• +98 25 3770 33 30
  • عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

واجباتنا في المجال الأمني

 

واجباتنا في المجال الأمني

 

واجباتنا في المجال الأمني

1- الجهاد

أهمية دور الجهاد في عصر الغيبة

2- التقية

أهمية التقية في عصر الغيبة

هل التقية تنافي الجهاد

التقية بين المؤيد و المعارض

كيفية التعايش مع الآخرين

التعايش مع المذاهب الآخرى

ضرورة الدفاع عن المجتمع الإسلامي ووحدته

 

واجباتنا في المجال الأمني

وفي مجال أمن المجتمع الشيعي والمحافظة عليه توجد عدّة آليات وإجراءات أمنية، تكون كفيلة بحفظ الأمن للمجتمع الشيعي واستمراره. وفي هذا المجال نتعرّض ـ اجمالاً ـ لأهمّ الإجراءات التي وضعتها الشريعة الإسلامية والتي ركّز عليها أهل البيت(عليهم السلام)، التي لها دور كبير في حفظ المجتمع الشيعي لا سيما في عصر الغيبة، منـها:

 

1 ـ الجهاد:

الجهاد في سبيل الله تعالى من أهم الواجبات والعبادات، حيث تحدّث عنها القرآن الكريم في مواضع متعدّدة:

قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى تِجَارَة تُنْجِيكُمْ مِنْ عَذَاب أَلِيم * تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُجَاهِدُونَ فِى سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ )([1])، وقوله: (وَفَضَّلَ اللَّهُ الْمُجَاهِدِينَ عَلَى الْقَاعِدِينَ أَجْراً عَظِيماً * دَرَجَات مِنْهُ وَمَغْفِرَةً وَرَحْمَةً وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيماً )([2]). وغيرها من الآيات الاُخرى([3]).

وعن أمير المؤمنين(عليه السلام) قال: «أمّا بعد، فإنّ الجهاد باب من أبواب الجنة، فتحه الله لخاصّة أوليائه ـ إلى أن قال ـ : هو لباس التقوى، ودرع الله الحصينة، وجنته الوثيقة، فمن تركه ألبسه الله ثوب الذلّ وشمله البلاء...»([4]).

وفي رواية اُخرى عن منصور بن حازم قال: ـ قلت لأبي عبدالله(عليه السلام) ـ أي الأعمال أفضل؟ قال: «الصلاة لوقتها، وبر الوالدين، والجهاد في سبيل الله»([5]). إلى غيرها من الروايات المتظافرة الواردة في فضل الجهاد والحثّ عليه.

والجهاد له مفهوم واسع في القرآن الكريم، حيث إنّه مأخوذ من الجُهد وهو الوسع والطاعة، فيكون الجهاد هو بذل الوسع والطاقة في سبيل نشر الإسلام والدفاع عنه، فإنّ كلّ ما يتحمّله الإنسان من عناء وتعب وينويه خالصاً في سبيل الله يكون جهاداً، سواء كان ذلك نفسياً أو بدنياً، أو في التبليغ للإسلام، أو بذل المال، وطلب العلم أو الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ونحوها، فضلاً عن  بذل النفس والقتال في سبيل  الله.

إلاّ أنّ الجهاد في الاصطلاح الفقهي يطلق على خصوص القتال في سبيل الله، من خلال استخدام السلاح والتعرّض إلى القتل، وله أحكام خاصة عرضها لها الفقهاء في كتبهم الفقهية، لا يسعنا التعرّض لذكرها في المقام.

إلاّ أنّ ما نتوخّاه في المقام هو الإشارة إلى أنّ هذه الوظيفة الربّانية المهمة لها الأثر والدور الكبير في حفظ المجتمع الشيعي في عصر الغيبة; لأنّ من موارد الجهاد المهمة ـ كما ذكرها الفقهاء رضوان الله عليهم ـ هي الدفاع عن الدين وبيضة الإسلام حال تعرضهما للخطر، سواء من قبل الكفّار، أو المرتدّين من أبناء الإسلام.

