خطبه ى حضرت زهرا

(زمان خواندن: 5 - 10 دقیقه)

احتجاج فاطمة الزهراء عليهاالسلام
على القوم لما منعوها فدك
روى عبدالله بن الحسن عليه السلام باسناده عن آبائه عليهم السلام انه لما اجمع ابوبكر على منع فاطمة عليهاالسلام فدك، و بلغها ذلك، لاثت خمارها على راسها، واشتملت بجلبابها، و اقبلت فى لمة من حفدتها و نساء قومها، تطا ذيولها، ما تخرم مشيتها مشية رسول الله- صلى الله عليه و آله- حتى دخلت على ابى بكر و هو فى حشد من المهاجرين و الانصار و غيرهم فنيطت دونها ملاءة، فجلست، ثم انت انه اجهش القوم لها بالبكاء؛ فارتج المجلس، ثم امهلت هنية حتى اذا سكن نشيج القوم، و هدات فورتهم، افتتحت الكلام بحمد الله و الثناء عليه و الصلاة على رسول الله، فعاد القوم فى بكائهم، فلما امسكوا عادت فى كلامها، فقالت- عليهاالسلام-:
الحمدلله على ما انعم، و له الشكر على ما الهم، و لا ثناء بما قدم، من عموم نعم ابتداها، و سبوغ آلاء اسداها، و تمام منن والاها، جم عن الاحصاء عددها، و ناى عن الجزاء امدها، و تفاوت عن الادراك ابدها، و ندبهم لاستزادتها بالشكر لاتصالها، و استحمد الى الخلائق باجزالها، و ثنى بالندب الى امثالها. و اشهد ان لا اله الا اله الله وحده لا شريك له كلمة جعل الاخلاص تاويلها، و ضمن القلوب موصولها، و انار فى الفكر معقولها. الممتنع من الابصار رؤيته، و من الالسن صفته، و من الاوهام كيفيته. ابتدع الاشياء لامن شى ء كان قبلها، و انشاها بلا احتداء امثلة امتثلها، كونها بقدرته، و ذراها بمشيته، من غير حاجة منه الى تكوينها، و لا فائدة له فى تصويرها الا تثبيتا لحكمته، و تنبيها على طاعته، اظهارا لقدرته، و تعبدا لبريته، و اعزازا لدعوته. ثم جعل الثواب على طاعته، و اعزازا لدعوته ثم جعل الثواب على طاعته و وضع العقاب على معصيته، زيادة لعباده عن نقمته، و حياشة منه الى جنته. و اشهد ان ابى محمدا- صلى الله عليه و آله- عبده و رسوله، اختاره وانتجبه قبل ان ارسله، و سماه قبل ان اجتبله، واصطفاه قبل ان ابتعثه، اذ الخلائق بالغيب مكنونة، و بستر الاهاويل مصونة، و بنهاية العدم مقرونة، علما من الله تعالى بمائل الامور، و احاطة بحوادث الدهور، و معرفة بمواقع المقدور. ابتعثه الله تعالى اتماما لامره، و عزيمة على امضاء حكمه، و انفاذا لمقادير حتمه.
فراى الامم فرقا فى اديانها، عكفا على نيرانها، عابدة لاوثانها، منكرة لله مع عرفانها. فانار الله بمحمد- صلى الله عليه و آله- ظلمها، و كشف عن القلوب بهمها، و جلى عن الابصار غممها، و قام فى الناس بالهداية، و انقذهم من الغوايد، و بصرهم من العماية، و هداهم الى الدين القويم، و دعاهم الى الطريق المستقيم.
ثم قبضه الله اليه قبض رافة و اختيار و رغبة و ايثار بمحمد- صلى الله عليه و آله- عن تعب هذه الدار فى راحة، من تعب هذه الدار قد حف بالملائكة الابرار، و رضوان الرب الغفار، و مجاورة الملك الجبار، صلى الله على ابى نبيه و آمينه على الوحى، و صفيه و خيرته من الخلق و رضيه، والسلام عليه و رحمة الله و بركاته.
