بقلم الدكتور محمد طه السلامي
كان لي الشرف الكبير أن أكون بخدمة العلامة المجتهد الكبير المرحوم آية الله السيد مسلم السيد حمود الحسيني الحلي طاب ثراه لمدة قد تزيد على 10 سنوات في الحلة / العراق ، وبالتحديد في مسجد القطانة في السوق الكبير ، وبالرغم من كوني لا زلت من غير طلبة العلوم الدينية ، إلا أني كنت وإلى يومي هذا من محبي العلوم الدينية ، ومن محبي أساتذة وطلبة الحوزة العلمية أينما كانوا .
ولادته :
ولد العلامة السيد مسلم الحلي في مدينة الحلة عام 1334 ه - 1916 م .
نبذة من سيرته :
عند تأهله للدرس سنة 1345 ه انتقل إلى مدينة النجف الأشرف ، حيث تلقى العلوم على أيدي فطاحل العلماء وكبارهم ، من أمثال : آية الله الكبرى الشيخ محمد حسين الأصفهاني طاب ثراه ، والعلامة آية الله الكبرى الشيخ آقا ضياء الدين العراقي طاب ثراه ، والعلامة النحرير المتضلع في كل فن الشيخ مرتضى الطالقاني طاب ثراه ، وحجة الاسلام الامام المجاهد الشيخ محمد الحسين آل كاشف الغطاء طاب ثراه ، وآية الله الكبرى المجاهد السيد محسن الحكيم ( قدس سره ) ، وآية الله الكبرى حجة الاسلام السيد حسين الحمامي ( قدس سره ) ، وغيرهم من فقهاء مذهب آل محمد ( عليهم السلام ) .
عين مدرسا في مدرسة حجة الاسلام الامام المجاهد الشيخ محمد الحسين آل كاشف الغطاء ( قدس سره ) الدينية ، وعنه يقول الشيخ محمد الحسين آل كاشف الغطاء عندما قدم كلمة مختصره على كتاب " الميزان الصحيح " ، وملحوظة على كتاب " التشريع الاسلامي " المطبوع سنة 1365 ه / 1946 م :
" نظرت في ما كتبه في هذا الكتاب قرة عيني ، بل قرة عين العلم والفضيلة ، والحسب والنسب ، والتقى والصلاح ، السيد مسلم الحلي حفظه الله فوجدته قوي الحجة ، واسع الاطلاع ، حسن الأسلوب ، قد أعطى الحقيقة حقها ، ورد الحجر من حيث جاء ، وكشف عما للقوم من جهالات وأخطاء ، كنا نظن أن الدهر والثقافات المتأخرة ولا سيما ثقافة هذه العصور قد محتها من صفحة الوجود ، وانطفأت جمراتها اللاذعة كما انطفأت عن الخليل ( عليه السلام ) نار نمرود . فجزى الله ولدنا العزيز الدارس عندنا ، والمدرس في مدرستنا نعم الجزاء ، ولا زال مؤيدا ومسددا بعناية
الحق ودعاء أبيه الروحي " . انتهى باختصار كلام المرحوم آية الله الشيخ كاشف الغطاء ( قدس سره ) .
اختاره بعد ذلك حجة الاسلام آية الله الكبرى ومرجع الأمة آنذاك السيد أبو الحسين الأصفهاني وانتدبه إلى مدينة الكاظمية المقدسة للتدريس فيها . وعند وفاة آية الله الكبرى السيد أبي الحسن الأصفهاني ( قدس سره ) كر راجعا إلى مدينة النجف الأشرف بعد أن مضى ردحا من الزمن في مدينة الكاظمية مدرسا .
اختير بعد ذلك في مدينة بغداد من قبل أهلها وبطلب من حجه الاسلام المجاهد الامام الشيخ آل كاشف الغطاء ( قدس سره ) بعد أن أجازه بالاجتهاد . أسس في بغداد جمعية وأسماها باسم " جمعية المقاصد الخيرية الاسلامية " وفتح لها مدرسة دينية تطورت هذه الجمعية وقد نشرت بعض النشرات والكتب المفيدة ، وأقامت احتفالات دينية عديدة .
