• +98 25 3770 33 30
  • عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

فضيلة الإسرار في الصدقة المندوبة


فضيلة الإسرار في الصدقة المندوبة
لا كلام في أن الإسرار في الصدقة المندوبة افضل من إظهارها للمعطي في إعطائها، ويدل عليه قول الصادق (ع): " الصدقة في السر والله افضل من الصدقة في العلانية "[1]. وقوله (ع): " كلما فرض الله عليك فإعلانه افضل من إسراره، وكلما كان تطوعاً، فإسراره افضل من إعلانه ".
وانما الكلام في أن الأفضل للآخذ في أخذها أن يأخذها سراً أو علانية. فقيل الأفضل له أخذها سراً، لانه ابقى للتعفف وستر المروة، واسلم لقلوب الناس والسنتهم من الحسد وسوء الظن والغيبة. وعون للمعطي على اسرار العمل، وقد علمت افضلية السر على الجهر في الاعطاء، وأصون لنفسه عن الإذلال والإهانة، واخلص من شوب شركة الحضار، فان المستفاد من الأخبار: أن الحضار شركاء من أهدي له في الهدية. والظاهر ان الصدقة مثلها إذا كان الحضار من أهلها. قال رسول الله (ص): " من أهدي له هدية وعنده قوم، فهم شركاؤه فيها". وقال الباقر (ع): " جلساء الرجل شركاؤه في الهدية ". وقال (ع): " إذا أهدي للرجل هدية من طعام، وعنده قوم، فهم شركاؤه في الهدية: الفاكهة أو غيرها ". وقيل: الأفضل اخذها علانية، والتحدث بها، لتنقية الكبر والرياء، وتلبيس الحال، وايجابه الإخلاص والصدق، وإقامة منة الشكر، وإسقاط الجاه والمنزلة، وإظهار العبودية والمسكنة، مع أن العارف ينبغي ألا ينظر إلا إلى الله، والسر والعلانية في حقه واحد، فاختلاف الحال شرك في التوحيد.
والحق أن الحكم بأفضلية أحدهما على الإطلاق غير صحيح، إذ تختلف أفضيلة كل منها باختلاف النيات، وتختلف النيات باختلاف الأحوال والأشخاص
فينبغي لطالب السعادة أن يراقب نفسه، ويلاحظ حاله ووقته، ويرى أن أي الحالتين من السر والجهر بالنظر إليه أقرب إلى الخلوص والقربة، وأبعد من الرياء والتلبيس وسائر الآفات، فيختار ذلك، ولا يتدلى بحبل الغرور، ولا ينخدع بتلبيس الطبع ومكر الشيطان. مثلا إذا كان طبعه مائلا إلى الاسرار ورأى أن باعث هذا الميل حفظ الجاه والمنزلة وخوف سقوط القدر من اعين الناس، ونظر الخلق إليه بعين الازدراء، والى المعطى كونه منعما محسناً إليه، أو خوف ألا يعطيه الناس بعد ذلك لعلمهم بما أخذه، فلينتقل عن الاسرار ويأخذها علانية، إذ لو ابقى نفسه على ما استكن فيها من الداء