المتوفى ١٣٤٥
يا كالئي الدين الحنيف
والامن من خطر الظروف
ومجلياً داجي الضلال
بنور رشد منه موفي
شرف الابا ورثته أُسرتكم
، شريفاً عن شريف
أترى تقرّ على الهوان
وأنت من شمّ الأنوف
وترى حقوقك في يدي
قوم على وثن عكوف
والدين كوكب رشده
الدريّ آذن بالخسوف
فأنر بطلعتك المنيرة
للورى ظلم السدوف
واملأ بصاعقة الضبا
وجه البسيطة بالرجيف
واترك خيول الله تعطف
بالذميل على الوجيف
عربية تستن في العدوات
كالريح العصوف
بجحاجح تزن الجبال
الشمّ في اليوم المخوف
وألحِظ بنيك بعطفة
أو لست خير أبٍ عطوف
وارأف بهم عجلاً فقد
وصفوك بالبرّ الرؤوف
فإلامَ أكباد الورى
لنواك دامية القروف
حنّت اليك حنين ذي
إلف على فقد الأليف
أوَ ما علمت ـ وأنت أعلم
ما جرى يوم الطفوف
حيث الحسين درية
للسمهرية والسيوف
حشدت عليه جحافل
عضت بهن لُهى الشنوف
فسطا عليهم زاحفاً
في كل مقدام زحوف
ومدربين لدى الكفاح
على مصادمة الألوف
يمشي بمعترك النزال
إلى الردى مشي النزيف
ويخال مهزوز القنا
يوم الوغى أعطاف هيف
وقفوا بها فاستوقفوا
الأفلاك في ذاك الوقوف
خفوا وهم هضب الجبال
لنيل دانية القطوف
فتلفعوا بنجيعهم
مثل البدور لدى الكسوف
وانصاع فرداً لم يجد
عضداً سوى العضب الرهيف
فهناك صال على الكتائب
صولة الليث المخيف
فثنى مكردسها وثنّى
فعله يوم الخسيف
حتى جرى القدر المحتم
فاغتدى غرض الحتوف
لهفي عليه وطفله
بيديه ما بين الصفوف
قد أرشفته دماؤه
بسهامها بدل الرشيف
لهفي عليه مجدلا
لو كان يجديني لهيفي
من بعد خفرانه
أسرى على عجف الحروف
وإذا اشتكت عنف المسير
تجاب بالضرب العنيف
ربات خدر ما عرفن
سوى المقاصر والسجوف
تدعو وتهتف بالحماة
الصيد كالورق الهتوف
وتكاد منهن القلوب
تطير من فرط الرفيف
الشيخ عبد الحسين بن قاعد الواسطي الحياوي ، نسبة إلى حي واسط ، ولد في قضاء الحي سنة ١٢٩٥ ه. وتوفي فيها في ٢٤ رجب سنة ١٣٤٥ ه. ونقل إلى النجف ودفن في جوار المشهد الشريف.
نشأ في النجف وطلب العلم بها ونظم الشعر فأجاد وله مؤلفات في العلم والتاريخ وديوان شعر ، فاضل أديب شاعر حسن الحديث مشهور بالتقوى والايمان. ترجم له الشيخ محمد حرز الدين في معارفه فقال : حضر الفقه والاصول على مدرسي النجف حتى نال رتبة عالية من العلم ولا زالت النوادي العلمية تجمعنا واياه في النجف وكان شاعراً بليغاً جيد النظم وقد رثا الحسين عليهالسلام بقصائد عديدة وحضر عليه في الفقه والاصول والأدب جماعة منهم الشيخ حمزة ابن الشيخ مهدي ابن الشيخ أحمد قفطان النجفي المتوفى سنة ١٣٤٢ ، وترجم له صاحب الحصون فقال : عالم فاضل سمت همته إلى كسب الفضائل فهاجر إلى النجف وعكف على الاشتغال بتحصيل الفقه والاصول وله إلمام بباقي العلوم ، وأديب أريب وشاعر بارع حسن المحاضرة حلو المذاكرة حسن السيرة صافي السريرة وله فينا بعض المدائح ، وترجم له الشيخ النقدي في الروض النضير.
