• +98 25 3770 33 30
  • عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

ما ينبغي للفقير


ما ينبغي للفقير
ينبغي للفقير ألا يكون كارهاً للفقر من حيث إنه فعل الله ومن حيث انه فقر، بل يكون راضياً به طالباً له فرحاناً به لعلمه بغوائل الغنى، وأن يكون متوكلا في باطنه على الله، واثقاً به في اتيان قدر ضرورته، ويكون قانعاً به كارهاً للزيادة عليه، منقطع الطمع عن الخلق، غير ملتفت إلى ما في أيديهم، وغير حريص على اكتساب المال كيف كان، وان يكون صابراً شاكراً على فقره، قال أمير المؤمنين (ع): " إن لله عقوبات بالفقر، ومثوبات بالفقر، فمن علامات الفقر إذا كان مثوبة أن يحسن عليه خلقه ويطيع به ربه،ولا يشكو حاله، ويشكر الله تعالى على فقره ومن علاماته إذا كان عقوبة أن يسوء عليه خلقه، ويعصى ربه بترك طاعته ويكثر الشكاية، ويتسخط بالقضاء "، وهذا يدل على أن كل فقير ليس مثابا على فقره، بل من يرضى بفقره، ويفرح به، ويقنع بالكفاف، ويقصر الأمل، وإن لم يرض به وتشوف إلى الكثرة وطول الأمل، وفاته عز القناعة، وتدنس بذل الحرص والطمع، وجره الحرص والطمع إلى مساوى الاخلاق، وارتكاب المنكرات الخارقة للمروات حبط أجره وكان آثما قلبه.
وينبغي أن يظهر التعفف ويستر الفقر ويستر أنه يستر وألا يخالط الأغنياء ولا يرغب في مجالستهم، ولا يتواضع لهم لاجل غناهم بل يتكبر عليهم. قال أمير المؤمنين (ع): " ما احسن تواضع الغني للفقير رغبة في ثواب الله، واحسن منه تيه الفقير على الغني ثقة بالله " وألا يسكت عن ذكر الحق مداهنة للاغنياء، وطمعاً بما في أيديهم، ولا يفتر بسبب فقره عن عبادة الله، ويبذل قليل ما يفضل عنه، فان ذلك جهد المقل، وفضله اكثر من أموال كثيرة يبذلها الغني، قال رسول الله (ص): " درهم من الصدقة افضل عند الله من مائة الف دينار ". قيل وكيف ذلك يا رسول الله؟ قال: " اخرج رجل من عرض ماله مائة الف دينار يتصدق بها وأخرج رجل درهما من درهمين لا يملك غيرهما طيبة به نفسه فصار صاحب الدرهم أفضل من صاحب مائة الف دينار " وينبغي ألا يدخر ازيد من قدر الحاجة، فإن لم يدخر اكثر من قوت يومه وليلته فهو من الصديقين، وإن لم يدخر اكثر من قوت أربعين يوماً كان من المتقين، وإن لم يدخر اكثر من قوت سنة ـ وهو الفضل المشترك بين الفقر والغنى ـ كان من الصالحين، ولو زاد عليه خرج عن زمرة الفقراء.


