طباعة

أبوحنيفة يطعن على أبي هريرة

وذكر الزندويستي (1) وهو من أجلّة علماء الحنفية وأعاظم مشايخهم وأثنى عليه الكفوي في « كتائب الاعلام الاخيار » في كتابه المسمى بـ « روضة العلماء » روى عن أبي حنيفة رضي الله عنه أنه سئل ، فقيل له : اذا قلت قولاً وكان كتاب الله يخالف قولك ؟ قال : أترك قولي بكتاب الله ، فقيل : اذا كان خبر الرسول يخالف قولك ؟ قال : أترك قولي بخبر الرسول ، فقيل : اذا كان قول الصحابي يخالف قولك ؟ قال : أترك قولي بقول الصحابي ، فقيل له : اذا كان قول التابعين يخالف قولك ؟ قال : اذا كان التابعي رجلاً فأنا رجل ، ثم قال : أترك قولي بجميع قول الصحابة الاّ ثلاثة منهم : أبوهريرة ، وأنس بن مالك ، وسمرة بن جندب.
قال : قال الفقيه أبو جعفر الهندواني : انما لم يترك قوله بقول هؤلاء الثلاثة لأنهم مطعونون الى آخر ما ذكره.
وحكى أيضاً عن عيسى بن أبان أنه قال : أقلّد أقاويل جميع الصحابة الاّ ثلاثة منهم : أبوهريرة ، و وابصة بن معبد (2) ، وأبو سنابل بن بعكك.
والقضية السابقة أعني مطعونية أبي هريرة عند أبي حنفية مذكورة في « كتائب الأعلام الأخيار » أيضاً.
ويظهر من ابن حزم الاندلسي من أعيان محققي القوم الذي ذكروا أنه بلغ رتبة الاجتهاد فكان لا يقلّد أحداً من الأئمة الأربعة ، وذكر محيى الدين في الفتوحات أنه رآه صار متّحداً مع الرسول ( صلى الله عليه وآله وسلم ) في كتاب « المحلى » في مسألة أحقيّة البايع بمتاع المبتاع اذا أفلس : ان محمد بن الحسن الشيباني مقلّد الحنفية وتلميذ إمامهم الأعظم ، والذي نقلوا في حقه من الشافعي : أن اليهود والنصارى لو نظروا في تصانيف محمد بن الحسن لآمنوا من غير اختيار ، كان يطعن في أبي هريرة ، ولايحتج بروايته.
قال ابن حزم : روينا من طرق أبي عبيدة ، أنه ناظر في هذه المسألة ، محمد بن الحسن ، فلم يجد عنده أكثر من أن قال : هذا من حديث أبي هريرة.
قال علي : نعم والله من حديث أبي هريرة البر الصادق ، لا من حديث مثل محمد بن الحسن الذي قيل لعبدالله بن المبارك : من أفقه أبو يوسف أو محمد بن الحسن ؟ فقال : قل أيهما أكذب (3).
وليت شعري أن الحنفية لماذا يعتمدون على رواية أبي هريرة بعد ما صدر في حقه عن إمامهم الأعظم وتلميذه الأفخم ما صدر ؟!
ومن مطاعنه : أنه كان يلعب بالشطرنج ، ذكر الدميري في حياة الحيوان في لغة العقرب ما لفظه : وروى الصعلوكي تجويزه ، أي الشطرنج عن عمر بن الخطاب ، وأبي هريرة ، والحسن البصري ، والقاسم بن محمد ، وأبي قلابة ، وأبي مجلز ، وعطاء ، والزهري وربيعة بن عبدالرحمن ، وأبي الزياد ، والمروي ، عن أبي هريرة من اللعب به مشهور في كتب القوم.
وذكر ابن الاثير في النهاية : وفي حديث بعضهم قال رأيت أبا هريرة يلعب السُّدر ، السُّدر لعبة يقامر بها ، تُكسر سينها وتضُمّ ، وهي فارسية معربة عن ثلاثة أبواب (4) ، يعني « سه در ».
