المتوفى ١٣٣٦
ما للعيون قد استهلّت بالدم
أفهلّ ـ لا أهلاً ـ هلال محرم
حيّا بطلعته الورى نعياً وقد
ردوا عليه تحية بالمأتم
ينعى هلالاً بالطفوف طلوعه
قد حفّ في فلك الوغى بالانجم
يوم به سبط الرسول استرسلت
نحو العراق به ذوات المنسم
أدّى مناسكه وأفرد عمرة
ولعقد نسك الحج لما يحرم
ومن الحطيم وزمزم زمّت به
الأيام وهو ابن الحطيم وزمزم
في فتية بيض الوجوه شعارهم
سمر القنا ودثارهم بالمخذم
يتحجبون ظلال سمرهم إذا
ما الشمس ابيض وجهها للمحرم
يتلمضون تلمض الأفعى متى
نفثت اسنتهم بشهب الانجم
بلغوا بها أوج العلا فكأنها
لصعودهم كانت مراقي سُلّم
متماوجي حلق الدروع كأنها
ماء تزرد بالصبا المتنسم
من كل مفتول الذراع تراه في
وثباته وثباته كالضيغم
جعلوا قسيّ النبل من أطواقهم
وبروا من الاهداب ريش الأسهم
وتسنّموها شمائلاً ما إن بدا
برق تعنّ له ولمّا يعلم
ان أوخدت زفّت زفيف نعامة
واذا خدت سفّت سفيف القشعم
حفوا وهم شهب السماء بسيد
بدر بأنوار الإمامة معلم
حتى اذا ركزوا اللوى في نينوى
وإلى النوى حنّوا حنين متيم
وحمى الوطيس فأضرموا نار الوغى
وهووا عليها كالطيور الحوّم
وتقلّدوا بيض الضبا هندية
وبغير قرع الهام لم تتثلّم
والى الفنا هزوا قناً خطية
بسوى صدور الشوس لم تتحطّم
فكأن في طرق السنان لسمرهم
سراً بغير قلوبهم لم يكتم
وثنوا خميس الجيش وهو عرمرم
بخميس بأس في النزال عرمرم
حتى ثوت تحت العجاج كأنها الأ
قمار تحجب بالسحاب المظلم
نشوانة بمدام قانية الدما
لغليل أفئدة صواد أوّم
والعالمان تقاسما فرؤوسهم
تنحو السما والارض دامي الاجسم
فثنى ابن حيدرة عنان جواده
طلقا محياه ضحوك المبسم
وسما بعزمته على هام العلا
بسنابك المهر الاغرّ الادهم
ان سلّ متن المشرفي تتابعت
لعداه صاعقة البلاء المبرم
ذا الشبل من ذاك الهزير وإنما
تلد الضياغم كل ليث ضيغم
فسقاهم صاب الردى وسقوه من
راح الدماء عن الفرات المفعم
حتى إذا ما المطمئنة نفسه
بالوحي ناداها الجليل أن اقدمي
أضحى يجود بنفسه ، وفؤاده
بمشعّب السهم المحدد قد رُمي
فتناهبوه فللظبا أشلاؤه
وحشا الفؤاد لسمرها والاسهم
ملقى ثلاثاً في الهجير تزوره
الاملاك بين مقبّل ومسلّم
وأجال جري الصافنات رحىً بها
من صدره طحنت دقيق الاعظم
بأبي عقائله الهواتف نوّحاً
ما بين ثاكلة واخرى أيّم
سلبت رداها واللثام أُميط عن
وجه بأنوار الجلال ملثّم
ومن الحديد عن الحليّ استبدلت
طوقاً لجيد أو سوار المعصم
وتصيح يا للمسلمين ألا فتى
يحمي الذمار ولا ترى من مسلم
مسبية مسلوبة مهتوكة
حملت على عجف النياق الرسّم
فتخال أوجهها الشموس وإنما
صبغت بحمر مدامع كالعندم
ومن الطفوف لارض كوفان إلى
نادي دمشق بها المطايا ترتمي
بأبي رضيع دم الوريد فطامه
في سهم حرملة ولما يفطم
فكأن نبلته محالب امه
وكأن ما درّت لبان من دم
إذ أنس لا أنسى العفرني ثاوياً
حلو الشمائل حول نهر العلقمي
ثاو وعين الشمس لم ترَ شخصه
مذ غاب في صعد القنا المتحطم (١)