ما ينبغي للفقير
ينبغي للفقير ألا يكون كارهاً للفقر من حيث إنه فعل الله ومن حيث انه فقر، بل يكون راضياً به طالباً له فرحاناً به لعلمه بغوائل الغنى، وأن يكون متوكلا في باطنه على الله، واثقاً به في اتيان قدر ضرورته، ويكون قانعاً به كارهاً للزيادة عليه، منقطع الطمع عن الخلق، غير ملتفت إلى ما في أيديهم، وغير حريص على اكتساب المال كيف كان، وان يكون صابراً شاكراً على فقره، قال أمير المؤمنين (ع): " إن لله عقوبات بالفقر، ومثوبات بالفقر، فمن علامات الفقر إذا كان مثوبة أن يحسن عليه خلقه ويطيع به ربه،ولا يشكو حاله، ويشكر الله تعالى على فقره ومن علاماته إذا كان عقوبة أن يسوء عليه خلقه، ويعصى ربه بترك طاعته ويكثر الشكاية، ويتسخط بالقضاء "، وهذا يدل على أن كل فقير ليس مثابا على فقره، بل من يرضى بفقره، ويفرح به، ويقنع بالكفاف، ويقصر الأمل، وإن لم يرض به وتشوف إلى الكثرة وطول الأمل، وفاته عز القناعة، وتدنس بذل الحرص والطمع، وجره الحرص والطمع إلى مساوى الاخلاق، وارتكاب المنكرات الخارقة للمروات حبط أجره وكان آثما قلبه.
وينبغي أن يظهر التعفف ويستر الفقر ويستر أنه يستر وألا يخالط الأغنياء ولا يرغب في مجالستهم، ولا يتواضع لهم لاجل غناهم بل يتكبر عليهم. قال أمير المؤمنين (ع): " ما احسن تواضع الغني للفقير رغبة في ثواب الله، واحسن منه تيه الفقير على الغني ثقة بالله " وألا يسكت عن ذكر الحق مداهنة للاغنياء، وطمعاً بما في أيديهم، ولا يفتر بسبب فقره عن عبادة الله، ويبذل قليل ما يفضل عنه، فان ذلك جهد المقل، وفضله اكثر من أموال كثيرة يبذلها الغني، قال رسول الله (ص): " درهم من الصدقة افضل عند الله من مائة الف دينار ". قيل وكيف ذلك يا رسول الله؟ قال: " اخرج رجل من عرض ماله مائة الف دينار يتصدق بها وأخرج رجل درهما من درهمين لا يملك غيرهما طيبة به نفسه فصار صاحب الدرهم أفضل من صاحب مائة الف دينار " وينبغي ألا يدخر ازيد من قدر الحاجة، فإن لم يدخر اكثر من قوت يومه وليلته فهو من الصديقين، وإن لم يدخر اكثر من قوت أربعين يوماً كان من المتقين، وإن لم يدخر اكثر من قوت سنة ـ وهو الفضل المشترك بين الفقر والغنى ـ كان من الصالحين، ولو زاد عليه خرج عن زمرة الفقراء.

وظيفة الفقراء

وظيفة الفقراء
ما يعطى الفقير بغير سؤاله: إن كان (حراماً أو شبهة) وجب عليه رده والاجتناب عنه، وإن كان (حلالا)، فان كان (هدية) استحب قبوله تأسياً برسول الله (ص) إن لم تكن فيه منة، ولو كانت فيه منة فالأولى تركه. وما كان بعضهم إذا أعطاه صديقه شيئاً يقول اتركه عندك، وانظر إن كنت انا بعد قبوله في قلبك أفضل منى قبل القبول فاخبرني حتى آخذه وإلا فلا، وعلامة ذلك أن يشق على المعطى رده، ويفرح بالقبول، ويرى المنة على نفسه في قبوله، وإن كان (صدقة أو زكاة) أو غير ذلك مما يكون للثواب المحض، فينبغي أن ينظر في استحقاقه لذلك، فان كان من أهله قبله وإلا رده، وإن كان المعطي أعطاه لوصف يعلمه فيه كعلم أو ورع أو كونه علوياً، ولو لم يكن له هذا الاختصاص لنفر طبعه، ولما تقرب إلى الله باعطائه، ولم يكن هو باطناً كذلك فأخذه حرام، وإن لم يكن هدية ولا صدقة بل أعطاه للشهرة والرياء والسمعة فينبغي أن يرد عليه ولا يقبله، والا كان معيناً له على غرضه الفاسد، والاعانة على الإثم اثم.