الدفين، وعمل بمقتضاها، صار هالكاً وإن كان طبعه مائلا إلى الاسرار، وأيقن بأن باعث الميل إليه: إبقاء التعفف، وستر المروة، وصيانة الناس عن الحسد، وسوء الظن والغيبة، ولم يكن باعثه شيء من المفاسد المذكورة، فالأولى أن يأخذها سراً. ويعرف ذلك بأن يكون تإلمه بانكشاف أخذه للصدقة كتألمه بانكشاف صدقة أخذها بعض اقرانه واخوانه المؤمنين، فانه إن كان طالباً لبقاء السر واعانة المعطي على الاسرار، وصيانة العلم عن الابتذال، وحفظ الناس عن الحسد والغيبة وسوء الظن، فينبغي أن يكون طالباً لها في صدقة أخيه أيضاً، إذ يحصل ما يحذر منه: من هتك الستر، وابتذال العلم، ووقوع الناس في الغيبة والحسد بانكشاف صدقة أخيه أيضا. فان كان انكشاف صدقته اثقل عليه من انكشاف صدقة غيره، فتقديره الحذر من هذه المعاني تلبيس من النفس ومكر من الشيطان. وإذا كان طبعه مائلا إلى الإظهار، ووجد منه أن باعث هذا الميل هو التطيب لقلب المعطي، والاستحثاث له على مثله، والإظهار للغير بأنه من المبالغين في الشكر، حتى يرغبوا في الإحسان إليه فليتنبه أن هذا الداء من الداء الدفين الذي يهلكه لو لم يعالجه، فليترك أخذها جهراً والتحدث بها، وينتقل إلى الأخذ خفية. وإن تيقن من نفسه بأن الباعث هو إقامة السنة في الشكر، والتحدث بالنعمة، وإسقاط الجاه والمنزلة، وإظهار العبودية والمسكنة، أو غير ذلك من المقاصد الصحيحة من دون تطرق شيء من المفاسد المذكورة، فالإظهار افضل، ويعرف ذلك بأن تميل نفسه إلى الشكر، حيث لا ينتهي الخبر إلى المعطى ولا إلى من يرغب في عطائه، وبين يدي جماعة يعلم أنهم يكرهون إظهار العطية ويرغبون في إخفائها، وعادتهم ألا يعطوها إلا من يخفيها ولا يتحدث بها ولا يشكر عليها. ثم إذا جزم بكون الباعث إقامة السنة في الشكر، فلا ينبغي أن يغفل عن قضاء حق المعطي، فينظر أنه إن كان ممن يحب الشكر والنشر فيخفى الأخذ ولا يشكر، لأن قضاء حقه ألا ينصره على الإثم، وإن كان ممن لا يحب الشكر ولا يطلب النشر، فالأولى ان يشكره ويظهر صدقته.
وينبغي لكل من يراعي قلبه أن يلاحظ هذه الدقائق ولا يهملها، إذ إعمال الجوارح مع إهمالها ضحكة للشيطان وشماتة له، لكثرة التعب فيها مع عدم تصور نفع لها، والعلم بهذه الدقائق وملاحظتها هو العلم الذي ورد فيه أن تعلم مسألة واحدة منه أفضل من عبادة سنة، إذ بهذا العلم تحيى عبادة العمر، وبالجهل به تموت عبادة العمر.