آل اسد الله اسرة علمية برز فيها خلال القرنين الأخيرين عدد من رجال العلم والأدب وفي طليعتهم جدهم الاعلى فقيه عصره المعروف الشيخ اسد الله الكاظمي التستري المتوفى سنة ١٢٣٤ ه. الذي عرفوا به وانتسبوا اليه. وكان من جملة من اشتهر منهم مترجمنا الفقيه الاديب الشيخ عبد الحسين ابن الشيخ محمد تقي ابن الشيخ حسن ابن الشيخ اسد الله الكاظمي. ولد في النجف الأشرف سنة ١٢٨٣ ه. أيام كان أبوه يسكنها للدراسة وطلب العلم وقضى سني الطفولة هناك ، ثم حل في الكاظمية ـ تبعاً لأبيه ـ وهو في الحادية عشرة من العمر ، وبدأ فيها دراسته وتعلّمه على ضوء المنهج الدراسي السائد حينذاك وكان والده العلامة الشيخ محمد تقي هو الاستاذ الأكبر له خلال هذه المرحلة ، وبدافع من ذكائه وألمعيته وجد في نفسه القدرة على البحث والتأليف فكتب رسالة في الاستثناء سماها ( المقابيس الغراء ) كما كتب كرّاساً في تفسير حديث ( اتباع النظرة النظرة ) وفي سنة ١٣١٠ ه. عاد إلى النجف لغرض الدراسة العليا والتخصص في علوم الدين على يد اعلام الشريعة فدرس على الفقيه الشيخ رضا الهمداني وغيره وكتب خلال مكثه في النجف حاشية على مباحث القطع من كتاب القطع من كتاب الرسائل في اصول الفقه للشيخ مرتضى الانصاري. وعاد إلى الكاظمية بعد إكمال دراسته العالية في سنة ١٣٢٤ ه. فاذا به الفقيه البارز والمدرّس المرموق والفاضل المشهود له بالفضيلة ، واتجهت به همته بعد عودته فقام بشرح كتاب استاذه الآخوند الخراساني في اصول الفقه شرحاً يقوم بمهمة ايضاح غوامض الكتاب وتبيان دقائقه وتفصيل ما أجمل فيه وفي غرة ربيع الثاني سنة ١٣٣٠ ه أتمّ كتابة الجزء الأول من الشرح المذكور وسماه ( الهداية في شرح
الكفاية ) ثم عرض مسوّدة الكتاب على فقيه العصر الشيخ محمد تقي الشيرازي إمام الثورة العراقية فاعجب به وكتب له تقريضاَ ، وقد تمّ طبع الجزء الأول من الكتاب بمطبعة الآداب ببغداد سنة ١٣٣١ ه. وكتب المؤلف على صفحته الاولى هذه الأبيات :
ما انفك يا بن العسكري تمسكي
أبداً بحبلٍ من ولاك متين
أقسمت أن أهدي اليك هدية
ولقد عزمت بأن أبرّ يميني
هذا الكتاب هدية مني لكي
أُعطى كتابي سيدي بيميني
نظم الشعر في مقتبل عمره وعالج أكثر ألوان الشعر من غزل ونسيب ووصف إلى تهان ومدائح ومراث ، ومن اجتماعيات واخوانيات إلى اخريات في المناسبات الدينية ، ومن قصائد عمودية وموشحة إلى مقطعات مخمّسة ومشطرة ، وفي مجموع شعره نماذج رائعة تدل على شاعريته وسلامة ذوقه. ترجم له البحاثة الشيخ محمد حسن آل ياسين في مجلة البلاغ الكاظمية وجمع ما تسنّى له العثور عليه من شعره من غزل ومديح ورثاء وتخاميس وتشاطير وما جاء في أهل البيت وفي الحسين خاصة كما ترجم له الشيخ السماوي في ( الطليعة من شعراء الشيعة ) وذكر قصيدة من غزله واليكم بعض ما جاء في الترجمة ، قال الشيخ السماوي :
فاضل أخذ الفضل عن أب فأب وتنقل اليه بالنسب وزانه بالحسب وضمّ اليه الأدب فهو فقيه اصولي صميم غير فضولي له كتب مصنفة في العلمين ومدائح في آل البيت النبوي كثيرة وأكثر منها مراثي الحسين ، عاشرته فرأيت منه امرءاً سليم الجانب صافي النية كثير الحافظة متنسكاً تقياً فمن شعره قوله مصدراً ومعجزاً قصيدة في مديح النبي (ص) مهملة.
وله كثير من التصدير والتعجيز في الأئمة عليهمالسلام وقصائد غرر في مراثي الحسين (ع) ولد سنة الف ومايتين وسبع وثمانين وتوفي في أواسط ربيع الآخر من سنة الف وثلثمائة وستة وثلاثين في الكاظميين ودفن بها مع أبيه رحمهالله.
الطليعة ج ٢٣٧ / ١
__________________
١ ـ مجلة البلاغ الكاظمية ، السنة الخامسة.
الشيخ عبد الحسين أسد الله
- الزيارات: 1580