحسنات فأي شيء يبقى مع العبد بعد ذهاب الإيمان و الحسنات فتحرزوا منه تستريح قلوبكم و أبدانكم من التعب و الإثم و لقد سرني أني مثلت في نفسي إن عقلي لو تحول إلى رأس غيري لم أحسده إذ قد فات الأمر في ذلك و لم يبق إلا الصبر و الاحتساب و أن الحزن و الحسد بعد فوات ذلك مصيبة ثانية فتمثلوا رحمكم الله آخر الأمر تستريحوا و تفوزوا فالعاقل يحسب آخر الأمور فيقف عندها و لا يتجاوزها و متى كان الغالب على القلب الفكر و على اللسان الذكر فإن العبد لا يتخلى مع ذلك لحسد و لا لشيء من المعاصي و غيرها إن الذكر و الفكر سيف قاطع لكل شيطان من الجن و الإنس و جنة واقية من الغفلة و خير الذكر الخفي .