موارد قبول العطاء وردها

موارد قبول العطاء وردها
ما يعطى الفقير ان كان محتاجاً إليه ولم يكن أزيد من حاجته فالأفضل له الأخذ إذا سلم من الآفات المذكورة، قال رسول الله (ص): " ما المعطي من سعة بأعظم أجراً من الآخذ إذا كان محتاجاً "، وقال (ص): " من أتاه شئ من هذا المال من غير مسألة ولا استشراف فانما هو رزق ساقه الله إليه فلا يرده "، وان كان زائداً على قدر حاجته فليرد الزائد إن كان طالباً طريق الآخرة، إذ الزيادة على قدر الحاجة إنما يأتيك ابتلاء وفتنة لينظر الله اليك ماذا تعمل فيه، وقدر الحاجة يأتيك رفقاً بك، فأنت في اخذ قدر الحاجة مثاب، وفيما زاد عليه إما عاص أو معترض للحساب، قال رسول الله (ص): " لا حق لابن آدم إلا في ثلاث: طعام يقيم صلبه، وثب يواري عورته، وبيت يسكنه فما زاد فهو حساب "، فلا ينبغي لطالب السعادة أن يأخذ الأزيد من الحاجة، إذ النفس إذا رخصت في نقض العزم والعهد ألفت به، وردها بعد الالف والعادة مشكل.
والحاصل أن أخذ قدر الحاجة راجح لكونه مما لا بد منه، وايجابه ثواب المعطي، ولذلك لم أمر موسى بن عمران (ع) بأن يفطر عند بني إسرائيل قال: إلهي ما بالى فرقت رزقي على أيدي بني اسرائيل يغديني هذا يوماً ويعشيني هذا ليلة، فأوحى الله إليه: " هكذا أصنع بأوليائى أجري ارزاقهم على ايدي البطالين من عبادي ليؤجروا فيهم ". فلا ينبغي أن يرى المعطي إلا من حيث انه مسخر مأجور.
وأما أخذ الزيادة على قدر الحاجة فليس مما ينبغي، من كان حاله التكفل بامور الفقراء والانفاق عليهم، لما في طبعه من البذل والسخاء والرفق والعطاء، فيجوز له اخذ الزيادة ليبذلها على المستحقين، ولكن يلزم أن يبادر إلى الصرف إليهم ولا ينبغي أن يدخر، إذ في امساكه ولو في يوم واحد أو ليلة واحدة فتنة واختبار، فربما مالت النفس إلى الامساك ويصير وبالا عليها، وقد نقل أن جماعة تصدوا لخدمه الفقراء والتكفل لأحوالهم فخدعتهم النفس الأمارة باعانة الشيطان فاتخذوها وسيلة إلى التوسع في المال، والتنعم في المطعم والمشرب، وانجر أمرهم إلى الهلاك.