وهذا المورد من الجهاد حقّ من الحقوق الإنسانية، كما قاله العلاّمة الطباطبائي في تفسيره «الميزان» في مقام حفظ الدين: (فإقامته ـ أي الدين ـ والتحفّظ عليه من أهم الحقوق الإنسانية المشروعة، كما قال تعالى: (شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحاً وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلاَ تَتَفَرَّقُوا فِيهِ )([6]). وقال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ )([7])، فسمّى الجهاد والقتال الذي يُدعى إليه المؤمنون مُحيياً لهم... سواء كان الدفاع عن المسلمين، أو عن بيضة الإسلام، أو كان قتالاً ابتدائياً، كلّ ذلك هو في الحقيقة دفاع عن حق الإنسانية في حياتها)([8]).

 

أهمية دور الجهاد في عصر الغيبة:

لا شكّ أن للجهاد والدفاع عن الإسلام والمسلمين لا سيما في عصر الغيبة دوراً وأثراً كبيراً في حياة الفرد والمجتمع، ولعلّ أهم آثار الجهاد في هذا العصر هي:

1 ـ من خلال الجهاد والدفاع عن بيضة الإسلام يتمكن المجتمع من المحافظة على هذه الأمانة المتمثّلة بالدين الإسلامي; لأجل إيصالها للأجيال اللاحقة، وبذلك يمكن حفظ المجتمع من الانحدار في هاوية الضلالة.

2 ـ يساهم الجهاد في إخراج الصفات الكامنة في نفوس الناس وإخراجها من  القوة  إلى الفعل، فيتميّز المخلص من غيره، ومن ثم يزداد المخلص إخلاصاً لدينه وإمامه، ومن خلال ذلك يتوفّر العدد الكافي من المخلصين للنهوض بأعباء ومسؤوليات اليوم الموعود، وهذا بدوره يشكِّل عاملاً مهمّاً من عوامل تعجيل ظهور  الإمام(عليه السلام).

3 ـ من خلال الجهاد يطّلع الفرد المؤمن على حجم الظلم والدمار الذي يعمّ العالم، وخصوصاً المسلمين وغيرهم، وبذلك يزداد المؤمن عقيدةً وإيماناً بأنّ الدين الإسلامي هو الاُسلوب الوحيد الذي يتكفّل بإقامة العدل بين الناس.

وهذا بدوره يسهم في زيادة اعتقاد الناس بضرورة قيام الدولة العالمية الإسلامية بقيادة الإمام صاحب الزمان(عليه السلام). وهو بنفسه أيضاً يمثّل كاشفاً حقيقياً عن فشل كلّ الاُطروحات التي تدّعي لنفسها القابلية لقيادة العالم وإصلاحه، وبالتالي يتولّد لدى جميع الناس في العالم من خلال افتضاح زيف مدّعياتهم القناعة التامة بفشل هذه الاُطروحات، وهذا سيكون عاملاً مهماً من عوامل الظهور، ففي الرواية، عن أبي عبدالله(عليه السلام) قال: «ما يكون هذا الأمر ـ يعني دولة المهدي(عليه السلام) ـ حتى لا يبقى صنف من الناس إلاّ وقد ولوا من الناس ـ يعني أقاموا الحكم فيهم ـ حتى لا يقول قائل: إنّا لو ولّينا لعدلنا، ثمّ يقوم القائم بالحق والعدل»([9]).

4 ـ باطّلاع المؤمن على الظلم المحدق في جميع أرجاء الأرض نتيجة قيامه بوظيفة الجهاد، تحصل له حالة من النفرة والكراهية للظلم، وبذلك تحصل له العبرة للابتعاد والتجنّب عن الظلم.

5 ـ يساهم الجهاد في بُعده التثقيفي على نشر الوعي والثقافة الإسلامية في أوساط المجتمع الإسلامي.

6 ـ إنّ المجاهد في سبيل الله تعالى، المدافع عن الإسلام في عصر الغيبة هو في الحقيقة يُعدّ من جند الإمام صاحب الأمر والزمان(عليه السلام); لأنّه يمهّد ويهيّئ السبيل لظهور إمامه(عليه السلام)، فضلاً عمّا يحصل عليه من الثواب الجزيل، بل عدّه كالذي يُقتل في فسطاط المهدي(عليه السلام)([10]).

 

2 ـ التقية:

وهي من الإجراءات الأمنية لحفظ المجتمع الشيعي في عصر الغيبة، والتي أكّد أهل البيت(عليهم السلام) على ضرورة الالتزام بها.