فضيلة الإسرار في الصدقة المندوبة
لا كلام في أن الإسرار في الصدقة المندوبة افضل من إظهارها للمعطي في إعطائها، ويدل عليه قول الصادق (ع): " الصدقة في السر والله افضل من الصدقة في العلانية "[1]. وقوله (ع): " كلما فرض الله عليك فإعلانه افضل من إسراره، وكلما كان تطوعاً، فإسراره افضل من إعلانه ".
وانما الكلام في أن الأفضل للآخذ في أخذها أن يأخذها سراً أو علانية. فقيل الأفضل له أخذها سراً، لانه ابقى للتعفف وستر المروة، واسلم لقلوب الناس والسنتهم من الحسد وسوء الظن والغيبة. وعون للمعطي على اسرار العمل، وقد علمت افضلية السر على الجهر في الاعطاء، وأصون لنفسه عن الإذلال والإهانة، واخلص من شوب شركة الحضار، فان المستفاد من الأخبار: أن الحضار شركاء من أهدي له في الهدية. والظاهر ان الصدقة مثلها إذا كان الحضار من أهلها. قال رسول الله (ص): " من أهدي له هدية وعنده قوم، فهم شركاؤه فيها". وقال الباقر (ع): " جلساء الرجل شركاؤه في الهدية ". وقال (ع): " إذا أهدي للرجل هدية من طعام، وعنده قوم، فهم شركاؤه في الهدية: الفاكهة أو غيرها ". وقيل: الأفضل اخذها علانية، والتحدث بها، لتنقية الكبر والرياء، وتلبيس الحال، وايجابه الإخلاص والصدق، وإقامة منة الشكر، وإسقاط الجاه والمنزلة، وإظهار العبودية والمسكنة، مع أن العارف ينبغي ألا ينظر إلا إلى الله، والسر والعلانية في حقه واحد، فاختلاف الحال شرك في التوحيد.
والحق أن الحكم بأفضلية أحدهما على الإطلاق غير صحيح، إذ تختلف أفضيلة كل منها باختلاف النيات، وتختلف النيات باختلاف الأحوال والأشخاص
فينبغي لطالب السعادة أن يراقب نفسه، ويلاحظ حاله ووقته، ويرى أن أي الحالتين من السر والجهر بالنظر إليه أقرب إلى الخلوص والقربة، وأبعد من الرياء والتلبيس وسائر الآفات، فيختار ذلك، ولا يتدلى بحبل الغرور، ولا ينخدع بتلبيس الطبع ومكر الشيطان. مثلا إذا كان طبعه مائلا إلى الاسرار ورأى أن باعث هذا الميل حفظ الجاه والمنزلة وخوف سقوط القدر من اعين الناس، ونظر الخلق إليه بعين الازدراء، والى المعطى كونه منعما محسناً إليه، أو خوف ألا يعطيه الناس بعد ذلك لعلمهم بما أخذه، فلينتقل عن الاسرار ويأخذها علانية، إذ لو ابقى نفسه على ما استكن فيها من الداء الدفين، وعمل بمقتضاها، صار هالكاً وإن كان طبعه مائلا إلى الاسرار، وأيقن بأن باعث الميل إليه: إبقاء التعفف، وستر المروة، وصيانة الناس عن الحسد، وسوء الظن والغيبة، ولم يكن باعثه شيء من المفاسد المذكورة، فالأولى أن يأخذها سراً. ويعرف ذلك بأن يكون تإلمه بانكشاف أخذه للصدقة كتألمه بانكشاف صدقة أخذها بعض اقرانه واخوانه المؤمنين، فانه إن كان طالباً لبقاء السر واعانة المعطي على الاسرار، وصيانة العلم عن الابتذال، وحفظ الناس عن الحسد والغيبة وسوء الظن، فينبغي أن يكون طالباً لها في صدقة أخيه أيضاً، إذ يحصل ما يحذر منه: من هتك الستر، وابتذال العلم، ووقوع الناس في الغيبة والحسد بانكشاف صدقة أخيه أيضا. فان كان انكشاف صدقته اثقل عليه من انكشاف صدقة غيره، فتقديره الحذر من هذه المعاني تلبيس من النفس ومكر من الشيطان. وإذا كان طبعه مائلا إلى الإظهار، ووجد منه أن باعث هذا الميل هو التطيب لقلب المعطي، والاستحثاث له على مثله، والإظهار للغير بأنه من المبالغين في الشكر، حتى يرغبوا في الإحسان إليه فليتنبه أن هذا الداء من الداء الدفين الذي يهلكه لو لم يعالجه، فليترك أخذها جهراً والتحدث بها، وينتقل إلى الأخذ خفية. وإن تيقن من نفسه بأن الباعث هو إقامة السنة في الشكر، والتحدث بالنعمة، وإسقاط الجاه والمنزلة، وإظهار العبودية والمسكنة، أو غير ذلك من المقاصد الصحيحة من دون تطرق شيء من المفاسد المذكورة، فالإظهار افضل، ويعرف ذلك بأن تميل نفسه إلى الشكر، حيث لا ينتهي الخبر إلى المعطى ولا إلى من يرغب في عطائه، وبين يدي جماعة يعلم أنهم يكرهون إظهار العطية ويرغبون في إخفائها، وعادتهم ألا يعطوها إلا من يخفيها ولا يتحدث بها ولا يشكر عليها. ثم إذا جزم بكون الباعث إقامة السنة في الشكر، فلا ينبغي أن يغفل عن قضاء حق المعطي، فينظر أنه إن كان ممن يحب الشكر والنشر فيخفى الأخذ ولا يشكر، لأن قضاء حقه ألا ينصره على الإثم، وإن كان ممن لا يحب الشكر ولا يطلب النشر، فالأولى ان يشكره ويظهر صدقته.
وينبغي لكل من يراعي قلبه أن يلاحظ هذه الدقائق ولا يهملها، إذ إعمال الجوارح مع إهمالها ضحكة للشيطان وشماتة له، لكثرة التعب فيها مع عدم تصور نفع لها، والعلم بهذه الدقائق وملاحظتها هو العلم الذي ورد فيه أن تعلم مسألة واحدة منه أفضل من عبادة سنة، إذ بهذا العلم تحيى عبادة العمر، وبالجهل به تموت عبادة العمر.

