زهده
أمّا الزهد في الدنيا فإنّه من أبرز الذاتيات في خُلق أئّمة أهل البيت (عليهم السلام) فقد أعرضوا عن زهرة هذه الدنيا، وفعلوا كلّ ما يقربهم إلى الله زلفى.
لقد كان الإمام علي أمير المؤمنين (عليه السلام) رائد العدالة الكبرى في الأرض في أيام خلافته يلبس أخشن الثياب ويأكل أجشب العيش، ولم يتّخذ من غنائمها وفراً ولم يضع لبنة على لبنة، وعلى ضوء هذه السيرة المشرقة الواضحة سار الأئمة الطاهرون، فقد زهدوا جميعاً في الدنيا وأعرضوا عن رغائبها.
لقد كان الإمام الجواد (عليه السلام) شاباً في مقتبل العمر، وكان المأمون يغدق عليه الأموال الوافرة البالغة مليون درهم. وكانت الحقوق الشرعية ترد إليه من الطائفة الشيعية التي تذهب إلى إمامته بالإضافة إلى الأوقاف التي في (قم) وغيرها إلاّ أنّه لم يكن ينفق شيئاً منها في أموره الخاصّة وإنّما كان ينفقها على الفقراء والمعوزين والمحرومين.. وقد رآه الحسين المكاري في بغداد، وكان محاطاً بهالة من التعظيم والتكريم من قِبل الأوساط الرسمية والشعبية فحدّثته نفسه أنّه لا يرجع إلى وطنه يثرب وسوف يقيم في بغداد راتعاً في النعم والترف، وعرف الإمام قصده، فانعطف عليه وقال له:
(يا حسين، خبز الشعير، وملح الجريش في حرم جدّي رسول الله (صلى الله عليه وآله) أحب إليَّ ممّا تراني فيه..)[1].
إنّه لم يكن من عشاق تلك المظاهر التي كانت تضفيها عليه الدولة، وإنّما كان كآبائه الذين طلّقوا الدنيا، واتّجهوا صوب الله تعالى لا يبغون عنه بديلاً.
--------------------------------------------------------------------------------
[1] إثبات الهداة: ج 6 ص 185.