عن الإمام الرضا(عليه السلام) قال: «لا دين لمن لا ورع له، ولا  إيمان لمن لا تقية له، وإنّ أكرمكم عند الله أعملكم بالتقية»، قيل: يابن رسول الله، إلى متى؟ قال: «إلى قيام القائم، فمن ترك التقية قبل خروج قائمنا فليس منّا»([11]).

وعن معمّر بن خلاّد قال: سألت أبا الحسن(عليه السلام) عن القيام للولاة؟ فقال أبو جعفر(عليه السلام): «التقية ديني ودين آبائي، ولا إيمان لمن لا تقية له»([12]).

وعن أبي عبدالله(عليه السلام) أنه قال: «كان أبي يقول: وأي شيء أقرّ لعيني من التقية؟ إن التقية جنّة المؤمن»([13]).

وعن المفضّل قال: سألت الصادق(عليه السلام) عن قوله تعالى: (أَجْعَلْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ رَدْمًا )([14]) قال: «التقية، فما استطاعوا أن يظهروه، وما استطاعوا له نقباً»، قال: «إذا عملت بالتقية لم يقدروا لك على حيلة، وهو الحصن الحصين، وصار بينك وبين أعداء الله سدّ لا يستطيعون له نقباً»، قال: وسألته عن قوله: (فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ رَبِّي جَعَلَهُ دَكَّاءَ)([15])، قال: «رفع التقية عند الكشف، فأنتقم من أعداء الله»([16]).

وهذا يعني أنّ التقية عند ظهور الإمام صاحب الزمان(عليه السلام) ترفع.

إلى غير ذلك من الأخبار المتظافرة التي تصل إلى حد الاستفاضة إن لم تصل إلى حدّ التواتر.

وللتقية أبعاد وجوانب مختلفة، بعضها يرتبط بالأدلة عليها من القرآن والسنّة، وبعضها يرتبط بالأحكام والتكاليف الشرعية المتعلّقة بالتقية; من الوجوب والحرمة والاستحباب وآثارها الوضعية، وبعضها يرتبط بالجانب الأمني منها، ولا نريد الخوض في هذه الأبحاث حيث ذكرت في محلها.

إلاّ أن الشيء الذي نتوخّاه في هذا المقام هو الإشارة إلى أهمية ودور التقية في حفظ المجتمع الشيعي في عصر الغيبة، باعتبارها واحدةً من أهم الاُمور التّي ركّز عليها أهل البيت في هذا العصر، المعبّر عنه بالروايات بعصر الهدنة.

ففي رواية، عن مسعدة بن صدقة، عن أبي عبدالله(عليه السلام) قال: سمعته يقول وسئل عن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، واجب على الاُمة جميعاً؟ فقال: «لا»، فقيل له: ولِمَ؟ قال: «إنّما هو على القويّ المطاع، العالم بالمعروف من المنكر...» ـ إلى أن قال ـ : «وليس على مَن يعلم ذلك في الهدنة من حرج إذا كان لا قوة له ولا عدد ولا طاعة»([17]).

وعنه(عليه السلام) قال: «لا والله، ما على وجه الأرض شيء أحبّ إليّ من التقية...» إلى أن قال: «إنّ الناس إنّما هم في هدنة»([18]).

أهمية التقية في عصر الغيبة:

تتمتّع التقية بأهمية كبيرة على الفرد والمجتمع، لا سيما في عصر الغيبة، ذلك العصر الذي تضاعف فيه الظلم من قبل أعداء أهل البيت(عليهم السلام)على شيعة أهل البيت(عليهم السلام) وأتباعهم، وهذا مما لا يخفى. ويمكن الإشارة لأهمية التقية في هذا العصر من خلال النقاط التالية:

1 ـ من خلال التقية يتمكن المؤمنون من حماية الإسلام من أخطار الخارج، فالتقية ليست وسيلة تخريبية للإسلام، وليست هي حالة استسلام وكسل واسترخاء، وإنّما هي وسيلة لحفظ الدين، ولذا ورد عن الإمام(عليه السلام): «إنّ التقية ديني وديني آبائي»([19]) و «مَن لا تقيةَ له لا إيمانَ له»([20])، وهذا يعني أنّ الدين يحفظ من خلال التقية، ومَن لا تقية له لا يتمكن من حفظ دينه.