الهدية

الهدية
وهي ما يعطى ويرسل إلى أخيه المسلم، فقيراً كان أم غنياً، طلباً للاستيناس، وتأكيداً للصحبة والتودد. وهو مندوب إليه من الشرع، ومع سلامة القصد والنية يكون عبادة. قال رسول الله (ص): " تحابوا تهادوا، فإنها تذهب بالضغائن. وقال (ص): " لو أهدي إلي ذراع لقبلت ". وقال أمير المؤمنين (ع): " لان أهدي لأخي المسلم هدية أحب إلي من أن أتصدق بمثلها ". وقال (ع): " من تكرمة الرجل لأخيه المسلم، أن تقبل تحفته وأن يتحفه بما عنده، ولا يتكلف له شيئاً "

الضيافة

الضيافة
وثوابها جزيل، وأجرها جميل، وفضلها عظيم، وثمرها جسيم. قال رسول الله (ص): " لا خير فيمن لا يضيف ". ومر (ص) برجل له إبل وبقر كثير، فلم يضيفه، ومر بامرأة لها شويهات، فذبحت له، فقال (ص): " انظروا إليهما، فإنما هذه الأخلاق بيد الله عز وجل، فمن شاء أن يمنحه خلقاً حسناً فعل ". وقال (ص): " الضيف إذا جاء فنزل بالقوم، جاء برزقه معه من السماء، فإذا أكل غفر الله لهم بنزوله ". وقال: " ما من ضيف حل بقوم إلا ورزقه في حجره ". وقال: " من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم ضيفه ". وقال (ص): " لا تزال أمتي بخير: ما تحابوا، وأدوا الأمانة، واجتنبوا الحرام، وأقرأوا الضيف، وأقاموا الصلاة، وآتوا الزكاة، فإذا لم يفعلوا ذلك ابتلوا بالقحط والسنين ". وقال (ص): " إذا أراد الله بقوم خيراً أهدى لهم هدية. قالوا: وما تلك الهدية؟ قال: الضيف ينزل برزقه، ويرتحل بذنوب أهل البيت ". وقال (ص): كل بيت لا يدخل فيه الضيف لا تدخله الملائكة ". وقال (ص): " الضيف دليل الجنة ". وقال أمير المؤمنين (ع): " ما من مؤمن يحب الضيف إلا ويقوم من قبره ووجهه كالقمر ليلة البدر فينظر أهل الجمع، فيقولون: ما هذا إلا نبي مرسل! فيقول ملك: هذا مؤمن يحب الضيف ويكرم الضيف، ولا سبيل له إلا أن يدخل الجنة " وقال (ع): " ما من مؤمن يسمع بهمس الضيف وفرح بذلك إلا غفرت له خطاياه، وان كانت مطبقة بين السماء والأرض ". وبكى (ع): يوماً، فقيل له: ما يبكيك؟ قال: " لم يأتني ضيف منذ سبعة أيام، أخاف أن يكون الله قد أهانني ". وعن محمد بن قيس عن أبي عبد الله (ع)، قال: " ذكر أصحابنا قوماً، فقلت: والله ما اتغدى ولا اتعشى إلا ومعي منهم اثنان أو ثلاثة أو اقل أو أكثر فقال (ع): فضلهم عليك اكثر من فضلك عليهم. قلت: جعلت فداك! كيف ذا وأنا أطعمهم طعامى، وانفق عليهم من مالي، ويخدمهم خادمي؟ فقال: إذا دخلوا عليك دخلوا من الله بالرزق الكثير، وإذا خرجوا خرجوا بالمغفرة لك ". وكان إبراهيم الخليل (ع) إذا أراد أن يأكل، خرج ميلا أو ميلين يلتمس من يتغدى معه، وكان يكنى (أبا الضيفان).
وجميع الأخبار الواردة في فضيلة إطعام المؤمن وسعيه تدل على فضيلة الضيافة، كقوله (ص) بعد سؤاله عن الحج المبرور: " هو إطعام الطعام وطيب الكلام ". وقال (ص): " من أطعم ثلاثة نفر من المسلمين أطعمه الله من ثلاث جنان في ملكوت السماوات: الفردوس، وجنة عدن، وطوبى شجرة تخرج في جنة عدن غرسها ربنا بيده ". وقول الصادق (ع): " من أشبع مؤمناً وجبت له الجنة ". وقوله (ع): " من أطعم مؤمنا حتى يشبعه لم يدر أحد من خلق الله ماله من الأجر في الآخرة، لا ملك مقرب ولا نبي مرسل، إلا الله رب العالمين ". وسئل (ص): " ما الإيمان؟ فقال: إطعام الطعام ". وقال: " أن في الجنة غرفاً يرى ظاهرها من باطنها، وباطنها من ظاهرها، يسكنها من أمتى من أطاب الكلام، وأطعم الطعام، وأفشى السلام، وصلى بالليل والناس نيام ". وقال (ص): " من أحب الأعمال إلى الله تعالى: إشباع جوعة المؤمن، وتنفيس كربته، وقضاء دينه ". وقال (ص): " إن الله يحب الإطعام في الله، ويحب الذي يطعم الطعام في الله، والبركة في بيته أسرع من الشفرة في سنام البعير ". وقال (ص): " خيركم من أطعم الطعام ". وقال (ص): " من أطعم الطعام أخاه المؤمن حتى يشبعه، وسقاه حتى يرويه، بعده الله من النار سبع خنادق، ما بين كل خندقين مسيرة خمسمائة عام ". وفي الخبر: " ان الله تعالى يقول للعبد في القيامة: يا ابن آدم، خفت فلم تطعمني. فيقول: كيف أطعمك وأنت رب العالمين؟ فيقول: جاع أخوك فلم تطعمه، ولو أطعمته كنت أطعمتني ". وقال (ص): " من سقى مؤمناً من ظمأ سقاه الله من الرحيق المختوم ". وقال (ص): " من سقى مؤمنا شربة من ماء من حيث يقدر على الماء، أعطاه الله بكل شربة سبعين ألف حسنة، وإن سقاه من حيث لا يقدر على الماء، فكأنما اعتق عشر رقاب من ولد إسماعيل "[2].