ثم التفتت الى اهل المجلس و قالت:
انتم عباد الله نصب امره و نهيه و حمله دينه و وحيه، و امناء الله على انفسكم، و بلغاوه الى الامم، و زعمتم حق له فيكم و عهد قدمه اليكم، و بقية استخلفها عليكم: كتاب الله الناطق، و القرآن الصادق، و النور الساطع، و الضياء اللامع، بيته بصائره، منكشفة سرائره، متجلية ظواهره، مغتبطة به اشياعه، قائد الى الرضوان اتباعه، مود الى النجاه استماعه به تنال حجج الله المنورة، و عزائمه المفسرة، و محارمه المحذرة، و بيناته الجالية، و براهينه الكافية، و فضائله المندوبة، و رخصه الموهوبة، و شرايعه المكتوبة.
فجعل الله الايمان تطهيرا لمن من الشرك، و الصلاة تنزيها لكم عن الكبر، و الزكاة تزكية للنفس و نماء فى الرزق، و الصيام تثبيتا للاخلاص، والحج تشييدا للدين، و العدل تنسيقا للقلوب، و طاعتنا نظاما للملة، و امامتنا امانا من الفرقة، و الجهاد عزا للاسلام، و الصبر معونة على استيجاب الاجر، و الامر بالمعروف مصلحة للعامة، و بر الوالدين وقاية من السخء و صلة الارحام منماة لعدد، و القصاص حصنا للدماء، والوفاء بالنذر تعريضا للمغفرة، و توفية المكائيل و الموازين تغييرا للبخس، و النهى عن شرب الخمر تنزيها عن الرجس، و اجتناب القذف حجابا عن اللعنة، و ترك السرقة ايجابا للعفة و حرم الله الشرك اخلاصا له بالربوبيتة: ف «اتقوا الله حق تقاته و لا تموتن الا و انتم مسلمون». و اطيعوا الله فيما امركم به و نهاكم عنه، فانه «انما يخشى الله من عباده العلماء».
ثم قالت:
ايها الناس! اعلموا انى فاطمة، و ابى محمد- صلى الله عليه و آله- اقول عودا و بدوا، و لا (اقول) ما اقول غلطا، و لا افعل ما افعل شططا: «لقد جاءكم رسول من انفسكم عزيز عليه ما عنتم حريص عليكم بالمؤمنين رؤوف رحيم». فان تعزوه و تعرفوه تجدوه ابى دون نسائكم، و اخا ابن عمى دون رجالكم، و لنعم المعزى اليه
- صلى الله عليه و آله- فبلغ الرسالة صادعا بالنذارة، مائلا عن مدرجة المشركين، ضاربا ثبجهم، آخذا باكظامهم، داعيا الى سبيل ربه بالحكمة و الموعظة الحسنة، يكسر الاصنام، و ينكث الهام حتى انهزم الجمع و ولوا الدبر، حتى تفرى الليل عن صبحه، و اسفر الحق عن محضه، و نطق زعيم الدين، و خرست شقاشق الشياطين، و طاح شيظ النفاق، وانحلت عقد الكفر و الشقاق، و فهتم بكلمة الاخلاص فى نفر من البيض الخماص، و كنتم على شفا حفرة من النار، مذقة الشارب، و نهزة الطامع، و قبسة العجلان، و موطى الاقدام، تشربون الطرق، و تقتاتون القد، اذلة خاسئين، «تخافون ان يتخطفكم الناس» من حولكم.
فانقذكم الله تبارك و تعالى بمحمد- صلى الله عليه و آله- بعد اللتيا و التى و بعد ان منى ببهم الرجال و ذوبان العرب و مردة اهل الكتاب، «كلما او قدوا نارا للحرب اطفاها الله»، او نجم قرن للشيطان، و فغرت فاغرة من المشركين قذف اخاه فى لهواتها، فلا ينكفى حتى يطا صماخها باخمصه، و يخمد لهبها بسيفه، مكدودا فى ذات الله مجتهدا فى امر الله، قريبا من رسول الله، سيد اولياء الله، مشمار ناصحا، مجدا كادحا، و انتم فى رفاهية من العيش، وادعون فاكهون آمنون، تتربصون بنا الدوائر و تتوكفون الاخبار، و تنكصون عند النزال، و تفرون عند القتال.
