• +98 25 3770 33 30
  • عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

الفصل الثالث - الإمام الرضا عليه السلام بعد تولـيه الإمامة



تعتقد مدرسة أهل البيت عليهم‌السلام أن الإمامة أمرٌ الهي وجعلٌ رباني لا رأي لأحد فيها من الأمة. وبأن الإمام يجب أن يكون منصوصا عليه من قبل النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم. إذ الإمامةهي امتداد للنبوة ، والدليل الذي يوجب إرسال الرسل وبعث الأنبياء هو نفسه أيضا يوجب نصب الإمام. وهي أيضاً لطف من اللّه كالنبوة فلابد من أن يكون في كل عصر إمام هادٍ يخلف النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في وظائفه في هداية البشر.

ولو تعمقنا في النظر قليلاً لوجدنا أن فكرة النص تقوم على دليلين :

الأول : عقلي : ويستدل به على استحالة أن يترك الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الأمة فوضى من بعده ، وهو الحريص عليها ، وقد بيّن لها صغائر الأمور ، فكيف يترك مسألة الإمامة أو القيادة دون تعيين؟!. علما بأن الخليفة الأول والثاني قد عينا أشخاصا قبيل وفاتهم لأمر الخلافة.

الثاني : شرعي : حيث استُدلّ بالكثير من الآيات والروايات على ثبوت الإمامة في أمير المؤمنين علي عليه‌السلام وأحد عشر من ولده من بعده.

وعرض جميع الادلة العقلية والنقلية على إمامة أهل البيت عليهم‌السلام بحث طويل وعريض لامجال هنا لاستقصائه ، ومن شاء فليراجع كتاب (الشافي في الإمامة) للسيد المرتضى قدس‌سره ، إذ يعد هذا الكتاب بشهادة أعلام الطائفة فريداً في بابه ، بل هو كما يقول الشيخ محمد جواد مغنية في تقريظه : إنه صورة صادقة لمعارف المرتضى ومقدرته ، أو لمعارف علماء الإمامية وعلومهم في زمنه ـ على الأصح ـ عالج المرتضى مسألة الإمامة من جميع جهاتها كمبدأ ديني واجتماعي وسياسي ، وأثبت بدليل العقل والنقل الصحيح أنها ضرورة دينية واجتماعية ، وأن علياً عليه‌السلام هو الخليفة الحق المنصوص عليه بعد الرسول ، وأنه من عارض وعاند فقد عارض الحق والصالح العام.

ذكر الشريف جميع الشبهات التي قيلت أو يمكن أن تُقال حول الإمامة وأبطلها بمنطق العقل والحجج الدامغة (١).

لقد شغل موضوع الإمامة حيزا كبيرا من فكر أئمة أهل البيت عليهم‌السلام لكونها حجر الزاوية في الفكر الإسلامي عامة والشيعي على وجه الخصوص ، إضافة إلى كثرة اختلاف الناس حولها ، وحاجتهم الماسة إلى القول الفصل فيها ، بغية الخروج من مرحلة الحيرة والتساؤل.

وقد حظيت هذه المسألة بأهمية استثنائية عند إمامنا الرضا عليه‌السلام فأجاب عن الاشكالات والشبهات المطروحة إجابةً شافيةً ووافية ، نجدها في الرواية التالية : عن القاسم بن مسلم ، عن أخيه عبد العزيز بن مسلم ، كنا في أيام علي بن موسى الرضا عليه‌السلام بمرو ، فاجتمعنا في مسجد جامعها في يوم الجمعة في بدء مقدمنا ، فأدار الناس أمر الإمامة وذكروا كثرة اختلاف الناس فيها فدخلت على سيدي ومولاي الرضا عليه‌السلام ، فأعلمته ما خاض الناس فيه ، فتبسم عليه‌السلام ثم قال : « يا عبد العزيز ، جهل القوم وخدعوا عن أديانهم ، ان اللّه تبارك وتعالى لم يقبض نبيه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حتى أكمل له الدين وأنزل عليه القرآن فيه تفصيل كل شيء بيّن فيه الحلال والحرام والحدود والأحكام وجميع ما يحتاج إليه كملاً فقال عزّوجلّ : ( مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِن شَيْءٍ ) (2) وأنزل في حجة الوداع وفي آخر عمره صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : ( الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الاْءِسْلاَمَ دِيناً ) (3) وأمر الإمامة في تمام الدين ، ولم يمض صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حتى بيّن لأمته معالم دينهم ، وأوضح لهم سبيلهم وتركهم على قصد الحق وأقام لهم عليا عليه‌السلام علما وإماما ، وما ترك شيئا تحتاج إليه الأمة إلاّ بينه ، فمن زعم أن اللّه عز وجل لم يكمل دينه ، فقد ردّ كتاب اللّه عزّوجلّ ، ومن ردّ كتاب اللّه تعالى فهو كافر ، هل يعرفون قدر الإمامة ومحلها من الأمة فيجوز فيها اختيارهم؟ ان الإمامة أجلّ قدرا وأعظم شأنا وأعلى مكانا وأمنع جانبا وأبعد غورا من أن يبلغها الناس بعقولهم ، أو ينالونها بآرائهم أو يقيموا إماما باختيارهم ـ إلى أن يقول ـ فقلّدها عليا عليه‌السلام بأمر اللّه عزّوجلّ على رسم ما فرضها اللّه عزّوجلّ ، فصارت في ذريته الأصفياء الذين أتاهم اللّه العلم والإيمان بقوله عز وجل : ( وَقَالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَالاْءِيمَانَ لَقَدْ لَبِثْتُمْ فِي كِتَابِ اللّه إِلَى يَوْمِ الْبَعْثِ ) (4) فهي في ولد علي عليه‌السلام خاصة إلى يوم القيامة ـ إلى أن قال ـ ان الإمامة هي منزلة الأنبياء وإرث الاوصياء ، ان الإمامة خلافة اللّه عز وجل وخلافة الرسول ومقام أمير المؤمنين وميراث الحسن والحسين عليهما‌السلام ، ان الإمامة زمام الدين ونظام المسلمين وصلاح الدنيا وعز المؤمنين ، ان الإمامة أُسّ الإسلام النامي وفرعه السامي ».

ثمّ يورد تشبيهات بليغة وبديعة ، فيقول : « الإمام كالشمس الطالعة للعالم وهي بالافق بحيث لاتنالها الأيدي والابصار ، الإمام البدر المنير ، والسراج الزاهر ، والنور الساطع ، والنجم الهادي في غياهب الدجى والبيد القفار ولجج البحار ، الإمام الماء العذب على الظمأ ، والدال على الهدى والمنجي من الردى ».

ثمّ يضيف قائلاً : « فمن ذا الذي يبلغ معرفة الإمام ويمكنه اختياره؟ هيهات هيهات ..فكيف لهم باختيار الإمام؟! والإمام عالم لا يجهل ، وراع لا ينكل ، معدن القدس والطهارة والنسك والزهادة والعلم والعبادة ، مخصوص بدعوة الرسول وهو نسل المطهرة البتول ، لا مغمز فيه في نسب ، ولايدانيه ذو حسب ، فالنسب من قريش والذروة من هاشم ، والعترة من آل الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم » (5).

لقد حاول الإمام الرضا عليه‌السلام أن يعيد الوعي الإسلامي الصحيح بشأن الإمامة سيّما بعد تفريط القسم الأعظم من الأمة بها ، بحيث أنه عليه‌السلام لم يترك فرصة إلاّ واستغلها في بيان ضرورتها وأدلتها وكشف أبعادها ، والطريق اللاحب في انعقادها ، ولعلّ أوضح مثل على ذلك ، ما جاء عن الحسن بن جهم ، قال : حضرت مجلس المأمون يوما وعنده علي بن موسى الرضا عليه‌السلام وقد اجتمع الفقهاء وأهل الكلام من الفرق المختلفة فسأله بعضهم ، فقال له : يا ابن رسول اللّه بأي شيء تصح الإمامة لمدعيها؟

قال : « بالنص والدليل » ، قال له : فدلالة الإمام فيما هي؟ قال : « في العلم واستجابة الدعوة .. » (6).

ومن الواضح أن الإمام الرضا عليه‌السلام قد تصدّى للإمامة علناً ، وقال بإمامة نفسه وأذعنت له قاعدته ، وشهد بذلك خصمه. الأمر الذي يستوجب استجلاء هذه الأمور في ثلاثة مباحث ، وهي :

المبحث الأول : النص على الإمام الرضا عليه‌السلام بالإمامة

أولاً : من النصوص الدالة على إمامته عليه‌السلام :

هناك روايات عديدة من طرق الشيعة الإمامية تؤكد على سلسلة أسماء السلالة الطاهرة للأئمة عليهم‌السلام واحدا بعد الآخر ، ويأتي ذكر الإمام الرضا عليه‌السلام في الترتيب الثامن : أخرج الشيخ الصدوق بسند صحيح عن الثقة عبد اللّه بن جندب عن موسى بن جعفر عليه‌السلام ما ينبغي أن يقال في سجدة الشكر وهذا نصّه : « اللهمّ إني أُشهدك وأُشهد ملائكتك وأنبياءك ورسلك وجميع خلقك أنك أنت اللّه ربّي والإسلام سلام ديني ومحمداً نبيي وعلياً والحسن والحسين وعلي بن الحسين ومحمد بن علي وجعفر بن محمّد وموسى بن جعفر وعلي بن موسى ومحمّد بن علي وعلي بن محمد والحسن بن علي والحجّة بن الحسن بن علي أئمتي بهم أتولى ومن أعدائهم أتبرأ .. » (7).

ويمكن الاستشهاد أيضاً بحديث اللوح المتواتر المروي من طرق جمّة ، عن جابر بن عبد اللّه الأنصاري ، وكذلك عن الإمام السجاد والباقر والصادق عليهم‌السلام ، نكتفي منها برواية أبي بصير ، عن أبي عبد اللّه عليه‌السلام ، قال : « قال أبي عليه‌السلام لجابر بن عبد اللّه الأنصاري : إن لي إليك حاجة ، فمتى يخف عليك أن أخلو بك ، فأسألك عنها؟

قال له جابر : في أي الأوقات شئت ، فخلا به أبي عليه‌السلام فقال له : يا جابر أخبرني عن اللوح الذي رأيته في يد أُمي فاطمة بنت رسول اللّه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وما أخبرتك به أُمي أنه في ذلك اللوح مكتوب.