الصفحة 4

(ما ينبغي أن يقصد بالضيافة)
ينبغي أن يقصد في ضيافته التقرب إلى الله، والتسنن بسنة رسول الله واستمالة قلوب الإخوان، وادخال السرور على قلوب المؤمنين، ولا يقصد به الرياء والمفاخرة والمباهاة، وإلا ضاع عمله، وان يدعو الفقراء والأتقياء وان كان في ضيافة الأغنياء ومطلق الناس فضيلة أيضاً. وينبغي ألا يهمل في ضيافة الأقارب والجيران، إذ إهمالهم قطع رحم وايحاش، وألا يدعو من يعلم أنه تشق عليه الإجابة. وينبغي أن يعجل في إحضار الطعام لأنه من إكرام الضيف، وقد ورد: " أن العجلة من الشيطان، إلا في خمسة أشياء، فإنها من سنة رسول الله (ص): إطعام الضيف، وتجهيز البيت، وتزويج البكر، وقضاء الدين، والتوبة من الذنوب ". وأن يحضر من الطعام قدر الكفاية، إذ التقليل عنه نقص في المروة، والزيادة عليه تضييع، وأن يسعى في إكرام الضيف: من طلاقة الوجه، وطيب الكلام معه عند دخوله وخروجه وعلى المائدة، والخروج معه إلى باب الدار إذا خرج، قال رسول لله (ص): " إن من سنة الضيف أن يشيعه إلى باب الدار ". ومما ينبغي له ألا يستخدم الضيف، قال الباقر (ع): " من الجفاء استخدام الضيف ". وكان عند الرضا (ع) ضيف، فكان يوماً في بعض الحوائج، فنهاه عن ذلك، وقام بنفسه إلى تلك الحاجة، وقال: " نهى رسول الله (ص) عن أن يستخدم الضيف ".

آداب الضيافة

(آداب الضيافة)
ينبغي لكل مؤمن أن يجيب دعوة أخيه إلى الضيافة، من غير أن يفرق بين الغني والفقير، بل يكون أسرع إجابة إلى دعوة الفقير، وألا يمنعه بعد المسافة عن الإجابة إذا أمكن احتمالها عادة. قال رسول الله (ص): " أوصي الشاهد من أمتي والغائب، أن يجيب دعوة المسلم ولو على خمسة أميال، ولا يمنعه صوم التطوع عن الإجابة بل يحضر، فان علم سرور أخيه بالإفطار فليفطر، ويحتسب في إفطاره أفضل ما يحتسب في صومه " وقال الصادق (ع): " من دخل على أخيه وهو صائم، فافطر عنده ولم يعلمه بصومه فيمن عليه، كتب الله له صوم سنة، وان علم أنه متكلف ولا يسر بإفطاره فليتعلل ".
وينبغي ألا يقصد بالإجابة قضاء شهوة البطن، ليدخل عمله في أمور الدنيا، بل ينوى الاقتداء بسنة رسول الله (ص) وإكرام أخيه المؤمن، ليكون في عمله مطيعاً لله مثاباً في الآخرة، وأن يحترز عن الإجابة إذا كان الداعي من الظلمة أو الفساق، أو كانت ضيافته للفخر والمباهاة، ومن كان طعامه حراماً أو شبهة، أو لم يكن موضعه أو بساطه المفروش حلالا، أو كان في الموضع شيء من المنكرات كإناء فضة، أو تصوير حيوان على سقف أو حائط، أو أحد آلات اللهو من المزامير وأمثالها، أو التشاغل بشيء من اللهو واللعب والهزل، فكل ذلك مما يمنع الإجابة، ويوجب تحريمها أو كراهيتها. قال الصادق (ع): " لا ينبغي للمؤمن أن يجلس مجلساً يعصى الله تعالى فيه ولا يقدر على تغييره، ومن ابتلى بحضور طعام ظالم إكراهاً وتقية، فليقلل الأكل، ولا يأكل أطايب الأطعمة ".
وينبغي للضيف ـ أيضاً ـ إذا دخل الدار ألا يتصدر، ولا يقصد احسن الأماكن، بل يتواضع ويرضى بالدون من المجلس، وإن أشار إليه صاحب الدار بموضع فلا يخالفه ويجلس فيه، وان أشار إليه بعض الضيفان بالارتفاع أو الانحطاط، وألا يجلس في مقابلة باب حجرة النسوان، ولا يكثر النظر إلى الموضع الذي يخرج منه الطعام، فانه دليل الشره وخسة النفس، وأن يخص بالتحية والسلام أولا من يقرب منه.
وينبغي لمن دعى إلى الضيافة ألا يطول الانتظار عليهم، ولا يعجل بحيث يفاجئهم قبل تمام الاستعداد.

