• +98 25 3770 33 30
  • عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

واجباتنا في العصر الغيبة:واجباتنا في الجانب المعنوي

 واجباتنا في العصر الغيبة:واجباتنا في الجانب المعنوي

 

واجباتنا في الجانب المعنوي

1- المودّة و الولاء لأهل البيت عليهم السلام

آثار مودّتهم و ولائهم على الفرد و املجتمع في عصر الغيبة

2- التبرّي من أعداء أهل البيت عليهم السلام

دور و أثر التبرّي على الفرد و المجتمع في عصر الغيبة

3- الإخلاص

أهمّ آثار هذه الصفة في عصر الغيبة

4- التقوى

أهمية التقى و أثرها في حياة الفرد و المجتمع في عصر الغيبة

5- التسليم

6- الاقتداء بأهل البيت عليهم السلام

7- الصبر

دور الصبر في حياة الفرد و المجتمع في عصر الغيبة

 

واجباتنا في الجانب المعنوي

يعتبر الجانب المعنوي من أهم الجوانب المؤثّرة في شخصية وحركة الإنسان، ولعلّه يأتي بعد العقيدة من حيث الأهمية; لما يتركه من أثر بالغ في شخصية الإنسان، لأنّه يجعل من الإنسان قادراً على الاستمرار والإبداع، ذلك لأنّ سلوك الإنسان وحركته ـ اللذين يعتبران ثمرة إرادته وعزمه ـ يتأثر بشكل مباشر بهذا الجانب، بينما يمثل الجانب العقائدي الأساس الذي يرتكز عليه البعد المعنوي للإنسان.

ومن هنا نجد العلاقة الوثيقة المتناسبة والمتوازنة بين مشاعر الإنسان وأحاسيسه التي يضطلع بها الجانب المعنوي والأخلاقي وبين عقيدته، فكلّما كان الانسجام قائماً بين هذه المشاعر والأحاسيس من جهة وبين منطلقاته من جهة اُخرى، كان عزمه وصموده أقوى وأشدّ، ومن ثمّ كان اندفاعه ونشاطه أقوى.

ومن هذا المنطلق يمكن معرفة السبب فيما نجده من الحشد المتنوّع لروايات أهل البيت(عليهم السلام) في توجيه شيعتهم وأتباعهم في هذا الاتجاه، خصوصاً في عصر الغيبة، حيث يمثّل منهجاً من مناهج حركة الإنسان لكي يعيش في ممارسة حية، تتحرك فيها المعاناة والآلام في داخله حتى تجعله يعبد الله في جراحه التي تنزف، وفي أوجاعه التي تتلوّى، مواصلا حركته نحو تحقيق هدفه.

وفي هذا الضوء يمكن أن نلاحظ مجموعة من الوظائف والواجبات التي ترسم لنا الخطوط الرئيسية التي أكّد عليها أهل البيت(عليهم السلام) لبناء الجانب الروحي، لا سيّما في عصر الغيبة، منها:

 

1 ـ المودّة والولاء لأهل البيت(عليهم السلام):

لاشكّ أنّ وجوب مودّتهم وولايتهم(عليهم السلام)  ضرورة إسلامية وقد اتّفق عليه جميع المسلمين إلاّ الناصبي والمخالف لهم، وأكّدها القرآن الكريم في عدّة مواضع، منها ما جاء في آية المودّة: (قُلْ لاَ أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلاَّ الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى )([1])، وقد تواترت الروايات عن النبي(صلى الله عليه وآله وسلم) وأهل بيته(عليهم السلام)على أنّ حبّهم علامة الإيمان، وأنّ بغضهم علامة النفاق، وجاءت الصلاة عليهم (اللهمّ صَلِّ على محمّد وآل محمّد) جزءاً من الصلاة، كما أمر بذلك القرآن الكريم في قوله تعالى (إِنَّ اللَّهَ وَمَلاَئِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً )([2])، فضلا عمّا ورد من أنّ حبهم وولايتهم شرط في قبول الأعمال.