قال جابر : أشهد باللّه ، أني دخلت على أُمك فاطمة في حياة رسول اللّه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لأهنئها بولادة الحسين عليه‌السلام فوجدت في يدها لوحاً أخضر ظننت أنه زُمرّد ، ورأيت فيه كتاباً أبيض شبه نور الشمس ، فقلت لها : بأبي أنتِ وأمي يا بنت رسول اللّه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ما هذا اللوح؟ فقالت : هذا اللوح أهداه اللّه عزّوجلّ إلى رسوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فيه اسم أبي واسم بعلي واسم ابنَيّ وأسماء الأوصياء من ولدي ، فأعطانيه أبي عليه‌السلام ليسرّني بذلك ، قال جابر : فأعطتنيه أمك فاطمة ، فقرأته ، وانتسخته فقال أبي عليه‌السلام : فهل لك يا جابر أن تعرضه عليّ ، قال نعم ، فمشى معه أبي عليه‌السلام حتى انتهى إلى منزل جابر ، فأخرج أبي عليه‌السلام صحيفة من رق ، قال جابر : فأشهد باللّه أني هكذا رأيته في اللوح مكتوباً : بسم اللّه الرحمن الرحيم هذا كتاب من اللّه العزيز الحكيم لمحمد نوره وسفيره وحجابه ودليله نزل به الروح الأمين من عند ربّ العالمين ، عظّم يا محمد أسمائي واشكر نعمائي ، ولا تجحد آلائي ... إني لم أبعث نبياً فأكملتُ أيامه وانقضت مدّته ، ألا جعلت له وصيّاً ، وأني فضلتك على الأنبياء وفضلت وصيك على الأوصياء ، وأكرمتك بشبليك بعده وبسبطيك الحسن والحسين فجعلت حسناً معدن علمي بعد انقضاء مدّة أبيه ، وجعلت حسيناً خازن وحيي وأكرمته بالشهادة ، وختمت له بالسعادة ، فهو أفضل من استشهد ، وأرفع الشهداء درجة عندي ، وجعلت كلمتي التامة معه والحجّة البالغة عنده ، بعترته أثيب وأعاقب : أولهم علي سيد العابدين وزين أوليائي الميامين ، وابنه شبيه جدّه المحمود محمد الباقر لعلمي والمعدن لحكمي ، سيهلك المرتابون في جعفر الراد عليه كالراد عليّ ، حق القول مني لأكرمنّ مثوى جعفر ولاسرنّه في أشياعه وأنصاره وأوليائه ، انتجبت بعده موسى وانتجبت بعده فتنة عمياء حندس لأن خيط فرضي لا ينقطع وحجتي لا تخفى .. وويل للمفترين الجاحدين عند انقضاء مدة عبدي موسى وحبيبي وخيرتي ، إن المذكب بالثامن مكذب كل أوليائي ، وعلي وليي وناصري ، ومن أضع عليه أعباء النبوة وأمنحه بالاضطلاع ، يقتله عفريت مستكبر ، يدفن في المدينة التي بناها العبد الصالح إلى جنب شر خلقي ، حقّ القول مني لاقرنَّ عينيه بمحمد ابنه وخليفته من بعده ، فهو وارث علمي ومعدن حكمي وموضع سرّي وحجتي على خلقي .. وأختم بالسعادة لابنه علي وليي وناصري والشاهد في خلقي ، وأميني على وحيي ، أخرج منه الداعي إلى سبيلي والخازن لعلمي الحسن ، ثم أكمل ذلك بابنه رحمةً للعالمين ، عليه كمال موسى وبهاء عيسى وصبر أيوب .. أُولئك أوليائي حقاً بهم أدفع كل فتنة عمياء حندس .. أُولئك عليهم صلوات من ربّهم ورحمة وأولئك هم المهتدون » قال عبد الرحمن بن سالم : قال أبو بصير : لو لم تسمع في دهرك إلاّ هذا الحديث لكفاك ، فصنه إلاّ عن أهله» (8).


ثانياً : أساليب الإمام الكاظم عليه‌السلام في النصّ على إمامة ولده الرضا عليه‌السلام
مرّت الشيعة بعد وفاة الإمام الكاظم عليه‌السلام بمنعطف خطير. فقد كان عليه‌السلام يمر بظروف خانقة كما أسلفنا ، ولذلك تمسك بالتقية وكان تحركه بمنتهى السرية ، ومن ثم غيبته الطويلة في السجون ، كل ذلك ساعد على انقطاعه عن قاعدته الجماهيرية ، وكان الإمام الكاظم عليه‌السلام يدرك المقطع الزمني الحساس والعصيب الذي ستمر به إمامة ولده الرضا عليه‌السلام ، فهناك الأجواء السياسية الملبدة بالغيوم من قبل الحكام ، وهناك ذوو الاطماع من علماء السوء الذين سوف يصنعون سياجا هائلاً من التعتيم والتكتم أو التشكيك بإمامة ولده ، لذلك لم يأل جهدا ولم يدّخر وسعا في التبليغ لإمامة ولده الرضا عليه‌السلام ، مرة من خلال التلميح بفضائله وكمالاته وأهليته للإمامة ، ومرة أخرى من خلال التصريح بها ، وتارة يتصل مع أصحابه والثقات من شيعته بصورة فردية ، وتارة أخرى يجتمع مع أقربائه وأهل المدينة بصورة جماعية ، وأحيانا يشير إلى إمامة ولده بصورة شفوية ، وأخرى بصورة كتب أو ألواح يشرح فيها أهلية ولده لمنصب الإمامة ويضمّنها وصاياه به. وبدا لنا من خلال البحث أن الإمام الكاظم عليه‌السلام قد سار حسب خطة مرسومة للتعريف بالرضا عليه‌السلام والإشادة بمنزلته ، وقد هدد وأوعد كل من يسقط تحت حوافر الاطماع أو ينساق إلى مهاوي الضياع كالواقفية.
ونحن سوف نغوص في أعماق الروايات الدالة على إمامة الرضا عليه‌السلام ، نحاول أن ندرسها ونسبر أغوارها ونصنفها حسب الغاية التي توخيتْ منها.


وقد توصلنا من خلال البحث إلى أن الإمام الكاظم عليه‌السلام قد اتبع عدة أساليب للتعريف بإمامة ولده الرضا عليه‌السلام ، هي :
أولاً : أسلوب التلميح الشفوي :

يجد الباحث في هذا الصدد عدداً من الروايات لم تصرح بإمامة الرضا عليه‌السلام ، ولكنها تلمح إلى ذلك من خلال عبارات دقيقة موحية ، ويبدو أنها قيلت بظرف خاص لا يساعد على التصريح ، كما سنرى في العناوين التالية :
١ ـ السيادة وانتحال الكنية :

نجد روايات يشيد فيها الكاظم عليه‌السلام بولده الرضا عليه‌السلام بأنه سيد ولده ، أو أنه نحله كنيته ، فهكذا عبارات توحي ـ بدون شك ـ ضمنا إلى استحقاقه للإمامة ، لاسيما أن الكناية عند ذوي الألباب أبلغ من التصريح ، ويبدو أن أصحاب الإمام الكاظم عليه‌السلام ، كهشام بن الحكم ، ممن يغنيهم التلميح عن التصريح قد أدركوا جيدا ماوراء هذه العبارات من دلالات ..

عن الحسين بن نعيم الصحاف ، قال : كنت أنا وهشام بن الحكم وعلي ابن يقطين ببغداد فقال علي بن يقطين : كنت عند العبد الصالح موسى بن جعفر عليه‌السلام جالسا ، فدخل عليه ابنه الرضا عليه‌السلام فقال : « يا علي ، هذا سيد ولدي ، وقد نحلته كنيتي » ، فضرب هشام براحته جبهته! ثم قال : ويحك! كيف قلت؟ فقال علي بن يقطين :
سمعت واللّه منه كما قلت لك ، فقال هشام : أخبرك واللّه أن الامر فيه من بعده (9).
وقد استخدم الإمام الكاظم عليه‌السلام عبارات ايحائية أخرى ، منتقاة بدقة :
عن زياد بن مروان القندي ، قال : دخلت على أبي ابراهيم عليه‌السلام وعنده علي ابنه ، فقال لي : « يا زياد ، هذا كتابه كتابي ، وكلامه كلامي ، ورسوله رسولي ، وما قال فالقول قوله » (10).
قال الشيخ الصدوق بعد رواية الخبر : إن زياد بن مروان القندي روى هذا الحديث ثم انكره بعد مضي موسى عليه‌السلام وقال بالوقف ، وحبس ماكان عنده من مال موسى بن جعفر!

٢ ـ بيان منزلته عليه‌السلام :
أولى الإمام الكاظم عليه‌السلام عناية خاصة بولده الرضا عليه‌السلام وأحاطه باهتمام ملحوظ منذ نعومة أظفاره مما جعل الانظار تتجه إليه والألسن تتحدث عنه ، ومن الروايات الواردة في هذا الشأن ، ما أخرجه الشيخ الصدوق : عن المفضل بن عمر ، قال : دخلت على أبي الحسن موسى بن جعفر عليه‌السلام وعلي ابنه في حجره وهو يقبّله ويمصّ لسانه ، ويضعه على عاتقه ويضمه اليه ، ويقول : « بأبي أنت وأمي ، ما أطيب ريحك وأطهر خلقك وأبين فضلك! » قلت : جعلت فداك ، لقد وقع في قلبي لهذا الغلام من المودة ما لم يقع لأحد إلاّ لك. فقال لي : « يا مفضل هو مني بمنزلتي من أبي عليه‌السلام ( ذُرِّيَّةً بَعْضُهَا مِن بَعْضٍ وَاللّه سَمِيعٌ عَلِيمٌ ) (11) » (12).


٣ ـ الوصية بدفع الحقوق له عليه‌السلام :
وهي قرينة أخرى على إمامته ، لأن الحقوق تعطى ـ كما هو معروف ـ للإمام الشرعي لكي يصرفها في مواردها. ولانريد أن نسترسل في إيراد الامثلة على ذلك ، ونكتفي بعرض الروايتين التاليتين :
الرواية الأولى : عن الحسن بن علي الخزاز ، قال : خرجنا إلى مكة ومعنا علي بن أبي حمزة ومعه مال ومتاع ، فقلنا : ما هذا؟ قال : هذا للعبد الصالح عليه‌السلام أمرني أن أحمله إلى علي ابنه عليه‌السلام وقد أوصى اليه.
قال الشيخ الصدوق : إن علي بن أبي حمزة أنكر ذلك بعد وفاة موسى ابن جعفر عليه‌السلام وحبس المال عن الرضا عليه‌السلام (13)!
الرواية الثانية : عن داود بن زربي ، قال : جئت إلى أبي ابراهيم عليه‌السلام بمال فأخذ بعضه وترك بعضه ، فقلت : أصلحك اللّه ، لأي شيء تركته عندي؟! فقال : « إنّ صاحب هذا الأمر يطلبه منك ».
فلمّا جاء نعيه عليه‌السلام بعث إليّ أبو الحسن عليه‌السلام فسألني ذلك المال ، فدفعته إليه (14).


٤ ـ الإشارة إلى كون الإمام الرضا عليه‌السلام من الأوصياء :
وهي قرينة إيحائية قوية تضاف إلى سائر القرائن والعلامات الأخرى السابقة ، يتضح لنا ذلك من متن الرواية التالية : عن نعيم القابوسي ، عن أبي الحسن موسى عليه‌السلام قال : « ابني عليّ أكبر ولدي ، وآثرهم عندي ، وأحبهم إليّ ، وهو ينظر في الجفر ولم ينظر فيه إلاّ نبيّ أو وصيّ نبيّ » (15).
فهنا لم يصرح الإمام الكاظم عليه‌السلام علنا بإمامة ولده الرضا عليه‌السلام ولكن ذكر «الجفر» وكون النظر فيه من اختصاص النبي أو الوصي ، فهذه الجملة تعطي إيماءة مهمة على إمامته ، وخاصة بعد سبقها بذكر علامات أخرى ، ككونه أكبر ولده وأحبهم اليه ، وآثرهم عنده ، وهي من صفات الإمام الذي يخلف أباه في الإمامة كما جاءت بهذا أحاديث صريحة كثيرة لا حصر لها.