وقال ابن تيمية المتعصب الناصب في منهاجه : ان مذهب جمهور العلماء أن الشطرنج حرام وقد ثبت عن علي بن ابي طالب انه مرَّ بقوم يلعبون الشطرنج فقال : ( ما هذه التماثيل التي أنتم لها عاكفون ) ؟ (5).
وكذلك النهي عنها معروف عن أبي موسى وابن عباس وابن عمر وغيرهم من الصحابة ، وتنازعوا في أن أيهما أشدّ تحريماً ؟ الشطرنج أو النرد ، فقال مالك : الشطرنج أشدّ من النرد.
وهذا منقول عن ابن عمر لأنها تشغل القلب بالفكر ، والذي يصدّ عن ذكر الله وعن الصلاة ، وقال أبو حنيفة وأحمد : النرد أشدّ (6).
واعترف بصحة هذا الحديث المروي عن أمير المؤمنين ( عليه السَّلام ) ، ابن روزبهان في كتابه.
وفي كنز العمال : ملعون من لعب الشطرنج ، والناظر إليها كالآكل للحم الخنزير ، رواه عبدان ، وأبوموسى ، وابن حزم ، عن حبة بن مسلم وفيه أيضاً : اذا أمرتم بهذا ، الذين يلعبون بهذه الأزلام ، والشطرنج ، والنرد ، وما كان من هذه فلا تسلّموا عليهم ، وإن سلّموا عليكم فلا تردّوا عليهم.
والديلمي عن أبي هريرة : ويكفي في ذمّ اللعب به هذا الحديث الذي حدّث به أبو هريرة نفسه ، وروى في كنز العمال روايات أُخر كثيرة دالة على حرمته وذم فاعله ، و « أنه من أهل النار » ، و « انه من شرار خلق الله » ، و « لا ينظر الله إليه يوم القيامة » ، نقلاً عن الديلمي وابن أبي شيبة ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، وابن ماجة ، وعبد بن حميد ، وابن أبي الدنيا ، وهؤلاء كلهم من أساطين دينهم ومذهبهم ، وسوّدوا في اثبات فضائلهم ومحامدهم أوراقاً طويلة. ومن قبائح أبي هريرة وشنائعه الفظيعة ، انه كان منحرفاً عن أمير المؤمنين صلوات الله عليه ، مولياً لعدوه ، معاد لوليّه.
ولما نبهه على ذلك الأصبغ بن نباته استرجع ولم يحر جواباً.
قال سبط ابن الجوزي في تذكرة خواص الأمة : قال اصبغ : فقلت يا معاوية لا تقتل بقتلة عثمان ، فإنك لاتطلب إلاّ الملك والسلطنة ، ولو أردت نصرته لفعلته ، ولكنك تربصت به وتقاعدت لتجعل ذلك سبباً إلى الدنيا ; فغضب ، فأردت أن أزيده ، فقلت يا أباهريرة أنت صاحب رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) أقسم عليك بالله الذي لا إله إلاّ هو ، وبحقّ رسوله هل سمعت رسول الله يقول يوم غدير خم في حقّ أمير المؤمنين : « من كنت مولاه فعليٌّ مولاه » ؟
فقال : إي والله لقد سمعته يقول ذلك.
فقلت : إذن أنت يا أباهريرة واليت عدوّه وعاديت وليّه ، فتنفس أبوهريرة وقال : إنا لله وإنا إليه راجعون ، فتغير وجه معاوية ، وقال : يا هذا كفّ عن كلامك فلا تستطيع أن تخدع أهل الشام عن الطلب بدم عثمان ، فإنه قتل مظلوماً.
_______________
1. الحسين بن يحيى البخاري الزَّنْدوِيستيّ له كتاب روضة العلماء ونظم الفقه وترجمته في الجواهر المضية 1 : 621 باسم « علي بن يحيى » والفوائد البهية : 225 وتاج التراجم : 94 رقم 103 وكشف الظنون 1 : 928.
2. أسد الغابة 6 : 156 رقم 5979.
3. المحلى ، كتاب البيوع ، باب : أحكام التفليس 8 : 178 ـ 179.
4. النهاية لابن الاثير 2 : 354.
5. الأنبياء : 52.
6. منهاج السنة 2 : 98.