الحق المعلوم وحق الحصاد والجذاذ

الحق المعلوم وحق الحصاد والجذاذ
والمراد من الأول: ما يعرضه الرجل ويقدره في ماله، من قليل أو كثير، غير الصدقات الواجبة، يعطيه محتاجاً أو يصل به رحمه. والمراد بالثاني: ما يعطى به إلى الفقراء من الضغث بعد الضغث: أي القبضة بعد القبضة من الزرع يوم حصاده، ومن الحفنة بعد الحفنة: أي ملء الكف من التمر أو الحنطة أو غيرهما من الثمار والفواكه والحبوبات عند قطعها وتصفيتها. وهذان النوعان من الأنفاق معدودان في صدقة التطوع، وقد وردت بخصوصهما أخبار كثيرة لشدة استحبابهما. قال الصادق (ع): " إن الله فرض للفقراء في أموال الأغنياء فريضة لا يحمدون إلا بأدائها وهي الزكاة، بها حقنوا دماءهم، وبها سموا مسلمين، ولكن الله تعالى فرض في أموال الأغنياء حقوقاً غير الزكاة، فقال الله تعالى:
" والذين في أموالهم حق معلوم "[3]
والحق المعلوم غير الزكاة، وهو شئ يفرضه الرجل على نفسه في ماله، يجب عليه أن يفرضه على قدر طاقته وسعة ماله, فيؤدى الذي فرض على نفسه إن شاء كل يوم، وإن شاء كل جمعة، وان شاء في كل شهر "[4]. وقال (ع): " الحق المعلوم ليس من الزكاة، هو الشيء تحرجه من مالك، ان شئت كل جمعة، وان شئت كل شهر، ولكل ذي فضل فضله، وقول الله تعالى: (وان تخفوها وتؤتوها الفقراء فهو خير لكم)، فليس من الزكاة، والماعون ليس من الزكاة، وهو المعروف تصنعه والقرض تقرضه ومتاع البيت تعيره، وصلة قرابتك ليس من الزكاة وقال الله تعالى: (والذين في أموالهم حق معلوم)، فالحق المعلوم غير الزكاة، وهو شئ يفرضه الرجل على نفسه انه في ماله ونفسه، ويجب له أن يفرضه على قدر طاقته ووسعه"[5]. وقال (ع): " وإن عليكم في أموالكم غير الزكاة. فقلت: أصلحك الله، وما علينا في أموالنا غير الزكاة؟ فقال: سبحان الله! أما تسمع قول الله تعالى؟ يقول في كتابه:
" والذين في أموالهم حق معلوم للسائل والمحروم "[6].
قال: قلت: فماذا الحق المعلوم الذي علينا؟ قال: هو والله الشيء يعلمه الرجل في ماله، يعطيه في اليوم أو في الجمعة أو الشهر، قل أو كثر غير أنه يدوم عليه "[7]. وقال (ع) في قول الله تعالى: (في أموالهم حق معلوم، للسائل والمحروم): " هو الرجل يؤتيه الله الثروة من المال، فيخرج منه الألف والألفين والثلاثة آلاف والأقل والأكثر، فيصل به رحمه، ويحمل به الكل عن قومه ". وقال (ع) " في الزرع حقان: حق تؤخذ به، وحق تعطيه. قلت: وما الذي أؤخذ به وما الذي أعطيه؟ قال: أما الذي تؤخذ به، فالعشر ونصف العشر، وأما الذي تعطيه، فقول الله:
" وآتوا حقه يوم حصاده[8].
يعني من حصدك الشيء ثم الشيء ـ ولا اعلمه إلا قال الضغث ثم الضغث ـ حتى تفرغ "[9]. وقال (ع): " لا تصرم بالليل ولا تحصد بالليل، ولا تضح بالليل، ولا تبذر بالليل. فانك إن فعلت ذلك لم يأتك القانع والمعتر. فقلت: وما القانع والمعتر؟ فقال: القانع الذي يقنع بما أعطيته، والمعتر: الذي يمر بك فيسألك. وإن حصدت بالليل لم يأتك السؤال، وهو قول الله تعالى: (وآتوا حقه يوم حصاده) عند الحصاد، يعني القبضة بعد القبضة إذا حصدته، فإذا خرج فالحفنة بعد الحفنه، وكذلك عند الصرام، وكذلك عند البذر. ولا تبذر بالليل لأنك تعطى من البذر كما تعطى من الحصاد ". وقال الباقر (ع) في قول الله تعالى (وآتوا حقه يوم حصاده): " هذا من الصدقة، يعطي المسكين القبضة بعد القبضة، ومن الجذاذ الحفنة بعد الحفنة، حتى يفرغ " وفي مضمون هذه الأخبار أخبار كثيرة أخر.