ثانيا : أسلوب التصريح الشفوي

وهنا نجد الإمام الكاظم عليه‌السلام يصرح بصورة لالبس فيها بإمامة ولده ، ويحدد القول الفصل حول إمامته بوضوح لا يخفى ، وهذا الأسلوب تتوضح خطوطه من خلال روايات عديدة ، وبعد دراستنا لها ، نلاحظ :
أولا : تصريحه عليه‌السلام بإمامة ولده الرضا عليه‌السلام :

اذ نلاحظ أن الإمام الكاظم عليه‌السلام يغتنم كل مناسبة لكشف النقاب عن إمامة ولده الرضا عليه‌السلام ، ويبدو أنه كان يركز على ثقات أصحابه وشيعته ، من أجل تمهيد الطريق أمام إمامة ولده ، حاملاً على كتفه عب ء إيصال هذه الأمانة الإلهية الخطيرة ، ومدركا في الوقت نفسه بأن هناك من تسوّل له نفسه الخروج عن وصيته بإمامة ابنه ، ففي اسناد ينتهي إلى غنام بن القاسم قال : قال لي منصور بن يونس بن بزرج : دخلت على أبي الحسن ـ يعني موسى بن جعفر عليهما‌السلام ـ يوما ، فقال لي : « يا منصور ، أما علمت ما أحدثت في يومي هذا؟ » قلت : لا ، قال : « قد صيّرت عليا ابني وصيي » وأشار بيده الى الرضا عليه‌السلام « وقد نحلته كنيتي ، وهو الخلف من بعدي ، فادخل عليه وهنّئه بذلك ، واعلم أني أمرتك بهذا » قال : فدخلت عليه فهنّئته بذلك وأعلمته أنه أمرني بذلك .. ثمّ جحد منصور فأخذ الأموال التي كانت في يده وكسرها! (16).

ثانيا : جواب الإمام الكاظم عليه‌السلام على سؤال (عمن سيخلفه في الإمامة) :

كان بعض الشيعة ونتيجة مباشرة لظروف التقية لم تسمع من إمامها الكاظم عليه‌السلام من يخلفه على الإمامة ، ولم تطرق سمعها النصوص السابقة من آبائه عليهم‌السلام ، أو سمعت بها وأحبّت التأكد من شخص الإمام كما تحكيه بعض الروايات في هذا المقام ، خصوصاً وإن حديث « من مات ولم يعرف إمام زمانه مات ميتة جاهلية » قد تواتر نقله عند الإمامية وصحّت طرقه عند غيرهم ، الأمر الذي يؤدي إلى السؤال من الإمام عمن سيلي الأمر بعده ؛ لأجل قطع الظن الحاصل من السماع السابق أو عدمه ، باليقين الحاصل من السماع من الإمام مباشرةً ، ومن هنا وجهت بعض الشخصيات أسئلة صريحة للإمام الكاظم عليه‌السلام حول من سيخلفه بعد وفاته ، فأجابهم الإمام بصورة صريحة لا لبس فيها أن الإمام من بعده علي الرضا عليه‌السلام ابنه ، ومن الشواهد عليه ، ما جاء عن داود الرقي ، قال : قلت لأبي ابراهيم ـ يعني موسى الكاظم عليه‌السلام :
فداك أبي ، إني قد كبرت وخفت أن يحدث بي حدثٌ ولا ألقاك ، فأخبرني من الإمام من بعدك؟ فقال : « ابني علي عليه‌السلام » (17).
ونظير هذه الرواية ما أسنده الصدوق إلى نصر بن قابوس. قال : قلت لأبي ابراهيم موسى بن جعفر عليهما‌السلام : اني سألت أباك عليه‌السلام من الذي يكون بعدك؟ فأخبرني أنك أنت هو ، فأخبرني من الذي يكون بعدك؟ قال : « ابني علي عليه‌السلام » (18).
٢ ـ توسيعه عليه‌السلام دائرة التصريح بإمامة ولده الرضا عليه‌السلام :
لم تقتصر دعوة الإمام الكاظم عليه‌السلام لإمامة ولده الرضا عليه‌السلام على اللقاءات والاتصالات الفردية التي تتم عادة تحت ستار كثيف من الكتمان والسرية ، بل جهد في إعلان إمامته أمام الجموع أو الملأ العام ، لاسيما وأنه قد أدرك أن حصرها في نطاق ضيق قد لايحقق النتيجة المرجوة ، فمن المحتمل أن تكون عرضة للتشكيك أو الإنكار ، وقد تعطي مبررا لتنصل أهل الأهواء وملتمسي الأعذار وأصحاب المطامع بالأموال.
من أجل ذلك أخذ الإمام الكاظم عليه‌السلام يجمع في بداية الأمر من يخصه بالقرابة القريبة من ولد علي وفاطمة عليهم‌السلام : عن حيدر بن أيوب ، قال : كنّا بالمدينة في موضع يعرف بالقبا ، فيه محمد بن زيد بن علي ، فجاء بعد الوقت الذي كان يجيئنا فيه ، فقلنا له : جعلنا اللّه فداك ، ما حبسك؟ قال : دعانا أبو ابراهيم عليه‌السلام اليوم سبعة عشر رجلاً من ولد علي وفاطمة عليهما‌السلام ، فأشهدنا لعلي ابنه بالوصية والوكالة في حياته وبعد موته ، وأن أمره جائز عليه وله ، ثم قال محمد بن زيد : واللّه يا حيدر لقد عقد له الإمامة اليوم وليقولن الشيعة به من بعده ، قال : حيدر ، قلت : بل يبقيه اللّه ، وأي شيء هذا؟ قال : يا حيدر ، إذا أوصى إليه فقد عقد له الإمامة (19).
ومن ثم وسع نطاق الوصية إلى دائرة القرابة الأبعد كولد جعفر بن أبي طالب من الرجال والنساء ، فعن عبد اللّه بن الحارث وأمه من ولد جعفر بن أبي طالب ، قال : بعث إلينا أبو ابراهيم عليه‌السلام فجمعنا ثم قال : « أتدرون لم جمعتكم؟ » قلنا : لا ، قال : « اشهدوا أنّ عليا ابني هذا وصيّي ، والقيّم بأمري ، وخليفتي من بعدي ، من كان له عندي دَين فليأخذه من ابني هذا ، ومن كانت له عندي عدة فليستنجزها منه ، ومن لم يكن له بد من لقائي فلا يلقني إلاّ بكتابه » (20).
ويبدو من الرواية التالية أنه قد وسع من نطاق الدعوة لإمامة ولده الرضا عليه‌السلام ، بحيث شملت المدينة بصورة عامة ، وبذلك انتقل إلى مدار جديد من أجل إشهاد أكبر عدد ممكن من الأفراد على استحقاق ابنه للإمامة ، ليقطع الطريق على كل الأعذار ، ويزيل جميع الشكوك التي تساور الأذهان المريضة في هذا الشأن : عن حسين بن بشير ، قال : أقام لنا أبو الحسن موسى بن جعفر عليهما‌السلام ابنه عليا عليه‌السلام كما أقام رسول اللّه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عليا عليه‌السلام يوم غدير خم ، فقال : « يا أهل المدينة » أو قال : « يا أهل المسجد ، هذا وصيي من بعدي » (21).

ثالثاً : أسلوب الكتابة
حشد الإمام موسى الكاظم عليه‌السلام كل الحجج والادلة على إمامة ولده الرضا عليه‌السلام من بعده ، ولم يقتصر على عرضها في اللقاءات الفردية والجماعية التي تكون عادة بصورة شفوية ، من خلال كلامه المباشر مع الناس أفرادا أو جماعات ، حيث يختار عبارات منتقاة بعناية حسب مايسمح به الظرف السياسي السائد ، اذ يشير تلميحا أو تصريحا إلى إمامة الرضا عليه‌السلام ، ويظهر أنه لم يكتف بالأسلوب الشفوي كوسيلة اعلامية سائدة بل أردفه بأسلوب تحريري ، من خلال كتابة الالواح والكتب ، حتى تكون الحجة أبلغ. ولايخفى بان الكلام المكتوب يكون أكثر وقعا وتأثيرا في النفوس من الكلام الشفوي الذي يكون ـ احيانا ـ عرضة للتأويل والتزوير. يتضح لنا هذا الأسلوب

من خلال الروايتين التاليتين :
الرواية الأولى : عن عبد الرحمن بن الحجاج ، قال : أوصى أبو الحسن موسى بن جعفر عليهما‌السلام إلى ابنه علي عليه‌السلام ، وكتب له كتابا أشهد فيه ستين رجلاً من وجوه أهل المدينة (22).
الرواية الثانية : عن الحسين بن المختار ، قال : لما مرّ بنا أبو الحسن عليه‌السلام بالبصرة خرجت إلينا منه «ألواح» مكتوب فيها : « عهدي إلى أكبر ولدي » (23). ومعلوم أن الإمام الرضا عليه‌السلام أكبر ولد الإمام الكاظم عليه‌السلام.

أسلوب الوصية :
جارى الإمام الكاظم عليه‌السلام الاسلوب المتَّبَع عند الأئمة عليهم‌السلام في الوصية لأولادهم من بعدهم ، ويبدو أن الإمام الكاظم عليه‌السلام في وصيته لولده الرضا عليه‌السلام كان يخشى عليه من حسد إخوته ومنافستهم إيّاه ، أو كان يخشى عليه من السلطات الحاكمة التي ترصد بدقة من يخلفه في أمره ، لذلك كانت وصيته له اتخذت أسلوبين :

الأسلوب العام :
عندما أوصى لولده الرضا عليه‌السلام في الظاهر ، ولأجل التمويه أشرك معه بنيه ، حتى لا يتحسّسوا منه ، ولا تكشف السلطة من يخلفه.

الأسلوب الخاص :
فقد أوصى الإمام الكاظم عليه‌السلام للرضا عليه‌السلام خاصة ، وأفرده بالوصية وحده ، يظهر كل من الشكلين في الرواية التالية ذات الدلالة :
عن يزيد بن سليط قال : لقيت أبا ابراهيم عليه‌السلام ونحن نريد العمرة في بعض الطريق ...قال : « أخبرك يا أبا عمارة ، اني خرجت من منزلي فأوصيت إلى ابني فلان وأشركت معه بنيّ في الظاهر ، وأوصيته في الباطن ، وأفردته وحده ، ولو كان الأمر إليّ لجعلته في القاسم لحبّي إيّاه ورأفتي عليه ، ولكن ذاك إلى اللّه يجعله حيث يشاء ».
عند التمعّن في هذه الرواية نكتشف أن السبب في انتخاب الإمام الرضا عليه‌السلام للإمامة ليس هو الحب فحسب ، والا فقد كان الكاظم عليه‌السلام ـ على حد قوله الشريف ـ يحب ولده «القاسم» ويرأف به ، وانما الإمامة جعل إلهي ، ينص اللّه تعالى على من يرتضيه لدينه ، ويكون الاصلح من بين خلقه. ومن هنا نجد أن الإمام الكاظم عليه‌السلام عند قرب أجله أوصى صريحا بولده الرضا عليه‌السلام ، وبيّن أنه يجمع بين خصائص أو سمات إمامين يشاركونه في الاسم ، قال الإمام الكاظم : « إني أُؤخَذ هذه السنّة ، والأمر إلى ابني عليّ سميّ عليّ وعليّ ، فأمّا عليّ الأول فعلي بن أبي طالب عليه‌السلام وأما عليّ الآخر فعلي بن الحسين عليهما‌السلام ، اُعطي فهم الأول وحكمته وبصره وودّه ودينه ومحنته ، ومحنة الآخر وصبره على مايكره ، وليس له أن يتكلم إلاّ بعد موت هارون بأربع سنين » (24).