لا يجوز السؤال من غير حاجة

لا يجوز السؤال من غير حاجة
ينبغي للمؤمن ألا يسأل الناس من غير حاجة اضطر إليها، بل يستعف عن السؤال ما استطاع، لأنه فقر معجل وحساب طويل يوم القيامة. والأصل فيه التحريم لتضمنة الشكوى من الله، واذلال السائل نفسه عند غير الله، وايذاء المسؤول غالباً، إذ ربما لم تسمح نفسه بالبذل عن طيب القلب، وبعد السؤال ألجأه الحياء أو الرياء إليه، ومعلوم أن الاعطاء استحياء أو رياء لئلا ينقص جاهه عند الناس بنسبتهم إياه إلى البخل لا يكون له حلية شرعاً.
ولتضمنه هذه المفاسد ورد في الشريعة المنع منه، قال رسول الله (ص): " مسألة الناس من الفواحش "، وقال (ص): " من سأل عن ظهر غنى فانما يستكثر من جمر جهنم، ومن سأل وله ما يغنيه جاء يوم القيامة ووجهه عظم يتقعقع ليس عليه لحم " وقال (ص): " من سأل الناس وعنده قوت ثلاثة أيام لقى الله يوم يلقاه وليس على وجهه لحم "[1] وقال (ص): " ما من عبد فتح على نفسه باباً من المسألة إلا فتح الله عليه سبعين باباً من الفقر ". وقال : " إن المسألة لا تحل إلا لفقر مدقع أو غرم مفظع " وقال: " السؤال عن ظهر صداع في الرأس، وداء في البطن ". وقال: " من سأل الناس أموالهم تكثراً فانما هي جمرة فليستقل منه أو ليستكثر ".
وروى: " أنه جاءت فخذ من الانصار إلى رسول الله (ص) فسلموا عليه فرد عليهم السلام، فقالوا يا رسول الله ان لنا إليك حاجة فقال: " هاتوا حاجتكم " فقالوا إنها حاجة عظيمة فقال: " هاتوها ما هي " قالوا: تضمن لنا على ربك الجنة، فنكس رأسه، ثم نكت[2] في الأرض، ثم رفع رأسه فقال: " أفعل ذلك بكم على ألا تسألوا احداً شيئاً "، فكان الرجل منهم يكون في السفر فيسقط سوطه، فيكره أن يقول لإنسان ناولنيه فراراً من المسألة وينزل فيأخذه، ويكون على المائدة ويكون بعض الجلساء أقرب إلى الماء منه فلا يقول ناولنى حتى يقوم فيشرب "[3] وبايع (ص) قوماً على السلام فاشترط عليهم السمع والطاعة، ثم قال لهم خفية: " ولا تسألوا الناس شيئاً "، فكان بعد ذلك تقع المحفرة من يد أحدهم فينزل لها ولا يقول لأحد ناولنيها: وكان (ص) يأمر غالبا بالتعفف عن السؤال، ويقول: " من سألنا أعطيناه، ومن استغنى أعناه الله، ومن لم يسألنا فهو أحب إلينا "وقال: " وما قل من السؤال فهو خير " قالوا: ومنك يا رسول الله؟ قال: " ومني " وقال: " لو أن أحدكم أخذ حبلا فيأتى بحزمة حطب على ظهره فيبيعها ويكف بها وجهه، خير له من أن يسأل ".
وقال سيد الساجدين (ع): " ضمنت على ربي أنه لا يسأل أحد احداً من غير حاجة إلا اضطرته المسألة يوماً إلى أن يسأل من حاجة "ونظر عليه السلام يوم عرفة إلى رجال ونساء يسألون، فقال " هؤلاء شرار خلق الله، الناس مقبلون على الله وهم مقبلون على الناس ". وقال الباقر (ع): " أقسم بالله وهو حق ما فتح رجل على نفسه باب مسألة إلا فتح الله عليه باب فقر "، وقال الصادق (ع): " طلب الحوائج إلى الناس استلاب[4] للعز ومذهبة للحياء، واليأس مما في أيدي الناس عز للمؤمن في دينه، والطمع هو الفقر الحاضر ". وقال الصادق (ع): لو يعلم السائل ما عليه من الوزر ما سأل أحد أحداً، ولو يعلم المسؤول ما عليه إذا منع ما منع أحد أحداً ". وقال: " من سأل من غير حاجة فكأنما يأكل الجمر ".
ثم المنع والتحريم إنما هو في السؤال بدون الاضطرار، وأما مع الحاجة والاضطرار فلا ريب في جوازه، وقد وردت به الرخصة، قال الله سبحانه:
" وأمّا السائل فلا تنهر "[5].
وقال رسول (ص): " لا تردوا السائل ولو بشق تمرة " وقال (ص): " لولا أن السائل يكذب ما قدس من ورده " وقال (ص): " للسائل حق وإن جاء على الفرس " وقال (ص): " لا تردوا السائل ولو بظلف محترق "[6]. ولو كان السؤال مطلقاً حراماً لما أجاز الله ورسوله إعانة العاصي على معصيته.
ثم الحاجة المجوزة للسؤال: ما بلغت حد الاضطرار، كسؤال الجائع الخائف على نفسه بالموت أو المرض لو لم يصل إليه قوت، وسؤال العاري الذي بدنه مكشوف ويخاف من الحر والبرد ـ أولم تبلغ إليه، وهي إما حاجة (مهمة) كالاحتياج إلى الجبة في الشتاء بحيث لولاها لتأذى بالبرد تأذياً لا ينتهى إلى حد الضرورة، والاحتياج إلى الكري مع القدرة على المشي مع المشقة، أو حاجة (خفيفة) كالاحتياج إلى الأدام مع وجود الخبز ـ فالظاهر جواز السؤال في جميع ذلك (مع رجحانه في الأول، وإباحته في الثاني، ومرجوحيته في الثالث)، بشرط إخلائه عن المحذورات المذكورة، أعني الشكوى والذل والإيذاء، وتندفع هذه المحذورات بأن يظهر حاجته تعريضاً بعد تقديم الشكر لله، وإظهار الاستغناء عن الخلق عند بعض الأصدقاء أو الأسخياء، إذ السؤال من الصديق لا يوجب الإذلال والسخي لا يتأذى بالسؤال بل يفرح به.
ثم ما ذكر إنما هو في السؤال للاحتياج إليه بعد النسبة لما يحتاج إليه في الحال، وأما السؤال لما يحتاج إليه في الاستقبال، فان كان يحتاج إليه بعد السنة فهو حرام قطعاً، وإن كان يحتاج إليه قبلها، سوء كان بعد اربعين يوماً من يومه أو خمسين أو أقل أو اكثر، فان أمكنه السؤال عند بلوغ وقت الحاجة فلا يحل له السؤال، وإن علم بأنه لا يتمكن من السؤال عنده فهو جائز مع الكراهة والمرجوحية، وكلما كان تراخي الحاجة عن يومه أكثر كانت الكراهة أشد. ثم معرفة درجات الحاجة وضعفها وشدتها والوقت الذين يحتاج فيه موكول إلى العبد ومنوط باجتهاده ونظره لنفسه بينه وبين الله، فليعمل به بعد استغناء قلبه على ما يقتضيه سلوك طريق الآخرة، وكلما كان يقينه اقوى، وثقته بمجىء الرزق أتم، وقناعته بقوت الوقت اظهر، فدرجته عند الله أعلى.
فيا حبيبي، لا تهبط نفسك من اوج التوكل والاعتماد على الله إلى حضيض الخوف والاضطراب في مجيء رزقك، ولا تصغ إلى تخويف الشيطان، فانه يعدكم الفقر ويأمركم بالفحشاء، وكن مطمئنا بوعد ربك إذ قال:
" والله يعدكم مغفرةً منه وفضلاً "[7].
واسمع قول نبيك (ص) حيث قال: " لو توكلتم على الله حق توكله، لرزقتم كما ترزق الطيور، تغدوا خماصاً وتروح بطاناً ".