القرض

وخامسها:

القرض
وهو أيضاً من ثمرات السخاء، لأن السخي تسمح نفسه بأن يقرض أخاه المحتاج بعض أمواله إلى حين استطاعته، كما تسمح نفسه بأن يبذل عليه أصل ماله، والبخيل يشق عليه ذلك. وثواب القرض عظيم، وفضله جسيم. قال الباقر (ع): " من أقرض رجلا قرضاً إلى ميسرة كان ماله في زكاة، وكان هو في الصلاة مع الملائكة حتى يقبضه ". وقال الصادق (ع): " مكتوب على باب الجنة: الصدقة بعشرة، والقرض بثمانية عشر ". وقال (ع): ما من مؤمن أقرض مؤمناً يلتمس به وجه الله، إلا حسب الله له أجره بحساب الصدقة، حتى يرجع ماله إليه، يعني أعطاه الله في كل آن اجر صدقة، ذلك لأن له قضاءه في كل آن، فلما لم يفعل فكأنما أعطاه ثانياً وثالثاً وهلم جرا، إلى أن يقبضه " وقال (ع): " لا تمانعوا قرض الخمير والخبز واقتباس النار، فانه يجلب الرزق على أهل البيت مع ما فيه من مكارم الأخلاق ". وقال: " لا تمانعوا قرض الخمير والخبز، فان منعهما يورث الفقر "[10].

انظار المعسر والتحليل

وسادسها:

أنظار المعسر والتحليل
وهو أيضاً من أفراد البذل المترتب على السخاء، وقد ورد في فضله أخبار كثيرة، قال الصادق (ع): " من أراد أن يظله الله يوم لا ظل إلا ظله، فلينظر معسراً، أو يدع له من حقه ". وقال (ع): " إن رسول الله (ص) قال في يوم حار ـ وحنّا كفه ـ: من أحب أن يستظل من فور جهنم؟ ـ قالها ثلاث مرات ـ فقال الناس في كل مرة: نحن يا رسول الله. فقال: من أنظر غريما أو ترك المعسر ". وقال (ع): " صعد رسول الله (ص) المنبر ذات يوم، فحمد الله وأثنى عليه، وصلى على أنبيائه ثم قال: أيها الناس، ليبلغ الشاهد الغائب منكم، ألا ومن انظر معسراً كان له على الله في كل يوم ثواب صدقة بمثل ماله، حتى يستوفيه ". وقيل له (ع): " إن لعبد الرحمن بن سبابة ديناً على رجل قد مات، وقد كلمناه ان يحلله فأبى، فقال: ويحه! أما يعلم ان له بكل درهم عشرة إذا حلله، وإن لم يحلله فإنما هو درهم بدرهم؟ "[11] وفي معناها أخبار كثيرة آخر.

بذل الكسوة والسكنى ونحوهما

وسابعها:

بذل الكسوة والسكنى ونحوهما
غير ما ذكر من وجوه الإعانة بالمسلم، كبذل الكسوة والسكنى، وحمله على الدابة، واعطائه الماعون، وأعارته المتاع وسائر ما يحتاج إليه، وإطراق الفحل وغير ذلك، فان جميع ذلك من ثمرات السخاء، ومنعها من نتائج البخل. وفي كل واحد منها فضيلة وثواب، وورد في فضيلة كل منها أخبار.
ومما يدل على مدح كسوة المؤمن، قول الباقر (ع): " لإن أحج حجة أحب إلي من أن أعتق رقبة ورقبة ورقبة (حتى انتهى إلى عشره)، ومثلها ومثلها (حتى انتهى إلى سبعين). ولأن أعول أهل بيت من المسلمين، اشبع جوعتهم، واكسوا عورتهم، واكف وجوههم عن الناس، أحب إلي من أن احج حجة وحجة (حتى انتهى إلى عشر) وعشر مثلها ومثلها (حتى انتهى إلى سبعين) "[12]. وقال الصادق (ع): " من كسا أخاه كسوة شتاء أو صيف، كان حقاً على الله أن يكسوه من ثياب الجنة، وأن يهون عليه من سكرات الموت، وأن يوسع عليه في قبره، وأن يلقى الملائكة إذا خرج من قبره بالبشرى، وهو قول الله عز وجل في كتابه:
" وتتلقاهم الملائكة هذا يومكم الذي كنتم توعدون "[13]
وقال: " من كسا أحداً من فقراء المسلمين ثوبا من عرى، أو اعانه بشيء مما يقوّيه على معيشته، وكل الله عز وجل به سبعة آلاف ملك من الملائكة، يستغفرون لكل ذنب عمله، إلى أن ينفخ في الصور "[14].