ومن شعره الذي يرويه خطباء المنبر الحسيني قصيدته في الإمام موسى الكاظم عليهالسلام.
جانب الكرخ شأن أرضك شيّد
قبر موسى بن جعفر بن محمد
بثرى طاول الثريا مقاماً
دون أعتابه الملائك سجد
ضمّ منه الضريح لاهوت قدس
ليديه تلقى المقادير مقود
من عليه تاج الزعامة في الدين
امتناناً به من الله يعقد
قد تجلّى للخلق في هيكل النا
سِ لكنه بقدس مجرد
هو معنى وراء كل المعاني
صوّب الفكر في علاه وصعّد
سابع الصفوة التي اختارها
الله على الخلق أوصياء لأحمد
هو غيث إن أقلعت سحب الغيث
، وغوث إن عزّ كهف ومقصد
كان للمؤمنين حصناً منيعاً
وعلى الكافرين سيفاً مجرّد
أخرجوه من المدينة قسراً
كاظماً مطلق الدموع مقيد
حر قلبي عليه يقضي سنينا
وهو في السجن لا يزار ويقصد
مثل موسى يُرمى على الجسر ميتاً
لم يشيعه للقبور موحّد
حملوه وللحديد برجليه
دويٌ له الاهاضب تنهد
وقال في رثاء الحسين عليهالسلام :
خليلي هل بعد الحمى مربع نظر
يذاع بناديه لأهل الهوى سر
وهل بعد معناه تروق لناظري
خمائل يذكوا من لطائمها عطر
قد ابتزه صرف الردى أي بهجة
فأمسى وناديه لطير البلى وكر
رعى الله عهداً نوره متبسم
وحجب الحيا تبكي وأدمعها القطر
وقفنا به مثل القنى أسى وقد
تساهمن زاهي ربعه الحجج الغبر
حلبنا به ضرع المدامع لو صفا
لأخصب من أكنافه الماحل القفر
ونندب أكباداً لنا بربوعه
أطيحت غداة البين واغتالها الدهر
تشاطرها ربع المحصب والحمى
ففي ربع ذا شطر وفي سفح ذا شطر
فيا سعد دع ذكر الديار وانني
لعهد الرسوم الدثر لم يشجني الذكر
ولا هاج وجدي ذكر حزوى وبارق
ولا أنهل مني باللوى مدمع غمر
ولكن شجاني ذكر رزؤ ابن فاطم
غداة شفى فيه ضغائنه الكفر
بأحقاد بدر قد عدا من بني الشقا
إلى حربه في الطف ذو لجب محر
ضغائن أخفتها بطي بنودها
فأظهر ما يخفيه في طيها النشر
أتته عهود منهم ومواثق
وقد غدرت فيه وشيمتها الغدر
أرادت به ضرّاً وتعلم أنه
بطلعته الغراء يستدفع الضر
وسامته ذلاً وهو نسل ضراغم
لها الصدر في نادي الفخار والقبر
فقال لها يا نفس قري على الردى
فما عز إلا معشر للردى قروا
لنصر الهدى كأس الحمام له حلى
على أن كأس الموت مطعمه مر
فقام بفتيان كأن وجوههم
بدور دجى لكن هالاتها الفخر
مساعير حرب تمطر الهام صيباً
إذا برقت منها المهندة البتر
على سابحات في بحار مهالك
لها البيض أمواج وفيض الطلا غمر
محجلة غر على جبهاتها
بأقلام خرصان القنا كتب النصر
تجول بحلي اللجم تيهاً كأنها
ذئاب غضى يمرحن أو ربرب عفر
غرابية مبيضة جبهاتها
سوى أنها يوم الكريهة تحمر
وهم فوقها مثل الجبال رواسخ
بيوم به الأبطال همتها الفر
إذا ما بكت بيض الضبا بدم الطلا
ترى الكل منهم باسم الثغر يفتر
تهادى بمستن النزال كأنها