خامساً : أسلوب الترغيب والترهيب
لقد استخدم الإمام الكاظم عليه‌السلام هذا الأسلوب في تثبيت إمامة ولده من بعده ، لاسيما وأن النفس البشرية تسير على خطى الخوف والرجاء ، فمن جانب حبب لشيعته طاعته ، وافصح عن الثواب الجزيل الذي ينتظر من أقرّ بإمامته :
عن المفضل بن عمر ، قال : دخلت على أبي الحسن موسى بن جعفر عليه‌السلام وعلي ابنه في حجره .. قال : قلت هو صاحب هذا الأمر من بعدك؟ قال : « نعم ، من أطاعه رشد ، ومن عصاه كفر » (25).
ومن جانب آخر نجد التهديد والوعيد لمن جحد إمامته وظلم حقه : عن محمد بن سنان ، قال : دخلت على أبي الحسن عليه‌السلام قبل أن يحمل إلى العراق بسنة وعلي ابنه عليه‌السلام بين يديه ... قال : « من ظلم ابني هذا حقّه وجحد إمامته من بعدي ، كان كمن ظلم علي بن أبي طالب عليه‌السلام حقّه ، وجحد إمامته من بعد محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ». فعلمت أنه قد نعى إليّ نفسه ، ودلّ على ابنه (26).

المبحث الثاني : بيان الإمام الرضا عليه‌السلام لحقيقة الإمامة
كنا قد أشرنا إلى الجهد المتعدد الجوانب الذي بذله الإمام الكاظم عليه‌السلام من أجل التعريف بإمامة الرضا عليه‌السلام ومزّق الأقنعة التي يختفي وراءها أصحاب المطامع من خلال ايراده ما يكفي في توضيح إمامة إمامنا الرضا عليه‌السلام.
وهنا يهمنا الاشارة إلى موقف الإمام الرضا عليه‌السلام من الإمامة بصورة عامة ، بعد أن انتهت إليه أسرار الإمامة ومفاتيح كنوزها. واذا أمعنّا النظر في الآثار الواردة عنه عليه‌السلام في خصوص الإمامة نجده عليه‌السلام ، قد تناول معظم المفردات التي تحتاجها الأمة في معرفة حقيقة الإمامة والإمام ، ومن هذا القبيل بيانه عليه‌السلام للعلامات التي يُعرف بها الإمام.
عن علي بن الحسن بن علي بن فضال ، عن أبيه عن أبي الحسن علي ابن موسى الرضا عليهما‌السلام ، قال : « للإمام علامات ، يكون أعلم الناس ، وأحكم الناس ، وأتقى الناس ، وأحلم الناس ، وأشجع الناس ، وأسخى الناس ، وأعبد الناس .. » (27).
من جانب آخر كشف لنا عن الآثار الكونية للإمامة ، وأن الأرض لا تخلو من إمام هدى : عن الحسن بن علي الوشا ، قال : قلت لأبي الحسن الرضا عليه‌السلام : هل تبقى الأرض بغير إمام؟ فقال : « لا » فقلت : فإنّا نروي : أنها لا تبقى إلاّ أن يسخط اللّه على العباد ، فقال : « لا تبقى ، إذا لساخت » (28).
وتتبدّى لنا أهمية جعل اللّه أولي الأمر ، والأمر بطاعتهم ، من الرواية التي ذكرها الفضل بن شاذان ، وقال أنه سمعها من الإمام الرضا عليه‌السلام ، وأذن لعلي بن محمد بن قتيبة النيسابوري روايتها عنه عن الرضا عليه‌السلام ، ومن يقف طويلاً عندها يدرك عمق أغوار فكر الإمام الرضا عليه‌السلام ، وهو فكر له السبق والريادة على علماء الاجتماع السياسي الذين انتقدوا النظرية «الفوضوية» القائلة بعدم حاجة الناس إلى الحكومة ، وأكدوا على ضرورة وجود أولي الأمر لمصالح كثيرة ؛ دينية واجتماعية وسياسية ، وقد اقتبسنا من هذه الرواية الأسطر ذات الدلالة الآتية : « ..فإن قال قائل : فلِمَ جعل أولي الأمر وأمر بطاعتهم؟ قيل : لعلل كثيرة ، منها : أن الخلق لما وقفوا على حد محدود ، وأُمروا أن لا يتعدوا ذلك الحد لما فيه من فسادهم .. يجعل عليهم فيه أمينا يمنعهم من التعدي والدخول فيما حظر عليهم ، لأنه لو لم يكن ذلك لكان أحد لايترك لذته ومنفعته لفساد غيره ، فجعل عليهم قيما يمنعهم من الفساد ، ويقيم فيهم الحدود والأحكام ».
ومنها : « إنا لانجد فرقة من الفرق ولاملة من الملل بقوا وعاشوا إلاّ بقيّم ورئيس ، ولما لابد لهم منه في أمر الدين والدنيا ، فلم يجز في حكمة الحكيم أن يترك الخلق مما يعلم أنه لابد لهم منه ، ولا قوام لهم إلاّ به ، فيقاتلون به عدوهم ، ويقسمون فيئهم ، ويقيم لهم جمعهم وجماعتهم ، ويمنع ظالمهم من مظلومهم ».
ومنها : « أنه لو لم يجعل لهم إماما قيما أمينا حافظا مستودعا لدرست الملة وذهب الدين وغيرت السنن والاحكام ، ولزاد فيه المبتدعون ، ونقص منه الملحدون ، وشبّهوا ذلك على المسلمين ، لأنا وجدنا الخلق منقوصين محتاجين غير كاملين ، مع اختلافهم واختلاف أهوائهم وتشتت أنحائهم ، فلو لم يجعل لهم قيما حافظا لما جاء به الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لفسدوا على نحو مابينا ، وغيرت الشرائع والسنن والاحكام والإيمان ، وكان في ذلك فساد الخلق أجمعين » (29).
إن هذه الرواية في الوقت الذي سيقت فيه لبيان أهمية أولي الأمر تكشف ـ من جانب آخر ـ عن فلسفة الحكومة في الإسلام وضرورة وجود القيادة في المجتمع ، كما تحكي ـ ضمنيا ـ عن ضرورة سيادة الدين في جميع مرافق الحياة.
وبعد ، فلم يقتصر الإمام الرضا عليه‌السلام على تبيان الأمور النظرية والعقلية المتعلقة بموضوع الإمامة ، وانما كشف الادلة النقلية عن القيادة الربانية التي اختارتها العناية الإلهية لقيادة البشرية ، وسنتطرق لها وفق العناوين الفرعية التالية : أولاً :

