طباعة

حديث : خِطبة بنت أبي جهل

ومنها : أعني من رواياته الموضوعة ما يتضمن قصة خطبة بنت أبي جهل قال في كتاب الفضائل في باب ذكر أصهار النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) : حدّثنا أبو اليمان ، أخبرنا شعيب عن الزُّهري قال : حدّثني علي بن الحسين أن المسور بن مخرمة ، قال : ان علياً خطب بنت أبي جهل فسمعت بذلك فاطمة ، فأتت رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) فقالت : يزعم قومك انك لا تغضب لبناتك ، وهذا علي ناكح بنت أبي جهل ، فقام رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) فسمعته حين تشهد ، يقول : أما بعد فاني انكحت أبا العاص ابن الربيع فحدّثني وصدّقني ، وأن فاطمة بضعة مني وأني أكره أن يسوءها ، والله لاتجتمع بنت رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) وبنت عدوّ الله عند رجل واحد فترك علي الخطبة (1).
وهذا الخبر من موضوعات عهد بني أمية أيضاً ، وهو الذي أشير إليه في تعصبات ابن تيمية أنه أخذ بمفهومه وذكر ما يستحيى من ذكره وقال : أن رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) مدح صهره أبا العاص المشرك في هذا الخبر ، ثم تفوّه بما ( تكاد السموات يتفطّرن منه وتنشق الأرض وتخرّ الجبال هدّاً ) (2).
ويدل على هذا ما حكاه ابن ابي الحديد في الجزء الثالث من شرحه عن الشيخ أبي جعفر الاسكافي : أن معاوية وضع قوماً من الصحابة وقوماً من التابعين على رواية أخبار قبيحة في علي تقتضي الطعن فيه والبراءة منه ، وجعل لهم على ذلك جعلاً يرغب في مثله.
فاختلفوا ، ما أرضاه منهم أبو هريرة وعمرو بن العاص والمغيرة بن شعبة ومن التابعين عروة بن الزبير ، روى الزهري عن عروة بن الزبير ، قال : حدّثتني عائشة قالت كنت عند رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) اذ أقبل العباس وعلي فقال : يا عائشة ان هذين يموتان على غير ملّتي ، أو قال : ديني ، إلى أن قال.
وأما عمرو بن العاص فروى عنه الحديث الذي أخرجه البخاري ومسلم في صحيحهما مسنداً متّصلاً بعمرو بن العاص قال : سمعت رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) يقول : ان آل أبي طالب ليسوا بأوليائي وانما وليّي الله وصالح المؤمنين (3).
وأما أبو هريرة فروى قصة خطبة بنت أبي جهل ، وان النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) خطب على المنبر وذكر ما ذكر.
أقول : ثم ان جماعة من العامة ذكروا ، أن رعاية الأدب يقتضي ترك رواية هذا الحديث.
وذكروا : ان نقله تنقيص لأميرالمؤمنين ( عليه السَّلام ) ، وفي كثير من كتبهم أن ابا حنيفة عاتب الأعمش ولامه على رواية هذا الحديث ، وقال : أنه وان كان صحيحاً لكن لا يسوغ لك نقله ، مع عدم ابتناء مسألة دينيّة عليه.
وذكروا أن ابا حنيفة وشريك بن عبدالله وابن ابي شبرمة ، وابن ابي ليلى ، اتّفقوا وذهبوا إلى دار الأعمش ولاموه على روايته هذا الحديث.
وبعد هذا كله ، فكيف يمكن التزام أن السيد السجاد زين العابدين ( عليه السَّلام ) روى هذا الحديث واشاعه ، فروى عنه الزهري أليس هو أولى برعاية أدب جدّه ؟ أم لم يكن أعرف من أبي حنيفة وعسره بمقام جدّه ؟
وان نقل هذا الحديث تنقيص له بل استغرب ابن حجر من المسور انه كيف روى هذا الحديث لزين العابدين ( عليه السَّلام ) ؟ قال في فتح الباري :
ولا أزال أتعجب من المسور كيف بالغ في تعصّبه لعلي بن الحسين حتى قال : انه لو أودع عنده السيف لايُمَكِّن أحداً منه حتى تزهق روحه رعاية لكونه ابن ابن فاطمة محتجاً بحديث الباب ، ولم يراع خاطره في أن ظاهر سياق الحديث المذكور غضاضة على علي بن الحسين لما فيه من إيهام غض جدّه علي بن أبي طالب حيث أقدم على خطبة بنت أبي جهل على فاطمة حتى اقتضي أن يقع من النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) في ذلك من الإنكار ما وقع (4).
________________
1. صحيح البخاري كتاب فضائل الصحابة ، باب ذكر أصهار النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) رقم 3729 وأطراف الحديث كتاب الخمس رقم 3110 ، كتاب النكاح رقم 5230 ، وكتاب الطلاق رقم 5278.
2. مريم : 90.
3. صحيح البخاري كتاب الأدب باب ، يبُلُّ الرحِمَ ببلالها ، رقم 5990 ، مسلم كتاب الإيمان 1 : 197 رقم 215 ، وقد وقع الخلاف فى بيان هذه الرواية ، وتعددت النسخ فيها أيضاً ، تعرض ابن حجر في شرحه على البخاري على هذه الأقوال فنذكر جملة من كلماتهم حتى يتبيّن كيف تبتلى السنة بالمعاريض ، وتتلاعب بها أئمة الحديث في هذا الشأن :
أولاً : أن الرواية على ما في أكثر النسخ الموجودة هكذا :
أن عمرو بن العاص قال : سمعت النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) جهاراً غير سرٍّ يقول : « ان آل أبي فلان » قال عمرو : في كتاب محمد بن جعفر : « بياض ليسوا بأوليائي ، إنّما وليِّي الله وصالح المؤمنين ».
وليست في نسخة ابن حجر والحميدي لفظة « فلان » قال ابن حجر : قال أبوبكر ابن العربي في سراج المريدين : كان في أصل حديث عمرو بن العاص : ان آل أبي طالب ، فغير آل أبي فلان ، كذا جزم به وتعقبه بعض الناس.
وقال أيضاً : وقد استشكل بعض الناس صحة هذا الحديث لما نسب إلى بعض رواته من النصب وهو الانحراف عن علي وآل بيته ، ومما يضحك الثكلى قولهم : « آل أبي بياض » مع أنه لا يعرف في العرب قبيلة يقال لها : آل أبي بياض.
وقال النووي : هذه الكناية من بعض الرواة خشي أن يصرح بالاسم فيترتب عليه مفسدة ، اما في حق نفسه أو في حقّ غيره ، وإمّا معاً.
وقال عياض : ان المكنى عنه هنا هو الحكم بن أبي العاص ، وقال ابن دقيق العيد : كذا وقع مبهماً في السياق.
وحمله بعضهم على بني أمية ، ولا يستقيم مع قوله : آل أبي ، فلو كان آل بني لأمكن ، ولا يصح تقدير آل أبي العاص لأنهم أخص من بني أمية والعام لا يفسر الخاص... الخ فتح الباري 10 : 344 ـ 346.
4. فتح الباري كتاب النكاح باب ، ذب الرجل عن ابنته ... 9 : 268.