ما يبذل لوقاية العرض والنفس

ما يبذل لوقاية العرض والنفس
ما يبذل لوقاية العرض، وحفظ الحرمة، ورفع شر الأشرار وظلم الظلمة. فان السخى لا يقصر في شيء من ذلك، والبخيل ربما منع بخله عن ذلك، فيهتك عرضه ويذهب حرمته. وفي بعض الأخبار دلالة على أن البذل لذلك صدقة. وتقدم أن ما وقى المرء به عرضه فهو صدقة وكذا بذل ما تقتضيه المروة والعادة من ثمرات الجود والسخاء، ومن منعه كان بخيلا.

ما ينفق في المنافع العامة

وتاسعها:

ما ينفق في المنافع العامة
والخيرات الجارية، من بناء المساجد والمدارس والربط والقناطير، واجراء القنوات، وأمثال ذلك مما يبقى أثره على مر الدهور، ويصل نفعه وثوابه إلى صاحبه في كل وقت إلى يوم النشور. ولا يخفى ثواب ذلك. والأخبار الواردة في مدحه وفضيلته أكثر من أن تحصى، ولا حاجة إلى ذكرها لاشتهارها بين الناس.
[1] صححنا أغلب هذه الأخبار المروية عن أهل البيت (ع) في هذا المقام على (الوافي): 6/282، 284 باب فضل الصدقة وباب فضل صدقة السر.
[2] صححنا أحاديث هذا الفصل على (البحار): 4مج 15/110، باب إطعام المؤمن. و242، 244. باب آداب الضيف. وعلى (الكافي): باب إطعام المؤمن. وعلى (الوسائل): في آداب المائدة من كتاب الأطعمة والأشربة.
[3] المعارج، الآية: 24.
[4] صححنا الحديث على (الوافي): 6/281، باب جملة ما يجب في المال من الحقوق.
[5] نفس المصدر: باب جملة ما يجب فيه الزكاة (الوسائل): 2/7، باب الحقوق في المال سوى الزكاة.
[6] المعارج، الآية: 24، 25.
[7] صححنا الحديث على (الوافي):6/281، باب جملة ما يجب في المال من الحقوق وعلى (الوسائل): 2/7، باب جملة ما يجب فيه الزكاة.
[8] الأنعام، الآية: 141.
[9] صححنا الحديث على (الوافي): 6/282. وعلى (فروع الكافي): كتاب الزكاة، باب الحصاد والجذاذ. وما بعده.
[10] صححنا الأحاديث الواردة في هذا المقام على (الوافي): 6/292، باب القرض.
[11] صححنا جميع الأحاديث الواردة في هذا المقام على (الوافي): 6/292 باب أنظار المعسر والتحليل، وعلى (فروع الكافي): باب أنظار المعسر، كتاب الزكاة.
[12] صححنا الحديث على (الوافي): 6/282، باب فضل الصدقة.
[13] الأنبياء، الآية: 103.
[14] صححنا الأحاديث الواردة في هذا المقام على (الكافي): باب من كسا مؤمناً. 


أضف تعليق

كود امني
تحديث

مؤسسة السبطين عليهما السلام

loading...
أخبار المؤسسة
إصدارات
حول المؤسسة
loading...
المرئيات
المدائح
المحاضرات
الفقه
الصور

مشاهدة الكل

telegram ersali arinsta ar

١ ذوالقعدة الحرام

١- ذوالقعدة الحرام ١ـ ولادة كريمة أهل البيت فاطمة بنت موسى بن جعفر(س). ٢ـ غزوة بدر الصغرى. ٣ـ وفاة الاشعث ب...

المزید...

١١ ذوالقعدة الحرام

١١- ذوالقعدة الحرام ولادة ثامن الحجج، الامام السلطان ابوالحسن علي بن موسى الرضا المرتضى(ع) ...

المزید...

١٥ ذوالقعدة الحرام

١٥- ذوالقعدة الحرام نهاية الحكم الاموي وبداية الحكم العباسي ...

المزید...

٢٣ ذوالقعدة الحرام

٢٣- ذوالقعدة الحرام غزوة بني قريظة وتصفية يهود المدينة

المزید...

٢٥ ذوالقعدة الحرام

٢٥- ذوالقعدة الحرام ١) يوم دحو الارض ٢) خروج الرسول (ص) لحجة الوداع ٣) احضار الامام الرضا(ع) من الحجاز إلى ...

المزید...

٣٠ ذوالقعدة الحرام

٣٠- ذوالقعدة الحرام شهادة الامام الجواد(ع)

المزید...
012345
سيرة العلماء
تطبيق اندرويد لكتاب العروة الوثقی والتعليقات عليها
مكتبة أنيس
ثبّت سؤالك هنا
العروة الوثقى
Sibtayn International Foundation
Tel: +98 25 37703330 Fax: +98 25 37706238 Email : sibtayn[at]sibtayn.com
© 2024 Sibtayn International Foundation. All Rights Reserved.

Hi! Click one of our representatives below to chat on WhatsApp or send us email to [email protected]

الإتصال بنا
Close and go back to page