وبعد كل ماتقدم، فإننا نعرف المغزى العميق لقوله (صلى الله عليه وآله):
«الحسن والحسين إمامان قاما أو قعدا». أو ما هو بمعنى ذلك، حسبما تقدم في أوائل هذه الدراسة، رغم أنهما (عليهما السلام) ربما لم يكن عمرهما حينئذٍ قد تجاوز عدد اصابع اليد الواحدة.. ونجد الإمام الحسن (عليه السلام) يستدل بهذا القول على من يعترض عليه في صلحه مع معاوية (1).
وإذا كان البعض يريد أن يدعي: أن خلافة الإمام الحسن (عليه السلام) إنما كانت باختيار من المسلمين وبيعتهم، ولم تكن بوصية حتى من أبيه (2)...
فإن هذا القول، وسائر ما تقدم، يدفع كل ذلك ويدحضه..
ولدينا من النصوص التي تؤكد على وصاية أمير المؤمنين (عليه السلام) بالخلافة له من بعده الشيء الكثير...
ويمكن أن نذكر منها هنا:
1 ـ قول الإمام الحسن (عليه السلام) في كتابه لمعاوية: «.. وبعد.. فإن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب لما نزل به الموت ولاّني هذا الأمر بعده» (3).
2 ـ وقال ابن عباس، بعد استشهاد أمير المؤمنين (عليه السلام): هذا ابن بنت نبيكم، ووصي إمامكم، فبايعوه» (4).
3 ـ عن الهيثم بن عدي، قال «حدثني غير واحد ممن أدركت من المشايخ: أن علي بن أبي طالب (عليه السلام) أصار الأمر إلى الحسن» (5).
4 ـ وقال ابن أبي الحديد المعتزلي الحنفي عن أمر الخلافة: «وعهد بها إلى الحسن (عليه السلام) عند موته» (6).
5 ـ «وذكروا: أن جندب بن عبد الله دخل على علي (عليه السلام): فقال: ياأمير المؤمنين، إن فقدناك فلا نفقدك، فنبايع الحسن؟ قال: نعم» (7).
6 ـ وقال ابن كثير: «الخلفاء الأربعة: أبو بكر، وعمر، وعثمان، وعلي. خلافتهم محققة، بنص حديث سفينة:
الخلافة بعدي ثلاثون سنة، ثم بعدهم الحسن بن علي، كما وقع، لأن علياً أوصى إليه، وبايعه أهل العراق الخ...» (8).
7 ـ وعند أبي الفرج، وغيره: أنه لما أتى أبا الأسود نعي أمير المؤمنين، والبيعة للإمام الحسن (عليه السلام)، قام أبو الأسود خطيباً، فكان مما قال:
«.. وقد أوصى بالإمامة بعده إلى ابن رسول الله، وابنه، وسليله، وشبيهه في خلقه وهديه الخ» (9).
8 ـ وعند المسعودي: أن أمير المؤمنين (عليه السلام) «وإني أوصي إلى الحسن والحسين؛ فاسمعوا لهما، وأطيعوا أمرهما» (10). هذا، وقد ذكر وصية الإمام علي (عليه السلام) إلى ولده الإمام الحسن (عليه السلام) غير واحد من المؤلفين في كتبهم (11).. فلتراجع.
9 ـ هذا كله.. عدا عما تقدم من قوله (صلى الله عليه وآله): أنتما الإمامان ولأمكما الشفاعة.
وقوله (صلى الله عليه وآله): الحسن والحسين إمامان قاما أو قعدا، وعدا عن الأحاديث الكثيرة، التي تنص على الأئمة بأسمائهم (12).
وعدا عن نصوص كثيرة من طرق أهل البيت وشيعتهم، لا مجال لذكرها هنا...
10 ـ ولما مات أمير المؤمنين (عليه السلام)، جاء الناس إلى الحسن (عليه السلام)، فقالوا: أنت خليفة أبيك، وصيُّه (13).
11 ـ وقال المسعودي: «وقد ذكرت طائفة من الناس: أن علياً رضي الله عنه أوصى إلى ابنه الحسن والحسين، لأنهما شريكاه في آية التطهير. وهذا قول كثير ممن ذهب إلى القول بالنص» (14).
