• +98 25 3770 33 30
  • عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

التيار الجماهيري المتعاطف

جاء قوم من الشيعة إلى الإمام الحسن (عليه السلام) في طلب الإذن منه لقتال معاوية بعد الهدنة فقال لهم الإمام (عليه السلام): (أنتم شيعتنا وأهل مودتنا، فلو كنت بالحرام في أمر الدنيا أعمل ولسلطانها أركض وأنصب ما كان معاوية بأبأس مني بأساً ولا أشد شكيمة، ولا أمضى عزيمة، ولكني أرى غير ما رأيتم، وما أردت بما فعلت إلا حقن الدماء، فارضوا بقضاء الله، وسلّموا الأمر له وألزموا بيوتكم وأمسكوا)(1).
ونجد في جواب الإمام (عليه السلام) هذا بالرغم من أنه حديث عام للقوم من شيعة أهل البيت (عليهم السلام) إلا أنه يتضمن مسألتين هامتين وهما:
أولاً: أن الصراع الذي يواجه الطليعة الرسالية، ليس صراعاً سياسياً يرتبط بالسلطة والمنصب، بل هو صراع القيم والمبادئ الرسالية مع الثقافة الجاهلية، لذلك فهو يتطلب إمكانيات وطاقات مناسبة لتغيير الواقع الفاسد في الأمة على مختلف الأصعدة السياسية والاجتماعية والثقافية والاقتصادية... وغيرها.
والواضح من كلام الإمام (عليه السلام) إن هذا القوم الذي جاء لطلب الإذن من الإمام (عليه السلام) لقتال معاوية، كان يحمل بعداً واحداً في صراعه، وهو البعد السياسي بمعنى السيطرة على السلطة وإسقاط معاوية.
ثانياً: إن الصراع ليس عملية انتحارية أو مجازفة غير محسوبة العواقب، بل هي عملية طويلة المدى، تتطلب وسائل وإمكانيات هائلة في سبيل إدارة الصراع بصورة جيدة، كما أنه بحاجة إلى أفراد وكفاءات وتضحيات وعمل متواصل ومنظم ومؤسسات تتجاوز الحواجز الإرهابية، وإدخال المجتمع في دائرة الصراع إلى غيرها من العوامل المؤدية إلى تغيير الواقع الفساد في الأمة.
إلا أن تكون هناك فئة انتحارية يكون همها القيام بعمليات ثورية دونما اكتراث إلى الجوانب الأخرى من الصراع، فإن هذه الفئة تنتهي بسرعة، وإذا بقيت فإنها لن تصل إلى الأهداف الحقيقية في الصراع. كما أن هذه الفئة لن ـ والحال هذه ـ عن إرادة الجماهير بل قد تنقلب الجماهير ضدها وذلك لأنها أغفلت منذ البداية جانب نوعية الجماهير وتهيئة أفراد المجتمع لخوض الصراع وإن الانتكاسات التي ستصيب هذه الفئة لن تثير حفيظة الجماهير أو عاطفتها كون هذه الجماهير لم تفهم أهداف وتطلعات هذه الفئة في خوضها الصراع بل قد تعتبره صراعاً على المنصب والسلطان كما يحدث غالباً للصراعات الطرفية والفئوية ضد السلطة.
وفد قوم من شيعة أهل البيت (عليهم السلام) فلاموا الإمام (عليه السلام) لتسليمه زمام السلطة إلى معاوية وأعنفوا القول للإمام (عليه السلام) فقال لهم: (ويحكم ما تدرون ما عملت؟ والله الذي عملت خير لشيعتي ممّا طلعت عليه الشمس أو غربت، ألا تعلمون أني إمامكم، ومفترض الطاعة عليكم، وأحد سيدي شباب أهل الجنة بنص من رسول الله (صلّى الله عليه وآله)، قالوا: بلى، قال: أما علمتم أن الخضر لما خرق السفينة وأقام الجدار، وقتل الغلام، كان ذلك سخطاً لموسى بن عمران، إذ خفي عليه وجه الحكمة في ذلك وكان ذلك عند الله تعالى ذكره حكمةً وصواباً؟ أما علمتم أنّه ما منا أحد إلا ويقع في عنقه بيعة لطاغية زمانه إلا القائم الذي يصلي خلفه روح الله عيسى بن مريم؟ فإن الله عز وجل يخفي ولادته ويغيب شخصه، لئلا يكون لأحد في عنقه بيعة، إذا خرج ذاك التاسع من ولد أخي الحسين ابن سيدة النساء يطيل الله عمره في غيبته، ثم يظهره بقدرته في صورة شاب دون الأربعين سنة، ذلك ليعلم أن الله على كل شيء قدير)(2) وهنا يشير الإمام (عليه السلام) في جوابه للقوم، قضية مركزية وحساسة وهي موقع القيادة في المجتمع، وأسلوب تعامل الجماهير مع قرارات هذه القيادة.
فقد تصاب الجماهير ـ أحياناً ـ بحالة مرضية وهي المزاجية في قبول أو رفض القرارات القيادية والتي يرجع أحد أسبابها إلى عدم وعي القرار، أو عدم فهم أبعاده الإيجابية المختلفة.
فما دام أن هناك قيادة في الأمة تعمل على أساس تطبيق الإسلام في واقع المجتمع، وتغيير نظام الواقع الفاسد، فالمطلوب من أبناء الأمة إسناد ودعم قيادتها الشرعية، بدل التشكيك أو التردد في ذلك، ولا يعني ذلك صنمية القرار أو تقديس القائد بقدر ما هو التفاعل مع القضية المشروعة التي آمنت بها الجماهير منذ البدء.
في الواقع أن من أخطر الآفات التي تفتك بالمجتمع هي في أن يضع أفراد المجتمع مختلف التبريرات في التعامل مع القرارات ممّا يسبب في إضعاف موقع القيادة وبالتالي تفتيت الوحدة الاجتماعية المنبعثة من قوة مركز القيادة في الأمة.
والواقع أن الأمة التي تضع ثقتها في قيادتها، فهي التي تصل إلى أهدافها بسرعة وبنجاح. كونها لم تبحث في تفصيلات كل قرار يصدره القائد فتتردد في اتباعه بل مسكت بأزمة القرار بقوة وإخلاص وتفهم.
وجاء بعض من الشيعة إلى الإمام (عليه السلام) فابتدروا بالقول: يا مذل المؤمنين، ويا مسود الوجوه، فما كان جوابه إليهم إلا أن قال: لا تعزلوني، فإن فيها مصلحة، ولقد رأى النبي (صلّى الله عليه وآله) في منامه، أنه يخطب بنو أمية واحد بعد واحد فحزن، فأتاه جبرائيل فقال له: (إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ) و(إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ)(3).
إن الإمام (عليه السلام) وبالرغم من قبح كلام القوم له والذي لا يعبر سوى عن غياب الوعي عن فهم القرار، فضلاً عن فهم وإدراك موقع الإمام (عليه السلام) ومكانته في الأمة، مع ذلك يجيب الإمام (عليه السلام) على هؤلاء حسب مستوى إدراكهم بأن رسول الله (صلّى الله عليه وآله) قد أخبره عن تسلط بني أمية على هذه الأمة.
___________________
1 - كلمة الإمام الحسن (عليه السلام): ص100، 101.
2 - كلمة الإمام الحسن (عليه السلام): ص101-102.
3 - كلمة الإمام الحسن (عليه السلام)، ص102.


