طباعة

قوة موقف الإمام الحسن (عليه السلام)

هذا.. وإن النص المتقدم آنفاً، ليدل دلالة واضحة على قوة لا يستهان بها في موقف الإمام الحسن عليه الصلاة والسلام.
وقد تقدم قول ابن العاص لمعاوية عن الإمام الحسن (ع): «خفقت النعال خلفه، وأمر فأطيع، وقال فصدق، وهذان يرفعان إلى ما هو أعظم، فلو بعثت إليه، فقصرنا به وبأبيه، وسببناه وأباه، وصغرنا بقدره وقدر أبيه الخ..».
وقال سفيان بن أبي ليلى للإمام الحسن (عليه السلام) في ضمن كلام له: «.. فقد جمع الله عليك أمر الناس..» (1).
وروى أبو جعفر قال: قال ابن عباس: «أول ذل دخل على العرب موت الحسن (عليه السلام)» (2).
وقال أبو الفرج: «قيل لأبي إسحاق السبيعي: متى ذل الناس؟ فقال: حين مات الحسن، وادعي زياد، وقتل حجر بن عدي» (3).
وقد اعترف معاوية نفسه: بأن الحسن (عليه السلام) ليس ممن يُرمي به الرجوان (4).. أي ليس ممن يستهان به، والنصوص التي تدخل هذا المجال كثيرة، لا مجال لتتبعها فعلاً.
ولعل ما تقدم من نصرة الإمام الحسن (عليه السلام) لعثمان، بالإضافة إلى أنه لم يكن قد ساهم في قتل مشركي قريش وغيرها على عهد الرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله)، بسبب صغر سنه آنئذٍ. ثم ما سمعته الأمة ورأته من أقوال ومواقف النبي الأكرم (صلى الله عليه وآله) تجاهه (عليه السلام).. ثم علم الجميع بنزول العديد من الآيات القرآنية، التي تعرب عن فضله، وتشيد بكريم خصاله، وتؤكد على ما يؤهله الله له من دورٍ قيادي في مستقبل الأمة..
ـ إن كل ذلك وسواه ـ قد جعل موقفه (عليه السلام) في قبال معاوية والأمويين، أكثر قوة، وأعظم أثراً، حيث لم يكن ثمة شبهات يستطيع خصومه التشبث بها لتضعيف مركزه، وزعزعة سلطانه، كما أنه لم يواجه ما يشبه قضية التحكيم، التي فُرِضَت على أمير المؤمنين (عليه السلام) من قبل..
نعم.. هو ابن لذلك الذي وَتَرَ قريشاً، وقتل صناديدها، الذين أرادوا أن يطفئوا نور الله سبحانه، بكل ما يملكون من حيلة ووسيلة.
ولعل مدى ضعف حجة معاوية في مقابل الإمام الحسن (عليه السلام)، يتجلى أكثر، بالمراجعة إلى أقوال معاوية نفسه، وذلك حينما لا يجد حجة يحتج بها لتصديه لهذا الأمر، سوى أنه أطول من الإمام الحسن (عليه السلام) ولاية، وأقدم تجربة، وأكثر سياسة، وأكبر سناً (5).
قال بعض الباحثين: «وهكذا.. صارت مقاييس الخلافة كمقاييس الأزياء، أو الكمال الجسماني: أطول، وأكبر، وأقدم، وأكثر» (6).
إلا أن جيش الإمام الحسن (عليه السلام)، وكذلك الظروف الخاصة التي مرت بها الأمة، والعراق خاصة، والنواحي العقيدية والاجتماعية، وغير ذلك ـ كل ذلك وسواه ـ هو الذي أضعف من موقف الإمام الحسن (عليه السلام)، وقوى من شوكة معاوي، وإن كان العامل الزمني قد كان ـ على ما يبدو ـ لصالح الإمام الحسن (عليه السلام) على المدى الطويل. ولا سيما بعد وجود بعض التحول في المجتمع العراقي تجاه أهل البيت، بعد جهود أمير المؤمنين (عليه السلام) في هذا المجال..
وقد شرحنا بعض ما يرتبط المجتمع العراقي في بحث لنا آخر حول الخوارج، وفيما تقدم بعض ما يمكن أن يفيد في ذلك. وليس هذا موضع بحثنا الآن، لأنه يرتبط بظروف صلح الإمام الحسن (عليه السلام) مع معاوية.. كما هو معلوم..
____________
(1) شرح النهج للمعتزلي ج 16 ص 44.
(2) شرح النهج للمعتزلي ج 16 ص 10.
(3) مقاتل الطالبيين ص 76 وشرح النهج للمعتزلي ج 16 ص 51.
(4) شرح النهج للمعتزلي ج 16 ص 19 و 195.
(5) مقاتل الطالبيين ص 58 وشرح النهج للمعتزلي ج 16 ص 36، وحياة الحسن بن علي، للقرشي ج 2 ص 33 و 35.
(6) حياة الإمام الحسن بن (عليه السلام)، لآل يس ص 85.