الحرص

الحرص
وهو معنى راتب في النفس، باعث على جميع مالا يحتاج إليه ولا يفيده من الأموال، من دون أن ينتهي إلى حد يكتفى به، وهو أقوى شعب حب الدنيا واشهر انواعه. ولا ريب في كونه ملكة مهلكة وصفة مضلة بل بادية مظلمة الأرجاء والاطراف، وهاوية غير متناهية الاعماق والاكناف من وقع فيها ضل وباد، ومن سقط فيها هلك وما عاد. والتجربة والاعتبار والاخبار والآثار متظاهرة على أن الحريص لا ينتهي إلى حد يقف دونه، بل لا يزال يخوض في غمرات الدنيا إلى أن يغرق، وتطرحه ارض إلى أرض حتى يهلك. قال رسول الله (ص): " لو كان لابن آدم واديان من ذهب، لابتغى وراءهما ثالثاُ، ولا يملأ جوف ابن آدم إلا التراب، ويتوب الله على من تاب ". وقال (ص): " منهومان لا يشبعان: منهوم العلم، ومنهوم المال ". وقال (ص): " يشيب ابن آدم وتشب فيه خصلتان: الحرص، وطول الامل " وقال أبو جعفر الباقر (ع): " مثل الحريص على الدنيا كمثل دودة القز، كلما ازدادت على نفسها لفا كان أبعد لها من الخروج، حتى تموت غماً ". وقال الصادق (ع): " إن فيما نزل به الوحى من السماء لو أن لابن آدم واديين يسيلان ذهباً وفضة لابتغى لهما ثالثاً. يا ابن آدم إنما بطنك بحر من البحور وواد من الاودية، لا يملأه شيء إلا التراب " وقال بعض الأكابر: " من عجيب أمر الإنسان، انه لو نودى بدوام البقاء في أيام الدنيا لم يكن في قوى خلقته من الحرص على الجمع اكثر مما قد استعمله مع قصر مدة التمتع وتوقع الزوال ". ثم ما ورد من الأخبار في ذمه اكثر من أن تحصى، ولا حاجة إلى ايرادها لاشتهارها. وقال الباقر (ع): " رب حريص على أمر قد شقى به حين أتاه، ورب كاره لامر قد سعد به حين أتاه ". وأي خسران أشد من أن يسعى الإنسان في طلب به هلاكه؟ رأي تأمل في أن كلما يحرص عليه الإنسان من اموال الدنيا يكون مهلكاً له؟!

