طباعة

«جور سلطانهم وغلاء أسعارهم»

«جور سلطانهم وغلاء أسعارهم»([1])

 

الجور: الظلم، وجور السلطان يعني: ظلم السلطان، والسلطان بمفهوم هذا الزمان هو الحاكم، وإذا أمعنّا النظر في ظلم السلطان نجد إمَّا أنَّ السلطان جاء عن طريق غير مشروع، وإمَّا أنَّه غير مؤهّل للسلطة والحكم، فيشعر بالنقص، وبالتالي سدّاً لهذا النقص يجور ويظلم ويقتل ويسجن ليُسكت الأفواه، ويكتم الأنفاس.

والحكّام الذين يأتون بقطار أجنبي، وبالإنقلابات العسكريّة هذا شأنهم ; العصا الغليظة، والأحكام الإرتجاليّة، لأنَّهم يعلمون مصيرهم فيلجأون إلى هذا الأسلوب لإطالة وجودهم وبقائهم في الحكم.

ونهاية كلّ حاكم جائر وظالم محسوبة ومعروفة، وأكثر مَن يعرف نهايته الحاكم نفسه، ولكنَّ الحكم عقيم.

أمَّا الحاكم العدل الصحيح الذي يأتي عن طريق النصّ الإلهي، فيُحَارب بشتّى الطرق، يُكذِّب ولا يتعاون معه ويحارب بالسّلاح، اغتيالاً أو بالسُّم أو غدراً.

وهذا ما كان مع أمير المؤمنين ويعسوب الدّين (عليه السلام)، قتلوه وهو في المحراب ولم يحسبوا حرمة له.

أمَّا غلاء الأسعار، فهي ظاهرة في كلِّ أنحاء العالم، إمَّا أن تكون مفتعلة، وإمَّا أن تكون نوعاً من العذاب، الذي يُصبّ على النّاس بما كسبت أيديهم: (وَمَا ظَلَمْنَاهُم وَلَكِنْ كَانُوا أنْفُسَهُم يَظْلِمُونَ)([2]).

وأمَّا كونها مفتعلة فلا غبار على ذلك حيث: «جوّع كلبك يتبعك»، هذه سمة النظم الظالمة والمتفرعنة، بحيث يرفعون الأسعار، وهي تشمل الجميع من ذوي الدخول العالية والنازلة، ولكنّها لا تظهر على أُولئك الذين يتلاعبون بمقدرات النّاس ولا يعرفون الحلال والحرام، لكنّها تظهر على الفقراء وذوي الدخل المحدود، فتكون سبباً في بيع الدّين والضمير والسرقة والقتل والتجاوز وهذا ما يريده الحاكم الجائر ليشغل النّاس بالقيل والقال، ويجعل بأسهم بينهم ويضطرّهم للإنضواء تحت مشيئته، ولما كان أغلب حكّام العالم من هذا النوع، نزل عليهم العذاب بما كسبت أيديهم، والله لا يظلم أحداً.

زلازل، وسيول، وأمطار غزيرة في غير أوآنها وحرّ شديد، وجراد في غير حينه كاسح، وحروب طاحنة، وأمراض مستعصية ومتفشية، ونكبات تهدّ كيان المجتمعات، والذي نراه في العراق جامع شامل، خوف شديد وموت ذريع وفقر مدقع وظلام دامس وقلق مستمرّ، وقد قيل: الظلم إن دام دمَّر، وحاصل الظلم أنَّ المجتمع البشري يتسابق لأن يجعل الأرض مقبرة كبرى له مع سبق الإصرار، بامتلاكه السّلاح المدمّر، والقوّة النوويّة، ونقول للحكّام الظلمة: إنَّ يوم المظلوم أشدّ على الظالم، اللَّهمَّ عجِّل لوليّك الفرج والعافية والنصر.

 

 

--------------------------------------------------------------------------------

([1]) بشارة الإسلام، ص: 28، 31، 186.

([2]) يونس / 44، الأعراف / 160، آل عمران / 117.