نشاوى طلا أضحى يرنحها السكر
تفر كأسراب القطا منهم العدى
كأن الفتى منهم بيوم الوغى صقر
لنيل المعالي في الجنان تؤازروا
فراحوا ولم يعلق بأبرادهم وزر
فماتوا كراماً بعد ما أحيوا الهدى
ولم يدم في يوم الجلاد لهم ظهر
فجرد فرد الدهر أبيض صارماً
به أوجه الأقران بالرعب تصفر
فيا ليمين قد أقلت يمانيا
إذا قد وتراً عاد شفعاً به الوتر
وظمآن لم يمنح من الماء غلة
وقد نهلت في كفه البيض والسمر
جرى عضبه حتفاً كأن يمينه
بها الموت بحر والحسام له نهر
تروح ثبات في القفار إذا دنا
له نحو أجياد العدى نظر شزر
يكر عليهم كرة الليث طاوياً
على سغب والليث شيمته الكر
لأكبادها نظم بسلك قناته
وللهام في بتار صارمه نثر
إذا ما دجا ليل العجاج بنير
تبلج من لئلاء طلعته فجر
عجبت له تظمى حشاشته ومن
نجيع الطلا في صدر صعدته بحر
ولو لم يكن حكم المقادير نافذاً
لعفت ديار الشرك قتلته البكر
إلى أن هوى ملقى على حر وجهه
بمقفرة في حرها ينضج الصخر
هوى علة الايجاد من فوق مهره
فأدبر ينعاه بعولته المهر
هوى وهو غيث المعتفين فعاذر
إذا عرضت يأساً عن السفر السفر
فلا الصبر محمود بقتل ابن فاطم
وليس لمن لم يجر مدمعه عذر
بنفسي سخياً خادعته يد القضا
فجاد بنفس عن علاها كبا الفكر
يعز على الطهر البتول بأن ترى
عزيزاً لها ملقى واكفانه العفر
يعز عليها أن تراه محرماً
عليه فرات الماء وهو لها مهر
يعز على المختار أن سليله
يرض بعدو العاديات له صدر
فيا ناصر الدين الحنيف علمت إذ
لجدك جد الخطب واعصوصب الأمر
لقد كسرت بالطف حرب قناتكم
فهلا نرى منها القنا وبها كسر
فمالي أراك اليوم عن طلب العدى
صبرت وللموتور لا يحمد الصبر
أتقعد يا عين الوجود توانياً
وقد نشبت للبغي في مجدكم ظفر
أتنسى يتامى بالهجير تراكضت
وصالية الرمضاء يغلى لها قدر
وربات خدر بعد ما انتهبوا الخبا
برزن ولا خدر يوارى ولا ستر
وعيبة علم قيدوه بحلمه
بأمر طليق دأبه اللهو والخمر
سرت تتهاداها الطغام أذلة
فيجذبها مصر ويقذفها مصر
تجوب الموامي فوق عجف أيانق
ويزجرها بالسوط إما ونت زجر
تحن فتشجى الصخر رجع حنينها
وملأ حشاها من لواعجها جمر
يعز على الشهم الغيور بأنها
تغير منها في السبا أوجه غر
يعز على الهادي الرسول بأنها
قد استلبت منها المقانع والأزر
ومستصرخات بالحماة فلم تجد
لها مصرخاً إلا فتى شفه الأسر
نحيفاً يقاسي ضر قيد وغلة
ينادي بني فهر وأين له فهر
فيا غيرة الإسلام هبي لمعضل
به الملة البيضاء أدمعها حمر
أتغدوا مقاصير النبي حواسراً
وآكلة الأكباد يحجبها قصر
وله في رثاء مسلم بن عقيل عليهالسلام :
لو لم يكن لك من ضباك قوادم
ما حلقت للعز فيك عزائم
العز عذب مطعماً لكنه
حفت جناه لها ذم وصوارم
يبني الفتى بالذل دار معيشة