2 ـ حفظ نفوس المؤمنين من الأضرار التي لا يوجد مبرّر شرعيّ لتحمّلها، سواء كان الضرر هو القتل أو ما دونه.

وهذا بدوره يساهم في الحفاظ على جماعة المؤمنين، والحدّ من نقصان عددهم.

ففي الرواية: «التقية جنّة المؤمن»([21])، وكذا «التقية ترس الله بينه وبين خلقه»([22]) أو أنّها الحصن كما عُبِّر عنها في بعض الروايات([23]).

3 ـ التقية وسيلة لتحويل التحرك والعمل من دائرة الضوء إلى دائرة غائمة لا  توحي بشيء من التحرك في الداخل.. وعلى هذا الأساس استطاع الأئمة(عليهم السلام) أن يسندوا الثورات في عصرهم من دون أن يتمكن الأعداء من الاطّلاع عليهم، وإلاّ ـ أي بدون العمل بالتقية ـ لتمكّن الأعداء من استئصال المؤمنين والحيلولة دون قيامهم بالتحرّك الثوري.

4 ـ من خلال التقية يتمكن المؤمنون من القيام بمسؤولياتهم، من قبيل حفظ سلامة الكيان الإسلامي والاُمّة الإسلامية، والتأثير في نفوس الناس من خلال القدوة الحسنة بينهم والقيام بالمواقف الشجاعة، ومن الواضح أنّه لا يتمكن المؤمنون من القيام بهذه المسؤوليات إلاّ من خلال التعايش مع المسلمين، كما سنشير بعد ذلك إن شاء الله.

5 ـ نفس العمل بالتقية يمثل إطاعةً وامتثالاً للتكليف الإلهي، وهو موجب للثواب الجزيل من الله تعالى.

فقد ورد في الخبر أنّ رجلاً سأل الإمام أبا عبدالله (عليه السلام) قال: «أيّما أفضل نحن أم أصحاب القائم(عليه السلام)؟ قال: فقال لي: «أنتم أفضل من أصحاب القائم، وذلك أنّكم تُمسون وتُصبحون خائفين على إمامكم وعلى أنفسكم من أئمة الجور، إن صلّيتم فصلاتكم في تقية، وإن صمتم فصيامكم في تقية، وإن حججتم فحجُّكم في تقية، وإن شهدتم لم تقبل شهادتكم، وعدّد أشياءً من نحو هذا، فقلت: فما نتمنّى القائم(عليه السلام) إذا كان على هذا؟ قال: فقال لي: «سبحان الله، أما تحبّ أن يظهر العدل ويَأمن السبل ويُنصف المظلوم؟!»([24]).

هل التقية تنافي الجهاد:

إنّ التقية في عصر الغيبة لا تنافي الجهاد; لأنّ لكلٍّ منهما شروطهما الخاصة ومواردهما الخاصة، إذا تحققت شروط الجهاد وجب كما هو الحال في الدفاع عن بيضة الإسلام، ففي مثل هذه الحالة لا تقية.

وهكذا الحال في التقية إذا تحقت شرائطها وجبت، وهذا تابع لطبيعة الظروف والمرحلة التي يمرّ بها المؤمنون، وإلى نوعية المورد.

التقية بين المؤيد والمعارض

إنّ الجانب التطبيقي للتقية قد تختلف فيه الاجتهادات تبعاً لاختلاف النظرة إلى المصلحة الإسلامية، وهذا الأمر تابع لتشخيص الظروف والمرحلة التي يمرّ بها المؤمنون، وهو يعود إلى تشخيص الفقهاء في عصر الغيبة، حيث نجد أنّ فقيهاً لا يرى للتقية في مرحلة معينة دوراً، بل لابدّ من التحدّي والمواجهة، بينما نجد فقيهاً آخر يرى أنّ التقية في تلك المرحلة واجبة وضرورة، وهذا الأمر تابع لنوعية الأدلة والمستندات التي يرتكزون عليها في استنباط الحكم الشرعي وتشخيص الواقع.

والأمر الذي نتوخّى الإشارة إليه هو: أنّ هذا الاختلاف لا يعني الاختلاف في المبدأ، وإنّما هو اختلاف بالتفاصيل التي تحدّدها طبيعة الظروف في تلك المرحلة.