فلما اختار الله لنبيه دار انبيائه، و ماوى اصفيائه، ظهر فيكم حسيكة النافق، و سمل جلباب الدين، و نطق كاظم الغاوين، و نبغ خامل الاقلين، و هدر فنيق المبطلين فخطر فى عرصاتكم، و اطلع الشيطان راسه من مغرزه، هاتفا بكم، فالفاكم لدعوته متسجيبين، و للغره فيه ملاحظين. ثم استنهضكم فوجدكم خفافا، و احمشكم فالفاكم غضابا، فو سمتم غير ابلكم، و اوردتم غير شربكم؛ هذا و العهد قريب، الكلم رحيب، والجرح لما يندمل، و الرسول لما يقبر، ابتدارا زعمتم خوف الفتنة، «الا فى الفتنة سقطوا و ان جهنم لمحيطة بالكافرين».
فهيهات منكم، و كيف بكم، و ان تؤفكون؟ و كتاب الله بين اظهرمكم، اموره ظاهرة، و احكامه زاهرة، و اعلامه باهرة، و زواجره لائحة، و اوامره واضحة، قد خلفتموه وراء ظهوركم، ارغبة عنه تريدون، ام بغيره تحكمون «بئس للظالمين بدلا»؛ «و من يبتغ غير الاسلام دينا فلن يقبل منه و هو فى الاخرة من الخاسرين».
ثم لم تلبثوا الا ريث ان تسكن نفرتها، و يسلس قيادها ثم اخذتم تورون و قدتها، و تهيجون جمرتها، و تستجيبون لهتاف الشيطان الغوى و اطفاء انوار الدين الجلى، و اهماد سنن النبى الصفى، تسرون حسوا فى ارتعاء، و تمشون لاهله و ولده فى الخمر و الضراء، و نصبر منكم على مثل حز المدى، و خز السنان فى الحشاء، و انتم تزعمون الان ان لا ارث لنا، «افحكم الجالية تبغون و من احسن من الله حكما لقوم يوقنون» افلا تعلمون؟ بلى تجلى لكم كالشمس الضاحية انى ابنته.
ايها المسلمون! ءاغلب على ارثية يا بن ابى قحافه! افى كتاب الله ان ترث اباك، و لا ارث من ابى لقد جئت شيئا فريا افعلى عمد تركتم كتاب الله، و نبذتموه وراء ظهوركم، اذ يقول: «و ورث سليمان داود»، و قال فيما اقتص من خبر يحيى بن زكريا- عليهاالسلام- اذ قال رب «فهب لى من لدنك وليا يرثنى و يرث من آل يعقوب» و قال: «و اولوا الارحام بعضهم اولى ببعض فى كتاب الله» و قال: «يوصيكم الله فى اولادكم للذكر مثل حظ الانثيين» و قال: «ان ترك خير الوصية للوالدين و الاقربين بالمعروف حقا على المتقين»، و زعمتم ان لا حظوة لى، و لا ارث من ابى لا رحم بيننا!
افخصكم الله بآيه اخرج منها ابى؟ ام هل تقولون ان اهل ملتين لا يتوارثان، و لست انا و ابى من اهل ملة واحدة؟! ام انتم اعلم بخصوص القرآن و عمومه من ابى و ابن عمى؟ فدونكها مخطومة مرحولة. تلقاك يوم حشرك، فنعم الحكم الله، و الزعيم محمد، و الموعد القيامة، و عند الساعة يخسر المبطلون و لا ينفعكم اذ تندمون، و «لكل نبا مستقر و «سوف تعلمون من ياتيه عذاب يخزيه و يحل عليه عذاب مقيم».