فعن زرارة، عن أبي جعفر(عليه السلام) قال: «بُني الإسلام على خمسة أشياء: على الصلاة والزكاة والحج والصوم والولاية»، قال زرارة: فقلت: وأي شيء من ذلك أفضل؟ فقال: «الولاية أفضل; لأنّها مفتاحهنّ، والوالي هو الدليل عليهنّ...»([3]).

وعن رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) قال: «الإسلام عريان، فلباسه الحياء، وزينته الوفاء، ومروّته العمل الصالح، وعماده الورع، ولكل شيء أساس وأساس الإسلام حُبّنا أهل البيت»([4]).

وهنالك الكثير من النصوص الواردة عن النبي(صلى الله عليه وآله وسلم) وعن أهل البيت(عليهم السلام) تحثّ على حبّ أهل البيت(عليهم السلام); باعتباره هدفاً أساسياً ووسيلة من وسائل القرب الإلهي.

وكان أثر حب أهل البيت(عليهم السلام) واضحاً في نفوس المسلمين، وتكشف عن ذلك هذه الأبيات الشعرية عن الشافعي:

يا آلَ بيتِ رسولِ اللهِ حُبّكُمُ***فرضٌ من اللهِ في القرآنِ أنزلهُ

كفاكُمُ من عظيمِ الشأنِ أنّـكُمُ***مَنْ لم يُصلِّ عليكم لا صلاةَ له

وقوله أيضاً:

إن كان رفضاً حُبُّ آلِ محمد***فليَشهَدِ الثقلانِ أنّي رافضي

وعن جابر الأنصاري قال: وفد على رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) أهل اليمن، فقال النبي(صلى الله عليه وآله وسلم): «جاءكم أهلُ اليمن يبسّون بسّاً، فلمّا دخلوا على رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)قال(صلى الله عليه وآله وسلم): قومٌ رقيقةٌ قلوبهم، راسخ إيمانهم، منهم المنصور يخرج في سبعين ألفاً، ينصر خَلَفي وخَلَف وصيّي، حمايل سيوفهم المسك». فقالوا: يارسول الله، ومَن وصيّك؟ فقال: «هو الذي أمركم الله بالاعتصام به، فقال عزّ وجلّ: (وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللّهِ جَمِيعاً وَلاَ تَفَرَّقُوا )([5])»، فقالوا: يارسول الله، بيّن لنا ما هذا الحبل؟ فقال: «هو قوله: (إِلاَّ بِحَبْل مِنَ اللّهِ وَحَبْل مِنَ النَّاسِ )([6])، فالحبل من الله: كتابه، والحبل من الناس: وصيّي»، فقالوا: يارسول الله، ومَن وصيّك؟ فقال: هو الذي أنزل الله فيه: (أَن تَقُولَ نَفْسٌ يَاحَسْرَتَى عَلَى مَا فَرَّطتُ فِي جَنبِ اللَّهِ )([7])»، فقالوا يارسول الله، وما جنب الله هذا؟ فقال: «هو الذي يقول الله فيه: (يَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ يَقُولُ يَالَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلاً )([8]) هو وصيّي السبيل إليّ من بعدي»، فقالوا يارسول الله، بالذي بعثك بالحق نبياً أرِناه فقد اشتقنا إليه، فقال: هو الذي جعله الله آيةً للمتوسّمين، فإن نظرتم إليه نظر مَن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد، عرفتم أنّه وصيّي كما عرفتم أنّي نبيّكم، فتخلّلوا الصفوف، وتصفّحوا الوجوه، فمن أهوت إليه قلوبكم فإنّه هو، إنّ الله عزّوجل يقول في كتابه (فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ )([9])» .