وهذا الأمر ـ اختلاف الظروف في كلّ مرحلة ـ نجده واضحاً في حياة الأئمة(عليهم السلام)، فقد نجد في مرحلة معينة أنّ التقية واجب وضرورة لحفظ الدين والمؤمنين، كما هو الحال الفترة التي عاش فيها الإمام الحسن(عليه السلام) في مدة إمامته، بينما نجد الإمام الحسين(عليه السلام) لم يعمل بالتقية; لتشخيصه أنّ تلك المرحلة ليست مرحلة تقية.

وهنالك تفاصيل اُخرى من قبيل حدود التقية وشرائطها عرضها الفقهاء ـ  رضوان الله عليهم  ـ في كتبهم الفقهية، لا يسع المجال لبحثها والتطرّق إليها.

كيفية التعايش مع الآخرين:

من خلال التأمّل في بيانات وتوجيهات أهل البيت(عليهم السلام) نجد انهم قد رسموا لشيعتهم وأتباعهم الخطوط العامة في كيفية التحرك والمعايشة مع باقي المذاهب والأديان الاُخرى.

ومّما لا ريب فيه أنّ الغرض الذي يستهدفه أهل البيت(عليهم السلام) من هذه السياسات هو دعم حالة الأمن لشيعتهم وأتباعهم، وإمكانية تحرّكهم في داخل المجتمع الإسلامي، ممّا يساهم في زيادة التأثير في نفوس الآخرين.

التعايش مع المذاهب الاُخرى:

لعلّ أهم ما نستوحيه من إرشادات وتوصيات أهل البيت(عليهم السلام) لشيعتهم في مجال التعايش مع بقية مذاهب المسلمين يمثّل بعداً مهمّاً من أبعاد التقية، حيث نلاحظ تركيزهم(عليهم السلام) على ضرورة بناء علاقات قوية صحيحة مع معتنقي المذاهب الاُخرى، وهذا ما نلمسه من خلال ما يلي:

1 ـ الطلب من شيعتهم الصلاة في مساجدهم والمشاركة معهم في مناسباتهم ومراسيمهم التي أولاها الإسلام عناية خاصة كصلاة الجمعة.

فإنّه على الرغم من عدم توفّر الشرائط في إمام الجماعة كالعدالة ـ لأنّ أكثر أئمة الصلاة هم من ولاة الجور ـ لكن مع ذلك نجد الحثّ الشديد من أهل البيت(عليهم السلام) على الحضور والمشاركة.

عن عبدالله بن مناف قال: سمعت أبا عبدالله(عليه السلام) يقول: «اُوصيكم بتقوى الله عزّوجلّ، ولا تحملوا الناس على أكتافكم فتذلّوا، إن الله تبارك وتعالى يقول في كتابه: (وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْناً )([25])، ثم قال: «عُودوا مرضاهم، واشهدوا جنائزهم، واشهدوا لهم، وصلّوا معهم في مساجدهم..»([26]).

وعن الحلبي، عن أبي عبدالله(عليه السلام) قال: «مَن صلّى معهم في الصفّ الأول كان كمن صلّى خلف رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)»([27]).

2 ـ التركيز والاهتمام على ضرورة تجسيد القدوة الصالحة في المجتمع الإسلامي بحيث يكون محوراً وعنصراً مهماً، من: الاعتماد والثقة به، وردّ الأمانة، والوفاء بالعهد، وحلّ المشكلات...

فقد ورد عن الإمام الصادق(عليه السلام) أنّه قال: «... واللهِ لحدّثني أبي(عليه السلام) أنّ الرجل كان يكون في القبيلة من شيعة علي(عليه السلام) فيكون زينها، آداهم للأمانة، وأقضاهم للحقوق، وأصدقهم للحديث، إليه وصاياهم وودائعهم، تسأل العشيرة عنه فتقول: مَن فلان، إنّه آدانا للأمانة، وأصدقنا للحديث»([28]).

3 ـ توصية شيعتهم على ضرورة الالتزام بالعلاقات الاجتماعية العامة، من قبيل: صلة الرحم، وحضور مراسيم الزواج، أو عيادة المرضى، أو حضور الجنائز...

