طباعة

مشاهير الرواة في حديث السنة : عبدالله بن عمرو بن العاص

هو زاهد القوم!! روى البخاري في مواضع عديدة من صحيحه ما محصله :
انه سمع رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ان عبدالله بن عمرو بن العاص يصوم ولايفطر ويصلي ولا ينام.
فقال ( صلى الله عليه وآله وسلم ) له : ان لجسدك عليك حقاً ، وان لعينك عليك حقاً ، وان لزوجك عليك حقّاً ، وان لزورك عليك حقّاً ، فصم وأفطر وقم ونم وصم من الشهر ثلاثة أيام ، فان الحسنة بعشر أمثالها ، وذلك مثل صيام الدهر ، فقال عبدالله : اني اطيق أفضل من ذلك ، قال فصم يوماً وأفطر يومين ، قال : اني اطيق أفضل من ذلك ، فقال ( صلى الله عليه وآله وسلم ) فصم يوماً وأفطر يوماً فذلك صيام داود ، وهو أفضل الصيام فقلت : اطيق أفضل من ذلك ، فقال النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) : لا أفضل من ذلك (1).
ومجمل أحواله انه أيضاً ممن تخلّف عن أمير المؤمنين ( عليه السَّلام ) وفارقه وخرج عن طاعته وعصاه وآذاه وقاتله وحاربه وأعان اعداءه وأخذل أولياءه.
وكان على ميمنة عسكر معاوية ، وتقلّد سيفين من غاية حرصه على القتال.
وافتخر بارتكاب هذه العظائم الكبائر والانحراف عن امام الأبرار ، وموالاة قدوة الأشرار والفجار ، وانشدّ في ذلك الاشعار.
وكلّ من اتصف ببعض هذه الصفات فضلاً عن كلّها فهو هالك كافر خارج عن طاعة الله عاص لله ورسوله مؤذ لله مندرج في زمرة من أمر رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) بمقاتلته من القاسطين مفارق لله ورسوله تارك لما أمر الله به في كتابه متهورٌ في ضلالة ، منهمك في الشقاوة ، موصوف بكلّ رذيلة ، ويجب الاجتناب عنه والتحرز منه وعدم الاعتماد عليه ، لما رواه الحاكم في المستدرك ـ وهو على ما نصّ عليه علمائهم من أعظم الائمة الذين حفظ الله بهم الدين وانتفع بتصانيفه أهل المشرق والمغرب ـ.
قال : قال له : ـ اي لعبدالله بن عمروبن العاص ـ أبوه يوم صفّين أخرج فقاتل ، قال : يا أبتاه أتأمرني أن أخرج فأقاتل وقد كان من عهد رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ما قد سمعت ؟!
قال : انشدك بالله أتعلم ان ما كان من عهد رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) إليك; أنه أخذ بيدك فوضعها في يدي فقال : اطع أباك عمرو بن العاص قال : نعم ، قال : فإني آمرك أن تقاتل ، قال فخرج يقاتل فلمّا وضعت الحرب قال عبدالله :

لو شهدت جمل مقامي ومشهدي             بصفّين يوماً شاب منها الذوائب
عشية جاء أهل العراق كأنهم                سحاب ربيع زعزعته الجنائب
وجئناؤهم ندوي كأن صفوفنا                من البحر موج موجه متراكب
اذا قلت قدولوا سراعاً بدت                 لناكتائب منهم وارجحنت كتائب
فدارت رحانا واستدارت رحاهم                سراة النار ما تولي المناكب
فقالوا لناإنا نرى أن تبايعوا                علياً فقلنا : بل نرى ان نضارب (2)

وفي أسد الغابة لابن الاثير الجزري ، قال في ترجمة ابن عمرو بن العاص :
وكانت معه راية أبيه يوم اليرموك ، وشهد معه أيضاً صفّين ، وكان على الميمنة (3) ، قال له أبوه : يا عبدالله اخرج فقاتل ، فقال : يا ابتاه أتامرني ان أخرج فاقاتل؟ وقد سمعت رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) بعهد إلي ما عهد ، قال : اني انشدك الله يا عبدالله الم يكن آخر عهد اليك رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) أن أخذ بيدك ووضعها في يدي ؟ وقال : اللهم بلى ، قال : فاني اغرم عليك ان تخرج فتقاتل فخرج وتقلّد سيفين (4).
وما ذكر من انه ندم بعد ذلك لا يفيد في اصلاح حاله فان التوبة عن حقوق الناس لايكفي فيها مجرد الندم ، سيّما انه ندم على القتال ، لاعلى التخلّف عن أمير المؤمنين ومفارقته ، و هل يرجع بعد ذلك إلى متابعته والتفرد بحاشيته.
وحسبك في هذا المقام شهادة عمرو بن العاص على ان الخروج على أمير المؤمنين خلع رقية الاسلام وتهوّر في الضلالة واعانة على الباطل.
قال سبط ابن الجوزي ، وهو من أئمة الحنفية ومن شراح الجامع الصغير وصحيح مسلم ، ومحامده موجودة في كتب القوم ، قال في كتاب تذكرة خواص الامة :
وفي هذا السنة وهي سنة ستّ ثلاثين ، اتفق معاوية وعمرو بن العاص على قتال علي واصطلحا على ذلك قبل نزول علي على النخيلة في أيام وقعة الجمل بعد ان كان معاوية قد يئس منه ، وعزم عمرو على المسير إلى نصرة علي ، فاعطاه معاوية مصراً طعمة فمال إليه.
وقال أهل السير لما حصر عثمان خرج عمرو بن العاص إلى الشام فنزل فلسطين ، وكان يؤلب على عثمان لانحرافه عنه فاقام بفلسطين حتى قتل عثمان.
_________________
1. صحيح البخاري كتاب الصوم باب صوم الدهر رقم 1976 وأطرافه رقم 1131 ، 1152 ، 1153 ، 1974 ، 1975 ، 1976 ، 1977 ، 1978 ، 1979 ، 1980 ، 3418 ، 3419 ، 3420 ، 5052 ، 5053 ، 5054 ، 5199 ، 6134 ، 6277.
2. المستدرك 3 : 527 ، تاريخ مدينة دمشق 31 : 278 ، وفيه زيادات مثل قوله :

وجئنائهم ندوي كأن صفوفنا        من البحر موج موجه متراكب
فدارت رحانا واستدارت رحاهم        سراة النار ما تولي المناكب
فقالوا لنا إنا نرى أن تبايعوا        علياً فقلنا : بل نرى ان نضارب

3. تاريخ مدينة دمشق 31 : 271 ـ 272.
4. المصدر السابق