إخبار الإمام الرضا عليه‌السلام بإمامته :
على الرغم من توفر النصوص الصحيحة الصريحة بإمامة الأئمة الاثني عشر عليهم‌السلام ، وعلى الرغم من الأساليب العديدة التي استخدمها الإمام الكاظم عليه‌السلام في تأكيد إمامة الإمام الرضا عليه‌السلام من بعده ، فقد وجدنا بعض ذوي المطامع والنفوس الضعيفة التي ألقت بظلال كثيفة من الشك حول إمامة الرضا عليه‌السلام بعد وفاة أبيه ، ولكن امامنا بدد تلك الاوهام وقشع غيوم الشك ، وقد نوهنا بأن هناك من يحاول حجب الحقيقة بستار من ضباب الطمع أو الحسد. حتى لكأنه يريد إخفاء الشمس الساطعة بالغربال ، ومن هنا تمسكوا بحجج واهية وأقوال مكذوبة ما أنزل اللّه بها من سلطان نظير قولهم إن أباه عليه‌السلام لم يوصِ بإمامته (30) أو أنه ليس له ولد ، والإمامة لا تكون لمن ليس له ولد وكان زعيم هذه المقولة زعيم الغلاة ، الحسين بن قياما الواسطي الذي زعم أنه روى عن الإمام الصادق عليه‌السلام بأن الإمام لا يكون عقيماً ، وأن الرضا عليه‌السلام ليس له ولد!! (31)
وكانت هذه الاعتراضات ونظائرها كالفقاعات التي ما أن تنمو في محيطها إلاّ وتنفجر بأسرع ما يكون وتتلاشى ، سيّما وأن الإمام الرضا عليه‌السلام قد تولّى بنفسه الشريفة الاجابة الشافية والصريحة على تساؤلات خصومه أين ما كانوا ، كما أن خاصة الإمام الرضا عليه‌السلام وثقاته ممّن عرفوا بالورع والجلالة والتقوى قد رووا النص عليه بالإمامة من أبيه عليه‌السلام وفي هذا الصدد يقول الشيخ المفيد : فمن روى النصَّ على الرضا عليّ عليه‌السلام بالإمامة من أبيه والاشارة إليه منه بذلك ، من خاصّته وثقاته وأهل الورع والعلم والفقه من شيعته : داود بن كثير الرَقّي ، ومحمد بن إسحاق بن عمّار ، وعلي بن يقطين ، ونُعيمُ القابوسيّ ، والحسينُ بن المختار ، وزيادُ بن مروان ، والمخزومي ، وداود بن سليمان ، ونصر بن قابوس ، وداود بن زَربيّ ، ويزيد بن سليط ، ومحمّد بن سِنان (32).
ربما يؤكد ما ذكرناه قوله عليه‌السلام وقد سأله العباس النجاشي الأسدي : أنت صاحب هذا الأمر؟ فقال عليه‌السلام : « إي واللّه ، على الجن والإنس » (33).
لما كانت إمامة أهل البيت عليهم‌السلام هي الأعمدة الراسخة الثابتة التي يقوم عليها بناء الإسلام الشامخ ، تصدى إمامنا الرضا عليه‌السلام لحشد كل الأدلة وإيراد كل الحجج التي تثبت أحقية آبائه عليهم‌السلام بالإمامة وأهليتهم لها ، لا سيّما وأن مسألة الإمامة كانت مطروحة على نار ساخنة بين العلماء والعوام على حد سواء ، وكنا قد أشرنا إلى رواية عبد العزيز بن مسلم عن الرضا ، واقتبسنا منها مورد الحاجة في وصف الإمامة والإمام وذكر فضل الإمام ورتبته ، ونعود إلى تلك الرواية في مورد بحثنا هذا ، لأن الإمام الرضا عليه‌السلام أشار فيها إلى إمامة أهل البيت عليهم‌السلام ، قال عبد العزيز : كنا في أيام علي بن موسى الرضا عليهما‌السلام بمرو ، فاجتمعنا في مسجد جامعها في يوم الجمعة في بدء مقدمنا فأدار الناس أمر الإمامة وذكروا كثرة اختلاف الناس فيها فدخلت على سيدي ومولاي الرضا عليه‌السلام ، فأعلمته ما خاض الناس فيه ، فتبسم عليه‌السلام ، ثم قال : « يا عبد العزيز جهل القوم وخدعوا عن أديانهم ، إن اللّه تبارك وتعالى لم يقبض نبيه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حتى أكمل له الدين وأنزل عليه القرآن ـ إلى أن يقول : ـ ولم يمضِ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حتى بيّن لأمته معالم دينهم ، وأوضح لهم سبيلهم وتركهم على قصد الحق وأقام لهم علياً عليه‌السلام علماً وإماماً ... فكانت له ـ أي للنبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ـ خاصة فقلدها صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم علياً بأمر اللّه عزّوجلّ على رسم ما فرضها اللّه عزّوجلّ ، فصارت في ذرّيته الأصفياء .. فهي في ولد علي عليه‌السلام خاصة إلى يوم القيامة إذ لا نبي بعد محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .. إن الإمامة خلافة اللّه عزّوجلّ وخلافة الرسول ومقام أمير المؤمنين وميراث الحسن والحسين عليهما‌السلام » (34).
ومن يتمعّن في استشهادات الرضا عليه‌السلام حول إمامة آبائه يلمس العمق العلمي الذي يجده جلياً في الاستشهادات التي يسوقها من القرآن والسنة وثمة شواهد عديدة على ذلك ، منها : عن عبد اللّه بن أبي الهذيل : سألته عن الإمامة فيمن تجب ، وما علامة من تجب له الإمامة؟ فقال : « إن الدليل على ذلك والحجّة على المؤمنين والقائم بأمور المسلمين والناطق بالقرآن والعالم بالأحكام أخو نبيّ اللّه وخليفته على أمته ووصيه عليهم ووليه الذي كان بمنزلة هارون من موسى ، المفروض الطاعة بقول اللّه عزوجل : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللّه وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الاْءَمْرِ مِنْكُمْ ) (35) الموصوف بقوله عزّوجلّ : ( إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللّه وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ ) (36) والمدعو إليه بالولاية المثبت له الإمامة يوم غدير خم بقول الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عن اللّه عزّوجلّ : ألست أولى بكم منكم بأنفسكم قالوا : بلى ، قال : فمن كنت مولاه فعلي مولاه ، اللهمّ وال من والاه وعاد من عاداه وانصر من نصره واخذل من خذله وأعن من أعانه ، علي بن أبي طالب عليه‌السلام أمير المؤمنين وإمام المتقين وقائد الغر المحجّلين وأفضل الوصيين وخير الخلق أجمعين بعد رسول اللّه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وبعده الحسن بن علي ، ثم الحسين سبطا رسول اللّه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وابنا خيرة النسوان ، ثمّ علي بن الحسين ثم محمد بن علي ، ثم جعفر بن محمد ، ثم موسى بن جعفر ، ثم علي بن موسى ، ثم محمد بن علي ، ثم علي بن محمد ، ثم الحسن بن علي ، ثم محمد بن الحسن ، وهم عترة الرسول عليه وعليهم السلام المعروفون بالوصية والإمامة ، لا تخلو الأرض من حجة منهم في كل عصر وزمان وفي كل وقت وأوان وهم العروة الوثقى وأئمة الهدى .. » (37).
وكانت تعقد في بلاط المأمون مناظرات ساخنة يحشّد لها المأمون كبار العلماء من مختلف الملل والنحل ، وكان الإمام الرضا عليه‌السلام بما يمتلك من أفق معرفي رحب ، يردّ بصدر رحب على أسئلة العلماء عامة وأسئلة المأمون بصورة خاصة.
عن الريان بن الصلت قال : حضر الرضا عليه‌السلام مجلس المأمون بمرو ، وقد اجتمع في مجلسه جماعة من علماء أهل العراق وخراسان ، فقال المأمون : أخبروني عن معنى هذه الآية : ( ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا ) (38) فقالت العلماء : أراد اللّه عزّوجلّ بذلك الأُمة كلها ، فقال المأمون : ما تقول يا أبا الحسن؟ فقال الرضا عليه‌السلام : « لا أقول كما قالوا ، ولكني أقول : أراد اللّه عزّوجلّ بذلك العترة الطاهرة » فقال المأمون : وكيف عنى العترة من دون الأمة؟ فقال له الرضا عليه‌السلام : « إنه لو أراد الأُمة لكانت أجمعها في الجنة ، لقول اللّه عزّوجلّ : ( فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِّنَفْسِهِ وَمِنْهُم مُّقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ بِإِذْنِ اللّه ذلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ ) (39) ثم جمعهم كلهم في الجنة فقال عزّوجلّ : ( جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهِمُ الاْءَنْهَارُ يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِن ذَهَبٍ ) (40) الآية ، فصارت الوراثة للعترة الطاهرة لا لغيرهم » فقال المأمون : من العترة الطاهرة؟
فقال الرضا عليه‌السلام : « الذين وصفهم اللّه في كتابه فقال عزّوجلّ : ( إِنَّمَا يُرِيدُ اللّه لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً ) (41) وهم الذين قال رسول اللّه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : إني مخلّف فيكم الثقلين كتاب اللّه وعترتي أهل بيتي ، ألا وإنهما لن يفترقا حتى يردا عليّ الحوض ، فانظروا كيف تخلفوني فيهما ، أيها الناس لا تعلموهم فإنهم أعلم منكم ».
قالت العلماء : أخبرنا يا أبا الحسن عن العترة ، أهم الآل أم غير الآل؟ فقال الرضا عليه‌السلام : « هم الآل » فقالت العلماء : فهذا رسول اللّه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يؤثر عنه أنه قال : « أمتي آلي » وهؤلاء أصحابه يقولون بالخبر المستفاض الذي لا يمكن دفعه : آل محمد أُمته؟ فقال أبو الحسن عليه‌السلام : « أخبروني ، فهل تحرّم الصدقة على الآل؟ »
فقالوا : نعم ، قال : « فتحرّم على الأُمة؟ »
قالوا : لا ، قال : « هذا فرق بين الآل والأُمة ، ويحكم أين يُذهب بكم ، أضربتم عن الذكر صفحاً أم أنتم قوم مسرفون؟! أما علمتم أنه وقعت الوراثة والطهارة على المصطفين المهتدين دون سائرهم؟! » قالوا : ومن أين يا أبا الحسن؟ فقال : « من قول اللّه عزّوجلّ : ( وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحاً وَإِبْرَاهِيمَ وَجَعَلْنَا فِي ذُرِّيَّتِهِمَا النُّبُوَّةَ وَالْكِتَابَ فَمِنْهُم مُهْتَدٍ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فَاسِقُونَ ) (42) فصارت وراثة النبوة والكتاب للمهتدين دون الفاسقين ، أما علمتم أن نوحاً حين سأله ربّه عزّوجلّ : ( فَقَالَ رَبِّ إِنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي وَإِنَّ وَعْدَكَ الْحَقُّ وَأَنتَ أَحْكَمُ الْحَاكِمِينَ ) (43) وذلك أن اللّه عزّوجلّ وعده أن ينجيه وأهله ، فقال ربّه عزوجل : ( يَانُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ فَلاَ تَسْأَلْنِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنِّي أَعِظُكَ أَن تَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ ) (44).
فقال المأمون : هل فضّل اللّه العترة على سائر الناس؟ فقال أبو الحسن : « إن اللّه عزّوجلّ أبان فضل العترة على سائر الناس في محكم كتابه » فقال له المأمون : وأين ذلك من كتاب اللّه؟ فقال له الرضا عليه‌السلام : « في قول اللّه عزّوجلّ : ( إِنَّ اللّه اصْطَفَى آدَمَ وَنُوحاً وَآلَ إِبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ * ذُرِّيَّةً بَعْضُهَا مِن بَعْضٍ وَاللّه سَمِيعٌ عَلِيمٌ ) (45) وقال عزّوجلّ في موضع آخر : ( أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَى مَا آتَاهُمُ اللّه مِن فَضْلِهِ فَقَدْ آتَيْنَا آلَ إِبرَاهِيمَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَآتَيْنَاهُم مُلْكاً عَظِيماً ) (46) ثم ردّ المخاطبة في أثر هذه إلى سائر المؤمنين ، فقال : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللّه وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الاْءَمْرِ مِنْكُمْ ) (47) يعني الذين قرنهم بالكتاب والحكمة وحُسدوا عليهما ، فقوله عزوجل : ( أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَى مَا آتَاهُمُ اللّه مِن فَضْلِهِ فَقَدْ آتَيْنَا آلَ إِبرَاهِيمَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَآتَيْنَاهُم مُلْكاً عَظِيماً ) (48) يعني الطاعة للمصطفين الطاهرين ، فالملك هاهنا هو الطاعة لهم .. » (49).
والرواية طويلة قد استعرض الإمام عليه‌السلام فيها الآيات الواردة في حق أهل البيت عليهم‌السلام كآية التطهير والمودة والمباهلة ، كما ذكّرهم باخراج النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الناس من مسجده ما خلا العترة ، وتطرق لحديث مدينة العلم ، ومجيء النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إلى باب علي وفاطمة عليهما‌السلام تسعة أشهر كل يوم عند حضور كل صلاة خمس مرات ، فيقول : « الصلاة رحمكم اللّه » وما أكرم اللّه أحداً من ذراري الأنبياء بمثل هذه الكرامة التي أكرم اللّه تعالى بها أهل البيت عليهم‌السلام وخصصهم من دون سائر الأُمة.
وكان لهذه المناظرة وقع في نفوسهم بما تميّزت به من براهين قرآنية وأحاديث نبوية لم يرق لها الشك وبذلك أدار دفة عقولهم نحو وجهة جديدة ، فقال المأمون والعلماء :
جزاكم اللّه أهل بيت نبيكم عن هذه الأمة خيراً ، فما نجد الشرح والبيان فيما اشتبه علينا إلاّ عندكم (50).

ثانيا : إخبار الإمام الرضا عليه‌السلام بإمامة ابنه الجواد عليه‌السلام :
شغلت إمامة محمد بن علي عليه‌السلام حيزا كبيرا من عناية الإمام الرضا عليه‌السلام ، وذلك بسبب تأخر ولادته ومن ثم اضطلاعه بالإمامة مع صغر سنه ، الأمر الذي لم تألفه الشيعة من قبل ونتيجة لذلك تصدّى الإمام الرضا عليه‌السلام بنفسه لتوضيح ما قد خفي على بعضهم ، وذكّرهم بما حصل في تاريخ الأنبياء عليهم‌السلام وما جرى في الأنبياء لا يمتنع جريانه في أوصيائهم عليهم‌السلام. وعند استطلاع الروايات التي تتناول إمامة محمد التقي عليه‌السلام نجد أن والده الرضا عليه‌السلام كان ينوه بمكانته ومنزلته منذ صغره ، روي عن يحيى الصنعاني قال : كنت عند أبي الحسن عليه‌السلام فجيء بابنه أبي جعفر عليه‌السلام وهو صغير ، فقال : « هذا المولود الذي لم يولد مولود أعظم على شيعتنا بركة منه » (51).
وأما عن مسألة صغر السن فقد أجاب عليها إمامنا الرضا عليه‌السلام إجابة استقاها من أُصول قرآنية صافية ، عن صفوان بن يحيى قال : قلت للرضا عليه‌السلام قد كنا نسألك قبل أن يهب اللّه لك أبا جعفر فكنت تقول : يهب اللّه لي غلاما ، وقد وهبك اللّه وأقرّ عيوننا ، فلا أرانا اللّه يومك ، فإن كان كون فإلى مَن؟ فأشار بيده إلى أبي جعفر وهو قائم بين يديه ، فقلت له : جعلت فداك ، وهذا ابن ثلاث سنين؟! قال : « وما يضرّه من ذلك ، وقد قام عيسى بالحجّة وهو ابن أقلّ من ثلاث سنين؟! » (52).
وفي رواية أخرى عن معمر بن خلاد ، قال : سمعت الرضا عليه‌السلام يقول : « .. هذا أبو جعفر قد أجلسته مجلسي وصيرته مكاني » ، وقال : « إنا أهل بيت يتوارث أصاغرنا عن أكابرنا القذة بالقذة » (53).
وهكذا نجد أن الإمام الرضا عليه‌السلام قد غدا شعلة من حركة لاتخمد من أجل التمهيد لإمامة ولده محمّد عليه‌السلام وكان يرد شبهة صغر سن ولده بمنطق قرآني لايمكن دحضه أو تأويله ، ومما يعزز ما سبق نورد هذه الرواية ذات الدلالة : عن الخيزراني عن أبيه ، قال : كنت واقفا بين يدي أبي الحسن الرضا عليه‌السلام بخراسان ، فقال قائل :
يا سيدي إن كان كون فإلى من؟ قال : « إلى أبي جعفر ابني » ، فكأن القائل استصغر سن أبي جعفر ، فقال أبو الحسن عليه‌السلام : « إن اللّه بعث عيسى بن مريم رسولاً نبيا صاحب رسالة ، مبتدأة في أصغر من السن الذي فيه أبو جعفر عليه‌السلام » (54).