القناعة

القناعة
ضد الحرص (القناعة). وهي ملكة للنفس: توجب الاكتفاء بقدر الحاجة والضرورة من المال، من دون سعي وتعب في طلب الزائد عنه، وهي صفة فاضلة يتوقف عليها كسب سائر الفضائل، وعدمها يؤدي بالعبد إلى مساوئ الأخلاق والرذائل، وهي المظنة للوصول إلى المقصد وأعظم الوسائل لتحصيل سعادة الابد، إذ من قنع بقدر الضرورة من المطعم والملبس، ويقتصر على أقله قدراً أو أخسه نوعاً، ويرد أمله إلى يومه أو إلى شهره، ولا يشغل قلبه بالزائد عن ذلك، كان فارغ البال مجتمع الهم، فيتمكن من الاشتغال بأمر الدين وسلوك طريق الآخرة، ومن فاتته القناعة، وتدنس بالحرص والطمع وطول الأمل، وخاض في غمرات الدنيا، تفرق قلبه وتشتت أمره. فكيف يمكنه التشمر لتحصيل أمر الدين والوصول إلى درجات المتقين؟ ولذلك ورد في مدح القناعة ما ورد من الأخبار، قال رسول الله (ص): " طوبى لمن هدى للاسلام، وكان عيشه كفافاً وقنع به! ". وقال: " ما من احد، من غني ولافقير، إلا ود يوم القيامة أنه كان اوتى قوتاً في الدنيا ". وقال (ص): " أيها الناس، اجملوا في الطلب، فانه ليس للعبد إلا ما كتب له في الدنيا، ولن يذهب عبد من الدنيا حتى يأتيه ما كتب له في الدنيا وهي راغمة "وقال (ص): نفث روح القدس في روعي: أنه لن تموت نفس حتى تستكمل رزقها. فاتقوا الله واجملوا في الطلب ". وقال (ص): " كن ورعاً تكن أعبد الناس وكن قانعاً تكن أشكر الناس، واحب للناس ما تحب لنفسك تكن مؤمناً "وفي الخبر القدسي: " يا ابن آدم، لو كانت الدنيا كلها لك لم يكن لك منها إلا القوت، فإذا أنا اعطيتك منها القوت وجعلت حسابها على غيرك فأنا اليك محسن ". وروى: " ان موسى سأل ربه تعالى، وقال: أي عبادك أغنى؟ قال: اقنعهم لما اعطيته ". وقال أمير المؤمنين (ع) " ابن آدم، إن كنت تريد من الدنيا ما يكفيك، فان ايسر ما فيها يكفيك وإن كنت إنما تريد مالا يكفيك، فان كل ما فيها لا يكفيك ". وقال أبو جعفر (ع): " إياك أن تطمح بصرك إلى من هو فوقك فكفى بما قال الله عز وجل لنبيه (ص):
" فلا تعجبك أموالهم ولا أولادهم "[8]. وقال: " ولا تمدن عينيك إلى ما متعنا به أزواجاً منهم زهرة الحياة الدنيا "[9].
فان دخلك من ذلك شيء، فاذكر عيش رسول الله (ص) فانما كان قوته الشعير ـ وحلواه التمر، ووقوده السعف إذا وجده"[10] وقال: " من قنع بما رزقه الله فهو من اغنى الناس. وقال الصادق (ع): " من رضي من الله باليسير من المعاش رضى الله عنه باليسير من العمل ". وقال: " مكتوب في التوراة: ابن آدم، كن كيف شئت كما تدين تدان، من رضى من الله بالقليل من الرزق قبل الله منه اليسير من العمل، ومن رضى باليسير من الحلال خفت مؤنته وزكت مكسبته وخرج من حد الفجور ". وقال: " إن الله عز وجل يقول: يحزن عبدي المؤمن ان قترت عليه، وذلك أقرب له مني، ويفرح عبدي المؤمن إن وسعت عليه، وذلك أبعد له منى". وقال: " كلما ازداد العبد إيمانا ازداد خيفاً في معيشته ". والأخبار الواردة في فضيلة القناعة اكثر من أن تحصى، وما أوردناه كاف لاهل البصيرة.
[1] روى هذا الحديث عينه عن الصادق (ع) (الوسائل كتاب الزكاة أبواب الصدقة الباب 32 الحديث5).
[2] نكت الأرض بقضيب أو بإصبعه: ضربها به حال التفكر فاكثر فيها.
[3] صححنا الحديث على الوسائل (كتاب الزكاة أبواب الصدقة الباب 33 الحديث4) ويرويه عن الكافي.
[4] الاستلاب بمعنى السلب، وهو من باب الافتعال.
[5] الضحى، الآية: 10.
[6] صححنا اكثر الأحاديث هنا على ما في سفينة البحار الجزء الأول ص585 وكتاب الزكاة من الوسائل أبواب الصدقة باب 33 ـ 37 واحياء الأحياء في كتاب الفقر.
[7] البقرة، الآية: 268.
[8] التوبة، الآية: 56.
[9] طه، الآية: 131.
[10] صححنا الحديث وما قبله على ما في (الكافي): باب القناعة، وكذا الحديثين المذكورين بعده. إلا أن هذا الحديث مروي في (الكافي) عن أبي جعفر (ع). وروى في (الوسائل) عن كتاب الزهد، في أبواب جهاد النفس من كتاب الجهاد: الباب 61 الحديث 11، ما يقرب من عبارة هذا الحديث عن أبي عبدالله (ع).