فقام ستّة من الحاضرين فتخلّلوا الصفوف وتصفّحوا الوجوه، وأخذوا بيد الأصلع البَطين، وقالوا: إلى هذا أهوت أفئدتنا يارسول الله، فقال النبي(صلى الله عليه وآله وسلم): «أنتم نخبة الله حين عرفتم وصي رسول الله قبل أن تعرفوه، فبمَ عرفتم أنّه هو؟»، فرفعوا أصواتهم يبكون، وقالوا: يارسول الله، نظرنا إلى القوم فلم نبخس لهم، ولمّا رأيناه رخت قلوبنا، ثمّ اطمأنّت نفوسنا، فانجاست أكبادنا، وهملت أعيننا، وتبلّجت صدورنا حتى كأنّه أبٌ لنا ونحن له بنون، فقال(صلى الله عليه وآله وسلم): «(وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ اللّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ )([10])، أنتم منه بالمنزلة التي سبقت لكم بها الحسنى، وأنتم عن النار مبعدون...»([11]).

 

آثار مودّتهم وولائهم على الفرد والمجتمع في عصر الغيبة:

لا يخفى أنّ لمودة أهل البيت(عليهم السلام) آثاراً معنوية كبيرة فضلا عن الآثار السياسية والثقافية، لا سيّما في عصر الغيبة الذي يتأكّد فيه الابتلاء والتمحيص، ومن جملة هذه الآثار هي:

1 ـ إنّ مودّتهم(عليهم السلام) طريق للرضا الإلهي، الذي يصعّد درجة إخلاص الفرد المؤمن، ممّا يجعله مؤهّلا للمشاركة في يوم الظهور، فعن أبي عبدالله(عليه السلام) قال: قال أمير المؤمنين(عليه السلام): «ذكرنا أهل البيت شِفاء من الوعك والأسقام، ووسواس الريب، وحبّنا رضا الربّ تبارك وتعالى»([12]).

2 ـ إنّ لحبّ أهل البيت(عليهم السلام) ومودّتهم أثراً كبيراً في رفع معنوية الفرد المسلم، فمن هذا الحبّ يستمدّ المؤمن وقود حركته وزخم اندفاعها في السير نحو الهدف المرسوم، ممّا يجعله قادراً على الصمود أمام الضغوط والتحدّيات التي يواجهها في هذا العصر.

3 ـ إنّ محبّة أهل البيت(عليهم السلام) ومودّتهم تساهم في توطيد الرابطة والعلاقة بين المؤمن وإمامه.

4 ـ وإنّ محبّة أهل البيت(عليهم السلام) لها دور كبير في الارتباط الروحي والمعنوي بهم والاقتداء بسيرتهم، والالتزام بأوامر الله ونواهيه، والورع عن محارم الله.

5 ـ إنّ حبّهم يفتح القلوب إلى الانفعال والتأثّر بتعاليم وثقافة أهل البيت(عليهم السلام); ولذا نجد أعداء أهل البيت(عليهم السلام) يحاولون إطفاء شعلة هذا الحبّ والولاء بطرح البدائل والولاءات الأُخرى من أجل إبعاد الاُمّة عن ولائها لأهل البيت(عليهم السلام).

إذن بالولاء لأهل البيت(عليهم السلام) يتمكن الفرد المسلم الخروج من التمحيص بنجاح، ويكون قادراً على الوقوف بوجه الأباطيل والتضليلات التي تثار في عصرنا هذا بوجوه مختلفة، فتارة تطرح باسم التعدّدية الدينية، واُخرى تطرح الإمامة على أنّها حالة مفروضة وإملاء، لتجريدها عن حالة الحب والعشق لأهل البيت(عليهم السلام)، وثالثةً تحاول أن تختزل دور الإمام في الحاكمية فقط وتجريده عن دوره الوجودي... إلى غيرها من الشبهات التي تستهدفنا من أجل صرفنا عن معتقداتنا واُصولنا.