فعن معاوية بن وهب قال: قلت له ]للإمام الصادق(عليه السلام)[: كيف ينبغي لنا أن نصنع فيما بيننا وبين قومنا وبين خلطائنا من الناس ممّن ليسوا على أمرنا؟ فقال: «تنظرون إلى أئمتكم الذين تقتدون بهم، فتصنعون ما يصنعون، فوالله إنّهم يعودون مرضاهم، ويشهدون ويقيمون الشهادة لهم وعليهم، ويؤدّون الأمانة إليهم»([29]).

وعن أبي عبدالله(عليه السلام) في وصيّته لكثير بن علقمة قال: «كونوا لنا زيناً ولا تكونوا علينا شيناً، حَبِّبونا إلى الناس ولا تبغّضونا إليهم، فجّروا إلينا كلّ مودّة وادفعوا عنّا كلّ شرّ...»([30]).

 

ضرورة الدفاع عن المجتمع الإسلامي ووحدته:

لعل من خلال التأمل في حركة أهل البيت(عليهم السلام) وكيفية تعاملهم مع أصحاب المذاهب الاُخرى نستطيع أن نستوحي مسؤوليتنا تجاه المجتمع الإسلامي.

حيث نلاحظ أنّ الأئمة(عليهم السلام) على الرغم من إقصائهم عن الحكم كانوا يهتمون بحفظ الرسالة الإسلامية من الاندراس والضياع، فكانوا يتخذون التدابير والإجراءات اللازمة لذلك عندما يرون عجز الحكومة الظالمة عن العلاج.

وهذا ما نلمسه واضحاً في مواقف أمير المؤمنين(عليه السلام)، حيث نجد أنّه(عليه السلام)كان مشيراً ومعلّماً ومعاوناً وناقداً وناصحاً، ولا تأخذه في الله لومة لائم، وهكذا الأمر بالنسبة للإمام زين العابدين(عليه السلام) عندما حفظ للاُمة الإسلامية كرامتها وهيبتها، عندما أجاب على كتاب ملك الروم الذي عجزت عن جوابه الزعامة المنحرفة.

وكذا الأمر بالنسبة للإمام الباقر(عليه السلام) عندما أنقذ الاُمة الإسلامية من تحدّ سافر يهدّد سيادتها.. وهذا الأمر في غاية الوضوح لمن لديه أدنى اطّلاع في التاريخ.

كذلك نلمس هذا الأمر واضحاً من خلال توجيهات الأئمة(عليهم السلام)لشيعتهم وأتباعهم في مواجهة حركات الإلحاد والزندقة، وموجات التفسّخ الأخلاقي التي عمّت العالم الإسلامي آنذاك.

وفي ضوء ما سلف تتّضح مسؤوليتنا تجاه المجتمع الإسلامي من ضرورة الدفاع عنه والدعوة لوحدة المسلمين.

ولابدّ أن يتركّز خطابنا في الساحة الإسلامية على ضرورة الالتزام والتمسّك بتعاليم الإسلام، وعلى ضرورة المبادرة إلى الإحسان ونفع الناس والتحلّي بالإيجابية.

 

 

--------------------------------------------------------------------------------

[1] ـ الصفّ: 10 ـ 11 .

[2] ـ النساء: 95 ـ 96.

[3] ـ راجع سور: الحج: 78، البقرة: 216، النساء: 75، الحج: 39ـ40، البقرة: 190، 194، 214، التوبة: 21 ـ 22، 120 ـ 121 وغيرها.

[4] ـ الكافي: 5/4/6، عنه وسائل الشيعة: 15/14، أبواب جهاد العدو وما يناسبه، ب1، ح13.

[5] ـ المحاسن: 1/455/451، عنه وسائل الشيعة: 15/19، أبواب جهاد العدو وما يناسبه، ب1، ح28.

[6] ـ الشورى: 13 .

[7] ـ الأنفال: 24 .

[8] ـ الميزان في تفسير القرآن: 2/66 .

[9] ـ الغيبة للنعماني: 282/53.

[10] ـ الكافي: 1/372 ح6.

[11] ـ إكمال الدين: 371 ح5، عنه الوسائل: 16/211 ح26.

[12] ـ الكافي: 2/219/12، الوسائل: 16/204، أبواب الأمر والنهي، ب24، ح4.

[13] ـ الكافي: 2/220/14، المحاسن: 1/401 ح905، عنهما الوسائل : 16/204 ح5 .

[14] ـ الكهف: 95 .