والذل للمجد المؤثل هادم
من لم يعود بالحفاظ وبالأبا
لسعت حجاه من الصغار أراقم
ان شئت عزاً خذ بمنهج مسلم
من قد نمته للمكارم هاشم
شهم ابى إلا الحفائظ شيمة
فنحى العلا والمكرمات سلالم
أو هل يطيق الذل من وشجت علا
منه بأعياص الفخار جراثم
فمضى بماضي عزمه مستقبلاً
أمراً به ينبو الحسام الصارم
بطل تورث من بني عمرو العلا
حزماً يذل له الكمى الحازم
للدين أرخص أي نفس مالها
في سوق سامية المفاخر سائم
لقد اصطفاه السبط عنه نائباً
وحسام حق للشقا هو حاسم
مذ قال لما أرسلت جند الشقا
كتباً لها قلم الضلالة راقم
أرسلت أكبر أهل بيتي فيكم
حكماً وفي فصل القضا وهو حاكم
فاتى ليثبت سنة الهادي على
علن وتمحي في هداه مظالم
أبدت له عصب الضلالة حبها
والكل للشحنا عليه كاتم
قد بايعته ومذ أتى شيطانها
خفت اليه وجمعها متزاحم
فانصاع مسلم في الأزقة مفرداً
متلدداً لم يتبعه مسالم
قد بات ليلته باشراك الردى
وعليه حام من المنية حائم
وتنظمت بنظام حقد كامن
للقاه ينظمها الشقا المتقادم
فأطل معتصماً بأبيض صارم
من فتكه لعداه عز العاصم
قد خاض بحر الموت في حملاته
وعبابه بصفاحهم متلاطم
فتخال مرهفة شهاباً ثاقباً
للماردين أنقض منه راجم
وركام يمناه يصبب حاصباً
ان كر منها جيشها المتراكم
ان أوسع الأعداء ضرباً حزمه
ضاقت بخيل الدارعين حيازم
وتراه أطلاع الثنايا في الوغى
تبكي العدى والثغر منه باسم
غيران للدين الحنيف مجاهداً
زمراً بها أفق الهداية قائم
من عصبة لهم الحتوف مغانم
بالعز والعيش الذميم مغارم
قد آمنته ولا أمان لغدرها
فبدت له مما تجن علائم
سلبته لامة حربه ثم اغتدى
متأمراً فيه ظلوم غاشم
أسرته ملتهب الفؤاد من الظما
وله على الوجنات دمع ساجم
لم يبك من خوف على نفس له
لكنه أبكاه ركب قادم
يبكي حسيناً ان يلاقى ما لقى
من غدرهم فتباح منه محارم
فبعين باري الخلق يوقف ضارعاً
وله ابن مبتدع المآثم شاتم
وينال من عليا قريش سادة
البطحاء وهو لها طليق خادم
ويدير عينيه فلم ير مسعفاً
يلقي اليه بسره ويكاتم
فرمته مكتوفاً من القصر الذي
قامت على الطغيان منه قوائم
والهفتاه لمسلم يرمى من
القصر المشوم وليس يحنو راحم
ويجر في الأسواق جهراً جسم من
تنميه للشرف الصراح ضراغم
قد مثلت فيه وتعلم أنه
بعلي أبيه للمماثل قائم
أوهى قوى سبط النبي مصابه
وبه تقوت للضلال دعائم
شمخت انوف بني الطغام بقتله
كبراً وأنف بني الهداية راغم
ظفر الردى نشبت بليث ملاحم
لله ما أسدى القضاء الحاتم
فلتبكين عليه ظامية الضبا
إذ كان ينهلها غداة يقاوم
يا نفس ذوبي من أسى لملمة
غالت بها ليث العرين بهائم
قد هدّ مقتله الحسين فأسبل
العبرات وهو لدى الملمة كاظم
الشيخ عبد الحسين الحيّاوي
- الزيارات: 3917