إذن فولاية أهل البيت(عليهم السلام) من الواجبات والوظائف المهمة في هذا العصر، فينبغي علينا ترسيخها وتجذيرها في نفوسنا.

ولا بأس بالإشارة إلى أنّ المراد بالمودّة ليس المحبة القلبية فقط، بل المحبة القلبية مع ما لها من الآثار التي تكشف عن تلك المحبة الكامنة في القلب، ونجد هذا المعنى في تفسير القمّي، حيث فسّر المحبة بتلك الآثار، حيث قال: «أجر النبوّة أن لا تُؤذوهم ولا تقطعوهم ولا تغصبوهم، وتَصِلوهم، ولا تنقضوا العهد فيهم...»([13]).

 

2 ـ التبرّي من أعداء أهل البيت (عليهم السلام):

وهو من ضروريات مذهبنا، وقد أكّد عليها أهل البيت(عليهم السلام) تأكيداً شديداً، مشدّدين على أنّ ولايتهم ومحبتهم لا يمكن أن تتحقق ما لم يرافقها تبرٍّ من أعدائهم، وهذه مسألة وجدانية; لأنّ الحب والبغض من الاُمور المتضادة كالحرارة والبرودة، فكلّما اقتربنا من أحدهما سوف نبتعد عن الآخر، وبالعكس.

فقد روي عن الإمام الصادق(عليه السلام) أنه قيل له: إنّ فلان يواليكم، إلاّ أن يضعف عن البراءة من أعدائكم؟ فقال(عليه السلام): «هيهات، كذب مَن ادّعى محبّتنا ولن يتبرّأ من عدوّنا»([14]).

وبصدد عصر الغيبة نجد كثافة من النصوص الروائية التي تشير وتؤكّد على أهميتها في هذا العصر، ففي بعض الروايات يكون الموالي لأهل البيت(عليهم السلام) المتبرّي من أعدائهم يجعله رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) من رفقائه وذوي مودّته ومن كرام خلق الله عليه، ففي الرواية عن أبي عبدالله(عليه السلام) قال: «قال رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم): طوبى لمن أدرك قائم أهل بيتي وهو مقتد به قبل قيامه، يتولّى وليّه، ويتبرّأ من عدوّه، ويتولّى الأئمة الهادية من قبله، أُولئك رفاقي وذوو وُدّي ومودّتي، وأكرام اُمّتي عليّ..»([15]).

وهكذا يزفّ الإمام الكاظم(عليه السلام) البُشرى للموالين لهم والمتبرّئين من أعدائهم، ما يقوله: «طوبى لشيعتنا المتمسّكين بحبّنا في غيبة قائمنا، الثابتين على موالاتنا والبراءة من أعدائنا، اُولئك منّا ونحن منهم، وقد رضوا بنا أئمةً ورضينا بهم شيعة، طوبى لهم ثمّ طوبى لهم! هم واللهِ معنا في درجتنا يوم القيامة»([16]).

إضافةً إلى وجود الكثير من هذا القبيل من الروايات في هذا المعنى.

 

دور وأثر التبرّي على الفرد والمجتمع في عصر الغيبة:

لقد شخّص أهل البيت(عليهم السلام) الداء، ووضعوا العلاج والدواء الناجح; لأنّهم الأطباء الذين أسندت إليهم السماء وضع العلاج المجدي لهذه الأمراض والمظالم التي تلفّنا من كلّ جانب في هذا العصر، ولذا جاء علاجهم(عليهم السلام) من أجل القضاء أو الحدّ من هذه الأمراض المتفشّية في مجتمعنا في هذا العصر، التي أخذت تتوغّل في أعماق الجسم الشيعي.

