طباعة

قد نزلت بالاسلام نازلة وفتنة عظيمة من الفتن

كان بلال مؤذّن رسول الله صلّى الله عليه وآله يؤذّن بالصلاة في كلّ وقت صلاة، فإن قدر على الخروج تحامل وخرج وصلّى بالناس، وإن هو لم يقدر على الخروج أمّ عليّ بن أبي طالب فصلّى بالناس، وكان عليّ بن أبي طالب والفضل بن العباس لا يزايلانه في مرضه ذلك.
فلمّا أصبح رسول الله صلّى الله عليه وآله من ليلته تلك التي قدم فيها القوم الذين كانوا تحت يد اُسامة، أذّن بلال ثمّ أتاه يخبره كعادته، فوجده قد ثقل فمنع من الدخول إليه، فأمرت عائشة صهيباً أن يمضي إلى أبيها فيعلمه انّ رسول الله قد ثقل وليس يطيق النهوض إلى المسجد، وعليّ بن أبي طالب قد شغل به وبمشاهدته عن الصلاة بالناس، فاخرج أنت إلى المسجد فصلّ بالناس، فإنّها حالة تهنئك وحجة لك بعد اليوم.
قال: فلم يشعر الناس وهم في المسجد ينتظرون رسول الله أو عليّاً يصلّي بهم كعادته التي عرفوها في مرضه إذ دخل أبو بكر المسجد وقال: انّ رسول الله ثقل وقد أمرني أن اُصلّي بالناس، فقال له رجل من أصحاب رسول الله صلّى الله عليه وآله: وأنّى لك ذلك وأنت في جيش اُسامة، ولا والله ما أعلم أحد بعث إليك ولا أمرك بالصلاة، ثمّ نادى الناس بلالا فقال: على رسلكم رحمكم الله لأستأذِن رسول الله في ذلك.
ثمّ أسرع حتّى أتى الباب فدقّه دقّاً شديداً، فسمعه رسول الله صلّى الله عليه وآله فقال: ما هذا الدقّ العنيف؟! فانظروا ما هو، قال: فخرج الفضل بن العباس ففتح الباب فإذا بلال، فقال: ما وراؤك يا بلال؟ فقال: انّ أبا بكر دخل المسجد وتقدّم حتّى وقف في مقام رسول الله صلّى الله عليه وآله، وزعم انّ رسول الله أمره بذلك، فقال: أوليس أبا بكر مع اُسامة في الجيش؟ هذا والله هو الشرّ العظيم الذي طرق البارحة المدينة، لقد أخبرنا رسول الله صلّى الله عليه وآله بذلك.
ودخل الفضل وأدخل بلالا معه فقال: ما وراؤك يا بلال، فأخبر رسول الله الخبر، فقال: أقيموني أقيموني اخرجوني إلى المسجد، والذي نفسي بيده قد نزلت بالاسلام نازلة وفتنة عظيمة من الفتن، ثمّ خرج صلّى الله عليه وآله معصوب الرأس، يتمادى بين عليّ والفضل بن العباس رضي الله عنهما ورجلاه يجرّان في الأرض حتّى دخل المسجد، وأبو بكر قائم في مقام رسول الله، وقد طاف به عمر وأبو عبيدة وسالم وصهيب والنفر الذين دخلوا، وأكثر الناس قد وقفوا عن الصلاة ينتظرون ما يأتي به بلال، فلمّا رأى الناس رسول الله صلّى الله عليه وآله قد دخل المسجد وهو بتلك الحالة العظيمة من المرض أعظموا ذلك.
وتقدّم رسول الله صلّى الله عليه وآله فجذب أبا بكر من ورائه فنحّاه عن المحراب، وأقبل أبو بكر والنفر الذين كانوا معه فتواروا خلف رسول الله صلّى الله عليه وآله، وأقبل الناس فصلّوا خلف رسول الله صلّى الله عليه وآله، وهو جالس وبلال يسمع الناس التكبير حتّى قضى صلاته، ثمّ التفت فلم ير أبا بكر فقال: يا أيّها الناس لا تعجبوا من ابن أبي قحافة وأصحابه الذين أنفذتهم وجعلتهم تحت يدي اُسامة، وأمرتهم بالمسير إلى الوجه الذي وجهوا إليه، فخالفوا ذلك ورجعوا إلى المدينة ابتغاء الفتنة، ألا وانّ الله قد أركسهم فيها، اعرجوا بي المنبر.
ارشاد القلوب للديلمي ج 2 ص 207

, , ,