ثالثا : هوية الإمام المهدي (عج) في أخبار الرضا عليه‌السلام
شغلت قضية الإمام المهدي (عجل اللّه فرجه) حيزاً كبيراً من تفكير إمامنا الرضا عليه‌السلام واكتسبت أهمية فائقة في توجهاته ، لا سيما وإن المهدي المنتظر هو الرابع من ولده ، وفيه معالم شبه منه ، وكذلك للحركة التغيرية الكبرى التي سوف يضطلع بها من بعده ، إذ من المنتظر أن تسود العدالة العامة جميع ما في الكون ، فعن الحسين بن خالد ، قيل للإمام الرضا عليه‌السلام : .. يابن رسول اللّه ومن القائم منكم أهل البيت؟ قال : « الرَّابع من ولدي ابن سيّدة الإماء ، يطهر اللّه به الأرض من كلِّ جور ، ويقدِّسها من كلِّ ظلم ، وهو الّذي يشكَّ النّاس في ولادته ، وهو صاحب الغيبة قبل خروجه ، فإذا خرج أشرقت الأرض بنوره ، ووضع ميزان العدل بين النّاس فلا يظلم أحدٌ أحداً .. » (55).
وكانت القضية المهدوية تتغلغل في أعماق قلبه تغلغلاً عميقاً ، وكان لسانه يلهج بالثناء والمدح والتقدير لصاحب الزمان (عجل اللّه فرجه) ويركز على أوجه التشابه بينهما ، فعن الحسن بن محبوب أن الإمام الرضا عليه‌السلام قال : « .. بأبي وأمّي سميَّ جدِّي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وشبيهي وشبيه موسى بن عمران عليه‌السلام عليه جيوب النور ، يتوقّد من شعاع ضياء القدس .. يكون رحمةً على العالمين ، وعذابا على الكافرين » (56).
وكانت الشيعة بعد وفاة والده الكاظم عليه‌السلام قد دخلت في مرحلة الحيرة والتساؤل ، تتساءل عن صاحب هذا الأمر من بعده ، بعد أن اختلطت الرؤية عند البعض فتصورا أن الإمام الرضا عليه‌السلام هو الإمام المهدي (عجل اللّه فرجه) نفسه ، لذلك لم يترك إمامنا عليه‌السلام مناسبة إلاّ واغتنمها من أجل تبيان هوية الإمام المهدي (عجل اللّه فرجه) الحقة ، وإبقاء هذه المسألة الحيوية حيةً وساخنة ، فعن أيّوب بن نوح ، قال : قلت للرِّضا عليه‌السلام : إنّا لنرجو أن تكون صاحب هذا الأمر وأن يردَّه اللّه عزَّوجلَّ إليك من غير سيف ، فقد بويع لك وضربت الدَّراهم بإسمك ، فقال : « ما منَّا أحدٌ اختلفت إليه الكتب وسئل عن المسائل وأشارت إليه الأصابع وحملت إليه الأموال إلاّ اغتيل أو مات على فراشه حتى يبعث اللّه عزَّوجلَّ لهذا الأمر رجلاً خفيَّ المولد والمنشأ غير خفيٍّ في نسبه » (57).
مما تقدم يظهر لنا أنّ الإمام الرضا عليه‌السلام يكرس الفكرة المهدوية ضمن إطارها التاريخي وليست مجرّدة عنه ، فقد كشف النقاب عن الظروف التاريخية الضاغطة المحيطة به ، والتي حالت أو تحول دون قيامه هو والأئمة من قبله ومن بعده بحركة تغييرية كبرى ، وأفصح بأن قيام كل إمام قبل المهدي (عجل اللّه فرجه) كان يعرضه للاغتيال أو الموت المحتم أو الموت البطيء على فراش الموت.
فلا يُجدي ـ والحال هذه ـ العمل المكشوف ، لكن الظروف الخفية التي سيتحرك فيها الإمام المهدي (عجل اللّه فرجه) وبتخطيط رباني سوف تؤتي ثمارها المرجوّة إن شاء اللّه في تحقيق العدالة العالمية.
ونتيجة لكل ذلك كان الإمام الرضا عليه‌السلام يُسدي نصائحه لشيعته بالتزام التقية ويثني أحسن الثناء على من تمسك بها في مرحلة الغيبة.
ولكن الشارع الشيعي المعبأ بقوة الأمل ، كان يتساءل على الدوام عن الفرج ، فكان الإمام عليه‌السلام يتجاوب مع أماني المسلمين العريضة بظهور المهدي (عجل اللّه فرجه) بعبارات تبعث الأمل والرَّجاء ، ولكنه في نفس الوقت يوصي بالتزام الصبر وانتظار الفرج ، وعدم ترك التقيّة. ويُلفت نظرهم بأن الظهور تبدو معالمه من اختصاص الغيب.
ومما يكشف عن تفاعل الإمام عليه‌السلام العميق مع قضية الإمام المهدي (عجل اللّه فرجه) أن «دعبل الخزاعي» لما أنشده قصيدته العصماء حول أهل البيت عليهم‌السلام

التي أوَّلها :

مدارس آياتٍ خلت من تلاوة
    
ومنزلُ وحي مقفر العرصات

فلمَّا انتهى «دعبل» إلى قوله :

خروج إمام لا محالة خارج
    

يقوم على اسم اللّه والبركات

يميّز فينا كل حقٍّ وباطل
    
 

ويجزي على النعماء والنقمات

بكى الرِّضا عليه‌السلام بكاءاً شديداً ، ثم رفع رأسه إلى دعبل وقال كلاماً مفعماً بشحنة عاطفية كبيرة ، وكاشفاً في الوقت نفسه عن الدور المستقبلي الكبير الذي يضطلع به الإمام المهدي (عجل اللّه فرجه) ، قال عليه‌السلام : « .. يا خزاعيُّ ، نطق روح القدس على لسانك بهذين البيتين ، فهل تدري من هذا الإمام ومتى يقوم؟ » فقلت : ـ والكلام لدعبل ـ لا يا مولاي ، إلاّ أنّي سمعت أن إماماً منكم يُطهّر الأرض من الفساد ويملأها عدلاً كما مُلئت جوراً.
فقال : « يا دعبل ، الإمام بعدي محمّدٌ ابني ، وبعد محمّد ابنه عليٌّ ، وبعد عليٍّ ابنه الحسن ، وبعد الحسن ابنه الحجّة القائم المنتظر في غيبته ، المطاع في ظهوره ، لو لم يبقَ من الدُّنيا إلاّ يومٌ واحدٌ لطوَّل اللّه عزَّوجلَّ ذلك اليوم حتّى يخرج فيملأ الأرض عدلاً كما مُلئت جوراً » (58).
وهكذا نجد أن القضية المهدوية قد اكتسبت أهمية فائقة في ذكر وسلوك الإمام الرضا عليه‌السلام فقد سبر غورها بعمق وحدد معالمها وقدم الرؤية الواضحة حولها ، مستبعداً الحقائق المبتورة والمشوهة عنها ، والأهم من كل ذلك إبقاؤها حية وساخنة في نفوس الناس وفتح بصائرهم على الأسرار الكامنة وراءها.

المبحث الثالث : قاعدة الإمامة في عصر الإمام الرضا عليه‌السلام
توفرت للامام الرضا عليه‌السلام قاعدة جماهيرية واسعة لم تتوفر لإمام من أئمة أهل البيت عليهم‌السلام قبله ، فقد « رضي به المخالفون من أعدائه كما رضي به الموافقون من أوليائه ، ولم يكن ذلك لأحد من آبائه عليهم‌السلام ، فلذلك سمي من بينهم الرضا عليه‌السلام » (59).
وسوف نقف على بعض معالم هذه القاعدة من خلال ثلاثة أصناف :