ومن أهم ما وصفه(عليه السلام) من علاج هو البراءة من الأعداء، ولعلّ سبب تركيز أهل البيت(عليهم السلام) على ضرورة التبريّ من أعدائهم هو:

1 ـ لأ نّه من خلال التبرّي من أعداء أهل البيت(عليهم السلام) سوف يتجسّد الولاء الحقيقي في نفس الفرد المؤمن، الأمر الذي يؤدّي الى الصمود والمقاومة والوقوف بوجه كلّ دعوة تحاول النيل من أهل البيت(عليهم السلام)، مهما كانت المغريات، ومهما اختلفت فنونها وأساليبها.

2 ـ تنطلق بعض الدعوات في هذا العصر، من أجل تهميش دور الإمام وحصره في الحاكميّة فقط، ومن هنا يأتي دور البراءة من أعداء أهل البيت(عليهم السلام) للوقوف بوجه هذه الدعوات، من خلال تجذير وترسيخ اعتقادنا بالإمام(عليه السلام) بحيث يكون ثقافة عامة لمجتمعنا.

3 ـ من خلال حثّ وتركيز أهل البيت(عليهم السلام) الاُمّة على ضرورة التبرّي من أعدائهم يتّضح لنا ماهو موقفنا من الظالمين: من معاداتهم، وحرمة التعاون معهم، ومقاومتهم بشتّى الوسائل.

4 ـ التولّي والتبرّي هو سرّ قدرتنا، وهو العنصر الذي يربط بين أفراد المجتمع الشيعي مع بعضهم، وإلاّ فحب أهل البيت(عليهم السلام) فقط يدّعيه حتى المخالفين، إلاّ أنّه على طريقتهم الخاصّة.

ولعلّ السبب الذي يقف وراء بعض الدعوات لتخفيف حالة التبرّي من أعداء أهل البيت: من داخل البيت الشيعي هوالخلط بين الخطاب الخارجي ـ أي مع بقية المذاهب الاُخرى ـ وبين الخطاب الداخلي، أي مع نفس أبناء المجتمع الشيعي ، أو يرجع سببها إلى تأثّر البعض بالثقافة المسيحية التي تركّز على الحب والتعاطف دون العكس، أو يرجع السبب لحالة الاستضعاف لدى البعض، ومنها يتحوّل الى حالة سلبية.

لذا ينبغي الإهتمام بهذا الجانب.

 

3 ـ الإخلاص:

إنّ الإخلاص جوهر العبادة، ومناط قبول الأعمال عند الله تعالى، قال تعالى: (فَاعْبُدِ اللَّهَ مُخْلِصاً لَهُ الدِّينَ * أَلاَ لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ )([17])، وهو من أفضل العبادات كما ورد عن الإمام الجواد(عليه السلام) «أفضل العبادة الإخلاص»([18]).

ولا شكّ أنّ منبع الإخلاص هو الحبّ، فكلّما كان الحب شديداً كان الإخلاص شديداً. قال السيد الطباطبائي في الميزان: وأمّا محبة الله سبحانه فإنّها تطهّر القلب من التعلّق بغيره من زخارف الدنيا وزينتها من ولد أو زوج أو مال أو جاه، حتى النفس ومالها من حظوظ وآمال، وتقصر القلب في التعلّق به تعالى وبما ينسب إليه من دين أو نبيٍّ أو وليٍّ وسائر ما يرجع إليه تعالى بوجه، فإنّ حب الشيء حب لآثاره...([19]).

والإخلاص من شروط التوحيد الموجبه لدخول الجنّة، والإخلال بها يوجب الدخول في النار، فعن جابر بن عبدالله، عن النبي(صلى الله عليه وآله وسلم) أنّه قال: «الموجِبَتان: مَن مات يشهد أن لا إله إلاّ الله ]وحده لا شريك له[ دخل الجنّة، ومَن مات يشرك بالله دخل النار»([20]).

وفيما يكون قيداً أو شرطاً لكلمة التوحيد لكي يستوجب صاحبها الجنّة، هو ما روي عن رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) في قوله: «إنّ لا إله إلاّ الله كلمة عظيمة كريمة على الله عزّوجلّ، مَن قالها مخلصاً استوجب الجنّة، ومَن قالها كاذباً عصمت ماله ودمه، وكان مصيره إلى النار»([21]).