ثم رمت بطرفها نحو الانصار فقالت: يا معشر الفتية، و اعضاد الملة، و انصار الاسلام! ما هده الغميرة فى حقى؟ و النسة عن ظلامتى؟ اما كان رسول الله- صلى الله عليه و آله- ابى يقول: «المرء يحفظ فى ولده»؟ سرعان ما احدثتم، و عجلان ذا اهالة، و لكم طاقة بما احاول، و قوة على ما اطلب و ازاول! اتقولون مات محمد- صلى الله عليه و آله-؟ فخطب جليل استوسع وهيه، و استنهر فتقه، و انفتق رتقه، و اظلمت الارض لغيبته، و كسفت النجوم لمصيبته، و اكدت الامال، و خشعت الجبال، و اضيع الحريم، و ازيلت الحرمة عند مماته. فتلك والله النازلة البكرى، و المصبية العظمى، لا مثلها نازلة و لا بائقة عاجلة اعلن بها كتاب الله- جل ثناؤه- فى افنيتكم فى ممساكم و مصبحكم هتافا و صراخا و تلاوة و الحانا، و لقبله ما حل بانبياء الله و رسله، حكم فصل و قضاًء حتم: «و ما محمد الا رسول قد خلت من قبله الرسل افان مات او قتل انقلبتم على اعقابكم و من ينقلب على عقبيه فلن يضر الله شيئا و سيجزى الله الشاكرين».
ايها بنى قيلة! ءاهضم تراث ابى و انتم بمراى منى و مسمع، و منتدى و مجمع؟! تلبسكم الدعوه، و تشملكم الخبرة و انتم ذو والعدد و العدة و الاداة و القوة و عندكم السلاح و الجنة توافيكم الدعوة. فلا تجيبون، و تاتيكم الصرخة فلا تغيثون، و انتم موصوفن بالكفاح، معروفون بالخير و الصلاح، و النجبة التى انتجبت، و الخيرة التى اختيرت! قاتلتم العرب، و تحملتم الكد و التعب، و ناطحتم الامم، و كافحتم البهم، فلا نبرح او تبرحون، نامركم فتاتمرون حتى دارت بنارحى الاسلام، و در حلب الايام، و خضعت نعرة الشرك، و سكنت فورة الافك، و خمدت نيران الكفر، و هدات دعوة الهرج و المرج، واستوسق نظام الدين؛ فانى جرتم بعد البيان، و اسررتم بعد الاعلان، و نكصتم بعد الاقدام، و اشركتم بعد الايمان؟ «الا تقاتلون قوما نكثوا ايمانهم و هموا باخراج الرسول و هم بداوكم اول مرة اتخشونهم فالله احق ان تخشوه ان كنتم مؤمنين».
الا و قد ارى ان قد اخلدتم الى الخفض، و ابعدتم من هو احق بالبسط و القبض، و خلوتم بالدعة، و نجوتم من الضيق بالسعد، فمججتم ما وعيتم، و دسعتم الذى تسوغتم، «فان تكفروا انتم و من فى الارض جميعا فان الله لغنى حميد». الا و قد قلت ما قلت على معرفة منى بالخذلة التى خارمتكم، و الغدرة التى استشعرتها قلوبكم، و لكنها فيضة النفس، و نفثة الغيظ، و خور القنا، و بثة الصدور، و تقدمه الحجة.
فدونكموها فاحتقبوها دبرة الظهر، نقبة الخف باقية العار موسومة بغضب الله و شنار الابد، موصوله بنار الله الموقدة التى تطلع على الافئدة، فبعين الله ما تفعلون «و سيعلم الذين ظلموا اى منقلب ينقلبون»، و انا ابنه «نذير لكم بين يدى عذاب شديد»، «فاعملوا انا عاملون وانتظروا انا منتظرون». [الاحتجاج، ابى منصور احمد بن على بن ابى طالب طبرسى، ج 1، ص 274- 253.]