أضف تعليق

كود امني
تحديث

مؤسسة السبطين عليهما السلام

loading...
أخبار المؤسسة
إصدارات
حول المؤسسة
loading...
المرئيات
المدائح
المحاضرات
الفقه
الصور

مشاهدة الكل

telegram ersali arinsta ar

١ ذوالقعدة الحرام

١- ذوالقعدة الحرام ١ـ ولادة كريمة أهل البيت فاطمة بنت موسى بن جعفر(س). ٢ـ غزوة بدر الصغرى. ٣ـ وفاة الاشعث ب...

المزید...

١١ ذوالقعدة الحرام

١١- ذوالقعدة الحرام ولادة ثامن الحجج، الامام السلطان ابوالحسن علي بن موسى الرضا المرتضى(ع) ...

المزید...

١٥ ذوالقعدة الحرام

١٥- ذوالقعدة الحرام نهاية الحكم الاموي وبداية الحكم العباسي ...

المزید...

٢٣ ذوالقعدة الحرام

٢٣- ذوالقعدة الحرام غزوة بني قريظة وتصفية يهود المدينة

المزید...

٢٥ ذوالقعدة الحرام

٢٥- ذوالقعدة الحرام ١) يوم دحو الارض ٢) خروج الرسول (ص) لحجة الوداع ٣) احضار الامام الرضا(ع) من الحجاز إلى ...

المزید...

٣٠ ذوالقعدة الحرام

٣٠- ذوالقعدة الحرام شهادة الامام الجواد(ع)

المزید...
012345
سيرة العلماء
تطبيق اندرويد لكتاب العروة الوثقی والتعليقات عليها
مكتبة أنيس
ثبّت سؤالك هنا
العروة الوثقى
Sibtayn International Foundation
Tel: +98 25 37703330 Fax: +98 25 37706238 Email : sibtayn[at]sibtayn.com
© 2024 Sibtayn International Foundation. All Rights Reserved.

Hi! Click one of our representatives below to chat on WhatsApp or send us email to [email protected]

الإتصال بنا
Close and go back to page