[15] ـ الكهف: 98.

[16] ـ  تفسير العياشي: 2/377 ح86، عنه البرهان: 5/78 ح32 .

[17] ـ الكافي: 5/59/16، عنه وسائل الشيعة: 16/126، أبواب الأمر والنهي، ب2، ح1.

[18] ـ الكافي: 2/217/4، عنه وسائل الشيعة: 16/206، أبواب الأمر والنهي ب24، ح9.

[19] ـ الكافي: 2/219 ح12، عنه الوسائل: 16/204، ح4.

[20] ـ الكافي: 2/219 ذيل ح12، عنه الوسائل: 16/204 ذيل ح4.

[21] ـ الكافي: 2/220/14، عنه الوسائل: 16/204 /5، وص: 211 ح25.

[22] ـ الكافي: 2/220/19، عنه الوسائل: 16/207 /13.

[23] ـ الكافي: 2/221 ضمن ح23، عنه الوسائل: 16/205 /7.

[24] ـ الاختصاص: 20، عنه بحار الأنوار: 52/144/62 .

[25] ـ البقرة: 83.

[26] ـ المحاسن: 1/83/51، عنه وسائل الشيعة: 8/301، أبواب صلاة الجماعة، ب5، ح8.

[27] ـ الكافي: 3/380 ح6، عنه وسائل الشيعة: 8/300، أبواب صلاة الجماعة، ب5، ح4.

[28] ـ الكافي: 2/636/5، عنه وسائل الشيعة: 12/6، أبواب أحكام العشرة، ب2، ح2.

[29] ـ الكافي: 2/636/4، عنه وسائل الشيعة: 12/6، أبواب أحكام العشرة، ب1، ح3.

[30] ـ السرائر: 3/650 (المستطرفات، مستطرف كتاب العيون)، عنه وسائل الشيعة: 12/8، أبواب أحكام العشرة، ب1، ح8.


أضف تعليق

كود امني
تحديث

مؤسسة السبطين عليهما السلام

loading...
أخبار المؤسسة
إصدارات
حول المؤسسة
loading...
المرئيات
اللطميات
المحاضرات
الفقه
الصور

مشاهدة الكل

telegram ersali arinsta ar

۱ شوال

  ۱ـ عيد الفطر السعيد.۲ـ غزوة الكدر أو قرقرة الكدر.۳ـ وفاة عمرو بن العاص.۱ـ عيد الفطر السعيد:هو اليوم الاوّل م...

المزید...

۳شوال

قتل المتوكّل العبّاسي

المزید...

۴ شوال

۱- أميرالمؤمنين يتوجه إلى صفين. ۲- وصول مسلم إلى الكوفة.

المزید...

۸ شوال

هدم قبور أئمة‌ البقيع(عليهم سلام)

المزید...

۱۰ شوال

غزوة هوازن يوم حنين أو معركة حنين

المزید...

11 شوال

الطائف ترفض الرسالة الاسلامية في (11) شوال سنة (10) للبعثة النبوية أدرك رسول الله(ص) أن أذى قريش سيزداد، وأن ...

المزید...

۱۴ شوال

وفاة عبد الملك بن مروان

المزید...

۱۵ شوال

١ـ الصدام المباشر مع اليهود واجلاء بني قينقاع.٢ـ غزوة أو معركة اُحد. ٣ـ شهادة اسد الله ورسوله حمزة بن عبد المط...

المزید...

۱۷ شوال

۱- ردّ الشمس لأميرالمؤمنين علي (عليه السلام) ۲ـ غزوة الخندق ۳ـ وفاة أبو الصلت الهروي ...

المزید...

۲۵ شوال

شهادة الامام الصادق(عليه السلام)

المزید...

۲۷ شوال

مقتل المقتدر بالله العباسي    

المزید...
012345678910
سيرة العلماء
تطبيق اندرويد لكتاب العروة الوثقی والتعليقات عليها
مكتبة أنيس
ثبّت سؤالك هنا
العروة الوثقى
Sibtayn International Foundation
Tel: +98 25 37703330 Fax: +98 25 37706238 Email : sibtayn[at]sibtayn.com
© 2024 Sibtayn International Foundation. All Rights Reserved.

Hi! Click one of our representatives below to chat on WhatsApp or send us email to [email protected]

الإتصال بنا
Close and go back to page