أولاً : العلماء
تتبدى لنا عظمة الإمام الرضا عليه‌السلام واستحقاقه للإمامة من كلمات التقدير والثناء التي أطراه بها كبار علماء الشيعة من محدثين ومفسرين وكتاب ومتكلمين ، وبعضهم تلاميذه المشهورون كأبي الصلت الهروي وإبراهيم بن عباس الصولي وأحمد بن محمّد ابن أبي نصر البزنطي والحسن ابن محبوب ، بعد أن وجدوه بحرا لايدرك غوره ، وجبلاً شامخا لاتهزه عواصف الأحداث وأراجيف المبطلين ، ويقف العالم الجليل أبي الصلت عبد السلام بن صالح الهروي في طليعة محدثي الشيعة الذين رافقوا الإمام الرضا عليه‌السلام وغرفوا من نمير علمه ، قال : ما رأيت أعلم من عليّ بن موسى الرضا عليهما‌السلام ، ولا رآه عالم إلاّ شهد له بمثل شهادتي ، ولقد جمع المأمون في مجالس له ذوات عدد علماء الأديان وفقهاء الشريعة والمتكلمين فغلبهم عن آخرهم حتّى ما بقي أحد منهم إلاّ أقرّ له بالفضل وأقرّ على نفسه بالقصور (60). ولأبي الصلت شهادات أُخر يصوغها بعبارة جامعة ، يرى فيها الإمام عليه‌السلام اسم على مسمى ، فيقول : كان واللّه رضىً كما سمي (61).
وهناك شهادة أخرى من كاتب ٍ كبير وشاعرٍ ملهم هو إبراهيم ابن العباس الصولي الذي عاصر الإمام عليه‌السلام واتصل به اتصالاً وثيقا ، وقد لخّص انطباعه عن الإمام عليه‌السلام بقوله : ما رأيت ولا سمعت بأحد أفضل من أبي الحسن الرضا عليه‌السلام ، وشاهدت منه ما لم أشاهد من أحد (62) ، وقال : ما رأيت الرضا عليه‌السلام سئل عن شيء قطُّ إلاّ علمه ، ولا رأيت أعلم منه بما كان في الزمان إلى وقته وعصره ، وكان المأمون يمتحنه بالسؤال عن كلّ شيء فيجيب عنه (63).
ومن علماء الشيعة البارزين أحمد بن محمد ابن أبي نصر البزنطي المتوفى سنة (٢٢١ هـ ) وكان كوفيا ثقةً ، لقي الإمام الرضا عليه‌السلام ، وكان عظيم المنزلة عنده ، وروى عنه كتابا ، وله من الكتب (كتاب الجامع) وله (كتاب النوادر) ، كان واقفيا ثم رجع لما ظهر له من المعجزات على يد الإمام الرضا عليه‌السلام الدالة على صحة إمامته ، فالتزم الحجة وقال بإمامته وإمامة من بعده من ولده (64). أما الحسن بن محبوب السراد ، ويقال له الزراد ، المتوفى سنة (٢٢٤ هـ ) فكان ـ كذلك ـ كوفيا ثقةً ، روى عن الإمام الرضا عليه‌السلام ، وروى عن ستين رجلاً من أصحاب الإمام أبي عبد اللّه عليه‌السلام ، وكان جليل القدر ، وألف مجموعة من الكتب ، وعده الشيخ الكشي من الفقهاء الذين اجمع أصحابنا على تصحيح ما يصح عنهم عند تسمية الفقهاء من أصحاب الإمامين الكاظم والرضا عليهما‌السلام (65) ، كان يقر بإمامة الرضا عليه‌السلام ويراسله باستمرار ، وإمامنا يصدقه ويُثني عليه. (66)
ونعرض شهادة أخرى من أحد أعلام الشيعة وهو الحسين بن بشار الواسطي ، مولى زياد ، ثقة ، روى عن الإمامين الكاظم والرضا عليهما‌السلام. في البداية لم يقر بموت الإمام الكاظم عليه‌السلام وعليه لم يعترف بإمامة الرضا عليه‌السلام ولكنه لما التقى وجد فيه ضالّته المنشودة ، وأيقن بإمامته ، وصار من صفوة أتباعه والناشرين لعلومه (67).
ويدلي لنا قطب آخر من أقطاب التشيع هو عبد اللّه بن المغيرة مولى بني نوفل بن الحارث بن عبد المطلب (68) ، كان واقفيا وحج على تلك الحالة فدعا اللّه تعالى أن يهديه إلى الإمام الحق ، فالتقى بالإمام الرضا عليه‌السلام فأخبره بما في نفسه ، قال والإعجاب والإكبار يملأ نفسه ويرتسم على قسمات وجهه : أشهد أنّك حجّة اللّه على خلقه (69).
تجدر الإشارة إلى أن بعض علماء الشيعة شهد بإمامة الرضا عليه‌السلام بناءً على شهادة أبيه الإمام الكاظم عليه‌السلام بحقه ، وتصريحه للمقربين من أصحابه بإمامته من بعده.
وعلى العموم كان إمامنا حديث المجالس ، وذكره لا يفتر على ألسن الناس ، وقد بهر العقول بعلومه وحير الأفئدة بمعاجزه الباهرة ، بحيث نجد معبد بن جنيد الشامي يدخل على الإمام الرضا عليه‌السلام ويقول له بالحرف الواحد : قد كثر الخوض فيك وفي عجائبك!! (70).
أينما حلّ ورحل يستقبل بالترحاب ويجيب على كل الأسئلة التي توجه إليه ، ولو كانت من أجل اختباره ، ومن مصاديق ذلك أنه لما وصل البصرة واختبره جماعة من علمائها ، منهم عمرو بن هذّاب ، وقد أخبر الإمام عليه‌السلام بن هذّاب بأنه سيصاب بعلة ، وقد حصل ما أخبر به ، قال محمد بن الفضل : فشهد له الجماعة بالإمامة (71). وقال عليه‌السلام : « يا محمد انظر من الكوفة من المتكلمين والعلماء فأحضرهم .. إني أريد أن أجعل لكم حظّا من نفسي كما جعلت لأهل البصرة » (72). لقد كان صيته قد طبق الآفاق وأقرّ كل من التقى به من علماء الشيعة باستحقاقه الإمامة وأهليّته لها.
كان مظهره عليه‌السلام يخبر عن سريرته وطويته ، عندما يتكلم ينساب صوته العذب كمثل الماء المنساب ، وحينما يصمت يستغرق في صمت بليغ كصمت الطبيعة ، هذه الخصال ملأت نفوس العلماء والناس بالإجلال والهيبة له ، وكانت من القرائن القوية على أهليته للإمامة ، وساعدت على التفاف العلماء حوله وتعطشهم لحديثه.
ومن الشواهد على الإجلال والهيبة التي لقاها من علماء عصره ، وحتى من أهل بيته ، ما جاء عن سليمان بن جعفر ، قال : قال لي علي بن عبيد اللّه بن الحسين بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب (صلوات اللّه عليهم) : أشتهي أن أدخل على أبي الحسن الرضا عليه‌السلام اُسلّم عليه ، قلت : فما يمنعك من ذلك؟ قال : الإجلال والهيبة له (73).
وكان بعض كبارعلماءالشيعة يطلبون لقاء الإمام عليه‌السلام لا لشيء إلاّ لالتماس البركة منه ، وحكاياتهم في هذا كثيرة ، وهو أمر معهود في شأن عمداء أهل بيت النبوّة ، ناهيك عن اعتقادهم بأنّه الإمام الحقّ الواجب الطاعة ..

ثانيا : جمهور الناس
لما كانت أسرار الرسالة ومفاتيح كنوزها قد انتهت إلى الإمام الرضا عليه‌السلام غدت جموع الجماهير تحفُّ به ، وبالمقابل كان الإمام عليه‌السلام يكن للناس كل الحب والعطف ، وعندما تحف به الجماهير تتألق ملامحه بالبشر والنور ، وتفيض عيناه بالوداعة واللطف ، كانت شخصيته ذات جاذبية خاصة تجذب القلوب المؤمنة والنفوس الطاهرة كما يجذب شذا الازهار النحل ، أينما يرحل أو يحل يمطروه بوابل كلمات التقدير والتبجيل ، يتعطشون إلى رؤيته تعطش الضمآن إلى الماء.
عن أبي حبيب النباجي ، قال : جاءني من أخبرني بقدوم أبي الحسن الرضا عليه‌السلام من المدينة ، ورأيت الناس يسعون إليه .. (74). وعبارة «يسعون إليه» تكشف لنامدى شوق الناس للامام الرضا عليه‌السلام وشدة محبتهم له ، فقد كانوا يتبركون به ويسألونه عن معالم دينهم وعن الحلال والحرام .. روى الكليني في (الكافي) بسنده عن اليسع بن حمزة ، قال : كنت في مجلس أبي الحسن الرضا عليه‌السلام وقد اجتمع إليه خلق كثير يسألونه عن الحلال والحرام .. (75).
كان شذا علمه وبيانه يجذب الناس ، كانت ترنو إليه أبصارهم وتحدق إليه عيونهم ، وكانوا يلتمسون البركة في كل شيء يلامسه بدنه ، روى الصدوق : أن الرضا عليه‌السلام لما دخل نيسابور نزل في محلة يقال لها القزويني ، أو الغزيني ، فيها حمّام ، وهو الحمام المعروف اليوم بحمام الرضا ، وكانت هناك عين فدخل ماءها فأقام عليها من أخرج ماءها حتى توفر وكثر ، واتخذ من خارج الدرب حوضا ينزل إليه بالمراقي إلى هذه العين فدخله الرضا عليه‌السلام واغتسل فيه ثم خرج منه فصلى على ظهره والناس يتناوبون ذلك الحوض ويغتسلون منه التماسا للبركة ويصلون على ظهره ، ويدعون اللّه عزّوجلّ في حوائجهم ، وهي العين المعروفة بعين كهلان يقصدها الناس إلى يومنا هذا (76).
كان الرضا عليه‌السلام آية الحق وراية العدل ورمزا للفضيلة ، وكانت روعة الإيمان تغطي وجهه ، لذلك كانت له في قلوب الناس هيبة كبيرة ، يروى أنه لما خرج للصلاة في مرو ورآه القُوّاد والعسكر رموا بأنفسهم عن دوابهم ونزعوا خفافهم وقطعوها بالسكاكين لما رأوه راجلاً حافيا ، وأنه لما هجم الجند على دار المأمون بسرخس بعد قتل الفضل بن سهل وجاءوا بنار ليحرقوا الباب وطلب منه المأمون أن يخرج ، فلما خرج وأشار إليهم أن يتفرّقوا تفرّقوا مسرعين (77).
صفوة القول ؛ لقد فجّر الإمام أمامنا نهرا من العاطفة في قلب كل انسان مسلم ، فقد وجدوا فيه انسانية فذة استمدها من روح الرسالة.

ثالثا : الشعراء
كان الشعراء يتوافدون اليه ، ينظمون القوافي ويتفننون في صوغ قوالب المعاني التي تشيد بفضله ومنزلته. كان دعبل الخزاعي من أبرز شعرائه ، فقد كان كل ولائه موجها نحو العلويين ، حتى أنه جهر بعدائه الشديد للخلفاء العباسيين ، وهجاهم هجاءً لاذعا مرّا ، وأبدى دعبل حبوره لبيعة المأمون للامام العلوي الرضا بولاية العهد ، فدخل عليه بمرو فقال له : يا ابن رسول اللّه ، اني قد قلت فيكم قصيدة ، وآليت على نفسي أن لا أنشدها أحدا قبلك. فقال عليه‌السلام : « هاتها » فأنشده :

مدارسُ آيات خلت من تلاوة
   
ومنزلُ وحيٍ مقفرُ العرصات

فلما بلغ إلى قوله :

أرى فيئهم في غيرهم متقسّما
    

    وأيديهم من فيئهم صفرات

بكى أبو الحسن الرضا عليه‌السلام وقال له : « صدقت ياخزاعي » فلما بلغ إلى قوله :

إذا وتروا مدُّوا إلى واتريهم
    

    

أكفّا عن الأوتار منقبضات

جعل الرضا عليه‌السلام يقلّب كفّيه ويقول : « أجل واللّه منقبضات » فلما بلغ قوله :
لقد خفت في الدنيا وأيام سعيها
    

    

وإنّي لارجو الأمن بعد وفاتي

قال الرضا عليه‌السلام : « آمنك اللّه يوم الفزع الأكبر » فلما انتهى إلى قوله :

وقبر ببغداد لنفسٍ زكيّةٍ
    

    

تضمَّنها الرحمنُ في الغُرفات

وهي قصيدة عصماء ، من أشهر ماقيل من الشعر في أهل البيت عليهم‌السلام (١).

وأنشده إبراهيم بن عباس :

أزالت عناء القلب بعد التجلّد
    

    

مصارع أولاد النبي محمد

فوهب لهما عشرين ألف درهم من الدراهم التي عليها اسمه ، وكان المأمون أمر بضربها في ذلك الوقت.