12 ـ وعن علي (عليه السلام): أنت يا حسن وصيي، والقائم بالأمر بعدي (15).
وفي نص آخر: يا بُنيَّ، أنت وليُّ الأمر، وولي الدم (16).
13 ـ وفي نصٍّ آخر: الحسن والحسين في عترتي، وأوصيائي، وخلفائي (17).
14 ـ إن الشيعة أطبقت: على أن علياً نص على ابنه الحسن (18).
15 ـ ويفهم من رواية ذكرها ابن سعد: أن أمر الوصاية قد اشتهر عن آل علي، في عهد التابعين فراجع وكانوا يتَّقون الناس في إظهارها (19).
إلى غير ذلك مما لا محال لتتبعه واستقصائه..
وقد تقدم في أوائل هذا الكتاب بعض ما يدل على ذلك أيضاً.
وحسبنا ما ذكرنا هنا، فيما يتعلق بالحياة السياسية للإمام الحسن (عليه السلام)، في حياة الرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله).. فإن استيفاء ذلك مما لا يمكن في هذه العجالة.. ولننتقل الآن إلى حياته السياسية في عهد الشيخين..
____________
(1) راجع علل الشرايع ج 1 ص 211.
(2) جاء ذلك في مجلة المجتمع الكويتية، في بعض أعدادها قبل سنوات، وفي مروج الذهب ج 2 ص 414: إن أمير المؤمنين (عليه السلام) لم يعهد..
(3) راجع: مقاتل الطالبيين ص 55/56 والفتوح لابن اعثم ج 4 ص 151 والمناقب لابن شهر آشوب ج 4 ص 31 وشرح النهج للمعتزلي ج 16 ص 36 ـ 40 والبحار ج 44 ص 64 هم كشف الغمة، وحياة الحسن بن علي (عليه السلام) للقرشي ج 2 ص 29، وراجع: همش أنساب الأشراف (بتحقيق المحمودي) ج 3 ص 31 وفي بعض المصادر «ولاَّني المسلمون الأمر».
(4) الفصول المهمة للمالكي ص 46 وأعلام الورى ص 209 والإرشاد للمفيد ص 207، وشرح النهج لابن أبي الحديد ج 16 ص 30 وكشف الغمة للأربلي ج 2 ص 164 ومقاتل الطالبيين ص 34 و 52، وحياة الحسن للقرشي ج 2 ص 10 وعن إثبات الهداة ج 5 ص 139 و 134 و 136 والبحار عن أبي مخنف.
(5) العقد الفريد ج 4 ص 474/475.
(6) شرح النهج للمعتزلي ج 1 ص 57.
(7) المناقب للخوارزمي ص 278.
(8) البداية والنهاية ج 6 ص 249.
(9) راجع: تيسير المطالب ص 179 وقاموس الرجال ج 5 ص 172 والأغاني ج 6 ص 121 وفي الخرائج والجرائح ما يدل على ذلك.
(10) إثبات الوصية ص 152.
(11) راجع: البحار ج 10 ص 89، وإثبات الهداة ج 5 ص 140 وراجع ص 121 حتى ص 143، وأنساب الأشراف ج 2 ص 502 ـ 504 بتحقيق المحمودي، وصلح الحسن (عليه السلام) لآل يس.. والكافي ج 1 ص 297 ـ 300.
(12) راجع منتخب الأثر.. وكحديث أهل بيتي كسفينة نوح، وحديث الثقلين وغير ذلك..
(13) إثبات الهداة ج 5 ص 135 والبحار ج 10 ط قديم، باب مصالحة الحسن، عن الخرائج والجرائح.
(14) مروج الذهب ج 2 ص 413.
(15) إثبات الهداة ج 5 ص 140.
(16) إثبات الهداة ج 5 ص 126 وكشف الغمة، وأصول الكافي ج 1 ص 299 وصلح الحسن ج 1 ص 52.
(17) إثبات الهداة ج 5 ص 139.
(18) إثبات الهداة ج 5 ص 133و 135 و 138 عن الشافي للسيد المرتضى، وكشف الغمة وأعلام الورى..
(19) راجع: الطبقات الكبرى ج 5 ص 239 ط ليدن.
الحسن والحسين إمامان
- الزيارات: 2918