طباعة

حديث : فيه تكذيب ( وإن طائفتان ... )

ومنها : ما رواه في كتاب الصلح : ان أنساً قال قيل للنبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) لو أتيت عبدالله بن أبي ، فانطلق إليه النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) وركب حماراً ، فانطلق المسلمون يمشون معه وهي أرض سبخة فلمّا أتاه النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) قال إليك عني ! والله لقد آذاني نتنُ حمارك ، فقال رجل من الانصار منهم : والله لحمار رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) أطيب ريحاً منك ، فغضب لعبدالله رجل من قومه فشتمه فغضب لكل منهما أصحابه ، فكان بينهما ضرب بالجريد والأيدي والنعال ، فبلغنا أنها نزلت : ( وان طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا بينهما ) (1) (2).
قال الزركشي في التنقيح لألفاظ الجامع الصحيح : فبلغنا أنها نزلت : وان طائفتان ، قال ابن بطال : يستحيل نزولها في قصة عبدالله بن أبي وأصحابه ، لأن أصحاب عبدالله ليسوا بمؤمنين وقد تعصبوا له في الإسلام في قصة الإفك.
وقد رواه البخاري في كتاب الاستيذان عن أسامة بن زيد رضي الله عنهما أن النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) مرّ في مجلس فيه أخلاط من المشركين والمسلمين وعبدة الاوثان واليهود وفيهم عبدالله بن أبي فذكر الحديث ، فدلّ على أن الآية لم تنزل فيه وانّما نزلت في قوم من الاوس والخزرج اختلفوا فاقتتلوا بالعصى والنعال.
وقال ابن حجر : وقد استشكل ابن بطال نزول الآية المذكورة ، وهي قوله تعالى : ( وان طائفتان من المؤمنين اقتتلوا ) (3) في هذه القصة لأن المخاصمة وقعت بين من كان مع النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) من الصحابة وبين الصحابة وبين عبدالله بن أبي وكانوا اذ ذاك كفّاراً فكيف ينزل فيهم طائفتان من المؤمنين ؟
ولا سيما ان كانت قصة أنس وأسامة متحدة ، فان في رواية أسامة فاستبّ المسلمون والمشركون ، قلت : يمكن ان يحمل على التغليب ، مع ان فيها اشكالاً من جهة اخرى ، وهي أن حديث أسامة صريح في ان ذلك كان قبل وقعة بدر وقبل أن يسلم عبدالله بن أبي وأصحابه ، والآية المذكورة في الحجرات ونزولها متأخر جدّاً وقت مجيء الوفود لكنه يحتمل ان يكون آية الاصلاح نزلت قديماً فيندفع الاشكال (4).
أقول : أما احتمال التغليب فممّا لايرضى به اللبيب الأديب ، اذ لم يقع توصيف الكفار العابدين للاصنام بالايمان ولو على سبيل التغليب في نظم ولا أثر ولا حديث ولا آية تحققت هذه الكلمة فيها ، ولم يجوزه أحد من العلماء ، ولا شاهد على جوازه ، ولو رفعنا اليد عن ظواهر الآيات والاخبار بمجرد الاحتمالات البعيدة التي لا شاهد عليها ولا داعي إليها ، لاندفع الامان من جميع النصوص وانقلبت الشريعة ظهراً لبطن.
وتصديق البخاري ليس بداع عقلي ولا ديني مع ما علم من حاله وسائر رواياته.
وأما احتمال تعدد النزول فهو مما لا يرضى به أكابرهم ولا يزالون يشنعون على علماء الامامية في قولهم في بعض الآيات أنها وردت في كذا بأنها وردت في قصة اخرى ولا يحتملون تعدد النزول كما أورده في شأن نزول آية : ( وآت ذا القربى حقّه ) (5).
وكما أورده ابن تيمية في قوله تعالى : ( سئل سائل بعذاب واقع ) (6) ، من ابطال نزولها في قصة الحارث ابن النعمان الفهري بان السورة مكية وقد نزلت قبل ذلك بسنين.
________________
1. الحجرات : 9.
2. صحيح البخاري كتاب الصلح باب ما جاء في الإصلاح بين الناس رقم.269 وأطراف الحديث كتاب الجهاد والسير رقم 2987 ، كتاب تفسير القرآن رقم 4566 ، كتاب اللباس رقم 5964 ، كتاب الأدب ، رقم 6207 ، كتاب الإستيذان ، رقم 6254.
3. الحجرات : 9.
4. فتح الباري كتاب الصلح 5 : 228.
5. الاسراء : 26.
6. المعارج : 1.