قال : أما دعبل فصار بالعشرة آلاف التي حصته إلى قوم ، فباع كل درهم بعشرة دراهم ، فتخلصت له مائة ألف درهم ، الأمر الذي يحكي بوضوح مدى تعلق قاعدة الإمام الرضا عليه‌السلام بكل ما خرج عنه مطلقا ، وأما إبراهيم فلم تزل عنده بعد أن أهدى بعضها وفرق بعضها على أهله إلى أن توفّى رحمه‌الله ، وكان كفنه وجهازه منها.
أما أبو نؤاس ، فارس الشعر في زمانه ، فقد أدلى بدلوه ، وأظهر جواهر شعره بعد صمت طويل ، فلما وفد على المأمون ، قال له : يا أبا النؤاس ، قد علمت مكان علي بن موسى الرضا مني وما أكرمته به ، فلماذا أخّرت مدحه وأنت شاعر زمانك وقريع دهرك؟ فأنشد يقول :

قيل لي أنت أوحد الناس طرا
    

    

في فنون من الكلام النبيه

لك من جوهر الكلام بديع
    

    

يثمر الدر في يدي مجتنيه

فعلى مَ تركت مدح ابن موسى
    

    

والخصال التي تجمعن فيه

قلت لا أهتدي لمدح إمامٍ
    

    

كان جبريل خادما لأبيه

فقال المأمون : أحسنت! ووصله من المال بمثل الذي وصل به كافة الشعراء ، وفضّله عليهم (79).
وعن علي بن إبراهيم بن هاشم عن أبيه ، قال : حدثنا أبو الحسن محمد بن يحيى الفارسي ، قال : نظر أبو نؤاس إلى أبي الحسن علي بن موسى الرضا عليه‌السلام ذات يوم وقد خرج من عند المأمون على بغلة له ، فدنا منه أبو نؤاس ، فسلّم عليه وقال : يا ابن رسول اللّه ، قد قلت فيك أبياتا فأحب أن تسمعها مني ، قال : « هات » فأنشأ يقول :

مطهّرون نقيّات ثيابهم
    

    

تجري الصلاة عليهم أينما ذكروا

مَن لم يكن علويا حين تنسبه
    

    

فما له من قديم الدهر مفتخر

فاللّه لما برى خلقا فأتقنه
    

    

صفّاكم واصطفاكم أيها البشر

فأنتم الملأ الأعلى وعندكم
    

    

علم الكتاب وما جاءت به السور

فأكرمه الإمام ثلاثمائة دينار كانت نفقته ، وساق إليه بغلته. (80)
مما تقدّم ظهر لنا سعة قاعدة امامة الرضا عليه‌السلام بين الناس ؛ العلماء منهم والجمهور والشعراء ، وليس ثمة عبارة تعكس ذيوع صيته وسعة دائرة مواليه ، أتمّ من عبارة أبي جعفر عليه‌السلام : « رضي به المخالفون من أعدائه كما رضي به الموافقون من أوليائه » (81).
__________________
(١) مقدمة تحقيق كتاب الشافي ١ : ١٩ ـ ٢٠.
(2) سورة الأنعام : ٦ / ٣٨.
(3) سورة المائدة : ٥ / ٣.
(4) سورة الروم : ٣٠ / ٥٦.
(5) عيون أخبار الرضا عليه‌السلام ١ : ١٩٥ ، ح ١ ، باب (٢٠).
(6) عيون أخبار الرضا عليه‌السلام ٢ : ٢١٦ ، ح ١ ، باب (٤٦).
(7) من لا يحضره الفقيه / الشيخ الصدوق ١ : ٢١٧ باب (٤٧).
(8) عيون أخبار الرضا عليه‌السلام ١ : ٤٨ ، ح ٢ باب (٦).
(9) عيون أخبار الرضا عليه‌السلام ١ : ٣١ ، ح ٣ ، باب (٤).
(10) عيون أخبار الرضا عليه‌السلام ١ : ٣٩ ، ح ٢٥ ، باب (٤) ، أعلام الورى ٢ : ٤٥.
(11) سورة آل عمران : ٣ / ٣٤.
(12) عيون أخبار الرضا عليه‌السلام ١ : ٢٨٦ ، ح ٢٨ ، باب (٤).
(13) عيون أخبار الرضا عليه‌السلام ١ : ٣٧ ، ح ٣٧ ، باب (٤).
(14) المناقب / ابن شهرآشوب ٤ : ٣٦٨ ، الكافي ١ : ٢٥٠ / ١٣.
(15) اعلام الورى ٢ : ٤٤.
(16) عيون أخبار الرضا عليه‌السلام ١ : ٣٢ ، ح ٥ ، باب (٤).
(17) عيون أخبار الرضا عليه‌السلام ١ : ٣٣ ، ح ٨ ، باب (٤).
(18) عيون أخبار الرضا عليه‌السلام ١ : ٤٠ ، ح ٢٦ ، باب (٤).
(19) عيون أخبار الرضا عليه‌السلام ١ : ٣٧ ، ح ١٦ ، باب (١).
(20) اعلام الورى ٢ : ٤٥ ، الكافي ١ : ٢٤٩ / ٧ ، عيون أخبار الرضا عليه‌السلام ١ : ٣٦ ، ح ١٤ ، باب (٤).
(21) عيون أخبار الرضا عليه‌السلام ١ : ٣٧ ، ح ١٧ ، باب (٤).
(22) عيون أخبار الرضا عليه‌السلام ١ : ٣٧ ، ح ١٧ ، باب (٤).
(23) عيون أخبار الرضا عليه‌السلام ١ : ٣٩ ، ح ٢٤ ، باب (٤) ، وفي اعلام الورى ٢ : ٤٦ ، الفصل الثاني : أن الالواح خرجت وهو في الحبس.
(24) اعلام الورى ٢ : ٥٠.
(25) عيون أخبار الرضا عليه‌السلام ١ : ٤٠ ، ح ٢٨ ، باب (٤).
(26) عيون أخبار الرضا عليه‌السلام ١ : ٤٠ ، ح ٢٩ ، باب (٤).
(27) عيون أخبار الرضا عليه‌السلام ١ : ١٩٢ ، ح ١ ، باب (١٩) ، كشف الغمة ٣ : ٨٢.
(28) عيون أخبار الرضا عليه‌السلام ١ : ٢٤٦ ، ح ٣ ، باب (٢٨).
(29) عيون أخبار الرضا عليه‌السلام ١ : ١٠٦ ـ ١٠٨ ، ح ١ ، باب (٣٤).
(30) دلائل الإمامة ٣٦٣ : ٣١١.
(31) عيون أخبار الرضا عليه‌السلام ٢ : ٢٠٩ / ١٣ ، وإعلام الورى ٢ : ٣٢٣.
(32) الإرشاد : ٢٤٨.
(33) عيون أخبار الرضا عليه‌السلام ١ : ١٠ باب (٤) ص ٢١.
(34) عيون أخبار الرضا عليه‌السلام ١ : ١٩٥ / ٢٠.
(35) سورة النساء : ٤ / ٥٩.
(36) سورة المائدة : ٥ / ٥٥.
(37) الخصال ٤٧٨ : ٤٦ ، بحار الأنوار ٣٦ : ٣٩٦ باب ٤٦.
(38) سورة فاطر : ٣٥ / ٣٢.
(39) سورة فاطر : ٣٥ / ٣٢.
(40) سورة الكهف : ١٨ / ٣١.
(41) سورة الأحزاب : ٣٣ / ٣٣.
(42) سورة الحديد : ٥٧ / ٢٦.
(43) سورة هود : ١١ / ٤٥.
(44) سورة هود : ١١ / ٤٦.
(45) سورة آل عمران : ٣ / ٣٣ و ٣٤.
(46) سورة النساء : ٤ / ٥٤.
(47) سورة النساء : ٤ / ٥٩.
(48) سورة النساء : ٤ / ٥٤.
(49) عيون أخبار الرضا عليه‌السلام ١ : ٢٠٧ ، ح١ ، باب (٢٣).
(50) المصدر السابق.
(51) بحار الأنوار ٥٠ : ٢٥ / ١٣.
(52) كشف الغمة ٣ : ١٤٤.
(53) كشف الغمة ٣ : ١٤٤.
(54) كشف الغمة ٣ : ١٤٥.
(55) إكمال الدين واتمام النعمة / الشيخ الصدوق ٢ : ٣٧٢ / ح ٥ باب (٣٥).
(56) إكمال الدين وإتمام النعمة / الشيخ الصدوق ٢ : ٣٧٠ / ح ٣ باب (٣٥).
(57) إكمال الدين / الشيخ الصدوق ٢ : ٣٧٠ / ح ١ باب (٣٥).
(58) إكمال الدين / الشيخ الصدوق ٢ : ٣٧١ باب (٣٥).
(59) من حديث للامام الجواد عليه‌السلام رواه البزنطي عنه. انظر : عيون أخبار الرضا عليه‌السلام : ٢٢ ، ح ١ ، باب (١).
(60) إعلام الورى ٢ : ٦٤.
(61) كشف الغمة ٣ : ٨٣.
(62) إعلام الورى ٢ : ٦٣.
(63) إعلام الورى ٢ : ٦٣.
(64) اُنظر : الخرائج والجرائح ٥ : ٦٦٢.
(65) اُنظر : رجال الكشي : ٥٥٦.
(66) رجال الكشي : ٤٨٩ ، ترجمة (٤٧٩).
(67) رجال الكشي ٤٤٩ : ٨٤٧ ، بحار الأنوار ٤٨ : ٢٦٢ باب (١٠).
(68) اُنظر : رجال الشيخ الطوسي : ٣٧٩.
(69) الخرائج والجرائح ١ : ٣٦٠ ، ح ١٥ ن باب (٩).
(70) دلائل الإمامة : ٣٦٣.
(71) الخرائج والجرائح / الراوندي ١ : ٣٤٢ ـ ٣٤٨.
(72) الخرائج والجرائح / الراوندي ١ : ٣٤٩.
(73) رجال الكشي : ٤٩٥ ، ترجمة (٤٨٥).
(74) عيون أخبار الرضا عليه‌السلام : ٢٢٧ ، ح ١٥ ، الباب (٤٧).
(75) أعيان الشيعة ٢ : ١٥.
(76) عيون أخبار الرضا عليه‌السلام ٢ : ١٤٥ ، ح ٤ ، باب (٣٧).
(77) اُنظر : الإرشاد ٢ : ٢٦٥ و ٢٦٧.
(78) إعلام الورى ٢ : ٦٧.
(79) إعلام الورى ٢ : ٦٥ ، سير أعلام النبلاء ٩ : ٣٨٩. غير أن المعروف أن أبا نؤاس توفي سنة ١٩٥ أو ١٩٦ أو ١٩٨ ، أي قبل ولاية الإمام الرضا عليه‌السلام بسنتين على الأقل.
(80) إعلام الورى ٢ : ٦٥ ، عيون أخبار الرضا عليه‌السلام ٢ : ١٥٥ ، ح ١٠ ، باب (٤٠).
(81) عيون أخبار الرضا عليه‌السلام ١ : ٢٢ ، باب (١).


أضف تعليق

كود امني
تحديث

مؤسسة السبطين عليهما السلام

loading...
أخبار المؤسسة
إصدارات
حول المؤسسة

telegram ersali arinsta ar

١ ذوالقعدة الحرام

١- ذوالقعدة الحرام ١ـ ولادة كريمة أهل البيت فاطمة بنت موسى بن جعفر(س). ٢ـ غزوة بدر الصغرى. ٣ـ وفاة الاشعث ب...

المزید...

١١ ذوالقعدة الحرام

١١- ذوالقعدة الحرام ولادة ثامن الحجج، الامام السلطان ابوالحسن علي بن موسى الرضا المرتضى(ع) ...

المزید...

١٥ ذوالقعدة الحرام

١٥- ذوالقعدة الحرام نهاية الحكم الاموي وبداية الحكم العباسي ...

المزید...

٢٣ ذوالقعدة الحرام

٢٣- ذوالقعدة الحرام غزوة بني قريظة وتصفية يهود المدينة

المزید...

٢٥ ذوالقعدة الحرام

٢٥- ذوالقعدة الحرام ١) يوم دحو الارض ٢) خروج الرسول (ص) لحجة الوداع ٣) احضار الامام الرضا(ع) من الحجاز إلى ...

المزید...

٣٠ ذوالقعدة الحرام

٣٠- ذوالقعدة الحرام شهادة الامام الجواد(ع)

المزید...
012345
سيرة العلماء
تطبيق اندرويد لكتاب العروة الوثقی والتعليقات عليها
مكتبة أنيس
ثبّت سؤالك هنا
العروة الوثقى
Sibtayn International Foundation
Tel: +98 25 37703330 Fax: +98 25 37706238 Email : sibtayn[at]sibtayn.com
© 2024 Sibtayn International Foundation. All Rights Reserved.

Hi! Click one of our representatives below to chat on WhatsApp or send us email to [email protected]

الإتصال بنا
Close and go back to page