اختير عدة مرات بإلحاح من الحكومة الملكية آنذاك لتسلم منصب القضاء فرفض ذلك ، وأذكر أنه حدثني رحمه الله عندما جاء عبد الوهاب مرجان الذي أصبح رئيس الوزراء في العهد الملكي إلى الحلة - بلدته - التقى بالسيد مسلم وألح عليه أن يستلم منصب القضاء ، فعاود رفضه لذلك لتعلقه بالحوزة العلمية في النجف الأشرف .
قبل وفاة والده الحجة العلامة السيد حمود الحلي ( قدس سره ) بمدة قصيرة توجه إلى الحلة لرؤيته ولكن توفي والده في ذلك الظرف وكان سنة 1372 ه .
ألزمه أهالي الحلة أن يحل محل والده فحل فيها ردحا من الزمن ، ثم كر راجعا سنة 1374 ه إلى مدينة النجف الأشرف فصار يواصل تدريسه في السطوح العالية - من كفاية الآخوند بجزأيها ، ورسائل الشيخ الأنصاري ومكاسبه ، حلقة من الأفاضل بدرس الخارج .
اختير ثانيا برجاء من أهل بغداد وتنسيب المرجع آية الله الكبرى المجاهد السيد محسن الحكيم ( قدس سره ) ، فرجع إلى بغداد سنة 1388 ه .
مؤلفاته :
للمرحوم ديوان شعر غير مطبوع ، ولديه شاعرية فذة تمتاز بحسن السبك وحس التعبير .
أهم ما طبع من مؤلفاته هو هذا الكتاب الذي بين أيدينا " القرآن والعقيدة " حيث وفقت بعناية الباري عز وعلا أن أعيد طباعته في قم المقدسة بعد أكثر من 20 سنة من وفاته في سنة 1981 م . لم أنسه طيلة هذه السنين وذكره بالنسبة لي الزاد اليومي ، وبفضل دعائه لي وفقت لإعادة طبع هذا السفر الخالد بحلة جديدة الذي لا يستغني عنه طالب الحوزة العلمية على ما أعتقده .
لدى المرحوم بعض المخطوطات من مؤلفاته ، ككتاب " بلوغ الغاية في شرح الكفاية " يقع في 3 أجزاء ، وكتاب " العلم والعقيدة " يقع في عدة أجزاء ، و " نظرة في المادة أو مناظرة الماديين " ، و " الطرائف العلمية والظرائف الأدبية " ، وكتاب " المسائل في شرح الرسائل " تأليف الشيخ الأنصاري في الأصول العلمية .
معظم ما ورد عن حياة سيدنا الأجل المرحوم السيد مسلم هو من كتابة نجله السيد عبد العزيز الحلي ، باختصار وتصرف .
نفعنا الله بهذه الخدمة المتواضعة لنشر تراث فقهاء أهل البيت ( عليهم السلام ) ، وللأسف هناك الكثير الكثير منهم قد رحلوا عنا وتركوا لنا بضاعة وكنوز لا تفنى من علوم الدين الخالدة ، وأرجو من الله تعالى بهذه المساهمة البسيطة أن ننفع بها السالكين على درب العلم والفضيلة .
نسأل الله أن يوفقنا لطاعاته ومراضيه ، وأن يرحم علماءنا ومراجعنا الماضين ، ولا سيما المرحوم السيد مسلم الحلي ، وأن يحفظ مراجعنا وعلماءنا الربانيين في مشارق الأرض ومغاربها ، والحمد لله أولا وآخرا .
محمد طه السلامي
ماجستير ودكتوراه
علوم طبية / انگلترا واستراليا
تقديم
- الزيارات: 2983