أضف تعليق

كود امني
تحديث

مؤسسة السبطين عليهما السلام

loading...
أخبار المؤسسة
إصدارات
حول المؤسسة

telegram ersali arinsta ar

١ ذوالقعدة الحرام

١- ذوالقعدة الحرام ١ـ ولادة كريمة أهل البيت فاطمة بنت موسى بن جعفر(س). ٢ـ غزوة بدر الصغرى. ٣ـ وفاة الاشعث ب...

المزید...

١١ ذوالقعدة الحرام

١١- ذوالقعدة الحرام ولادة ثامن الحجج، الامام السلطان ابوالحسن علي بن موسى الرضا المرتضى(ع) ...

المزید...

١٥ ذوالقعدة الحرام

١٥- ذوالقعدة الحرام نهاية الحكم الاموي وبداية الحكم العباسي ...

المزید...

٢٣ ذوالقعدة الحرام

٢٣- ذوالقعدة الحرام غزوة بني قريظة وتصفية يهود المدينة

المزید...

٢٥ ذوالقعدة الحرام

٢٥- ذوالقعدة الحرام ١) يوم دحو الارض ٢) خروج الرسول (ص) لحجة الوداع ٣) احضار الامام الرضا(ع) من الحجاز إلى ...

المزید...

٣٠ ذوالقعدة الحرام

٣٠- ذوالقعدة الحرام شهادة الامام الجواد(ع)

المزید...
012345
سيرة العلماء
تطبيق اندرويد لكتاب العروة الوثقی والتعليقات عليها
مكتبة أنيس
ثبّت سؤالك هنا
العروة الوثقى
Sibtayn International Foundation
Tel: +98 25 37703330 Fax: +98 25 37706238 Email : sibtayn[at]sibtayn.com
© 2024 Sibtayn International Foundation. All Rights Reserved.

Hi! Click one of our representatives below to chat on WhatsApp or send us email to [email protected]

الإتصال بنا
Close and go back to page