وهذا المعنى يلتقي مع ما جاء عن أمير المؤمنين(عليه السلام) «... وكمال التوحيد الإخلاص له وكمال الإخلاص له نفي الصفات عنه»([22]).

وعن الإمام الصادق(عليه السلام) قال: «من قال لا إله إلاّ الله مخلصاً دخل الجنة، وإخلاصه أن تحجزه لا إله إلاّ الله عمّا حرّم الله عزّوجل»([23]).

وعلى هذا الأساس تتّضح أهمية التحلّي بهذه الصفة في عصر الغيبة; لما تقدّم من أنّه عصر الابتلاء والتمحيص، فتعالَ معي إلى ما قاله إمامنا زين العابدين(عليه السلام)، حيث نجد أنّ صفة الإخلاص أعطاها لمن يتميّز بعدة امتيازات، حيث قال: «إنّ أهل زمان غيبته، والقائلين بإمامته، والمنتظرين لظهوره أفضل من أهل كلّ زمان; لأنّ الله تبارك وتعالى أعطاهم من العقول والأفهام والمعرفة ما صارت به الغيبة عندهم بمنزلة المشاهدة، وجعلهم في ذلك الزمان بمنزلة المجاهدين بين يدي رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) بالسيف! أُولئك المخلصون حقاً، وشيعتنا صدقاً، والدعاة إلى دين الله سرّاً وجهراً»([24]).

ومن هنا تنبثق ضرورة التحلّي بهذه الصفة في عصر الغيبة.

 

أهمّ آثار هذه الصفة في عصر الغيبة:

1 ـ إنّ وجود عدد من المخلصين يُعدّ شرطاً من شرائط الظهور، ومن هنا يتّضح دور صفة الإخلاص في عصر الغيبة، وهو إعداد وتهيئة شرط من شرائط الظهور.

2 ـ المخلص لا تؤثّر عليه المغريات والشهوات مهما كانت أشكالها وتعدّدت ألوانها.

3 ـ للمخلص تأثير كبير في المجتمع، باعتباره قدوةً يقتدي به الآخرون،وهذا بدوره يعتبر عنصراً مهماً في إصلاح المجتمع، وبالتالي يقرِّب من يوم الظهور.

4 ـ يساهم الإخلاص في الحدّ من حصول الاختلافات التي تُوقعها الفتن بين المؤمنين، كي يقوى المجتمع على مواجهة مثل هذه التحدّيات.

5 ـ استجابة دعاء المخلصين، وخصوصاً بتعجيل الفرج، وهذا بدوره يساهم في تعجيل الظهور.

6 ـ يورث الإخلاص المحبة بين المؤمنين، وهو عنصر مهم يرتكز عليه المجتمع، وهذا بدوره يصبّ في طريق تحقيق الهدف الإلهي وإقامة العدل في الأرض.

 

4 ـ التقوى:

لمّا كان المؤمن سائراً بحركته إلى الله تعالى، وسط غابة كثيفة من المآزق والمضائق والشدائد، فلكي يواصل الإنسان المؤمن حركته هذه عليه أن يستمدّ وقود حركته من قوة قاهرة; ليتمكّن من مجابهة هذه المشاقّ، وعلى هذا الضوء يتّضح دور التقوى في حياة الإنسان، ولذا نجد تأكيد القرآن والسُنّة الشريفة على لزوم الاتصاف بالتقوى، قال تعالى: (وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَد وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ  )([25])، ونلاحظ في ذيل الآية الكريمة: ( يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَر وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ )([26]). فقد نبّه سبحانه على أنّ الكرامة الحقيقية للمؤمن تحصل بالتقوى; لأنّ التقوى هي الحصن الحصين للإنسان من الوقوع في محارم الله تعالى.

فعن أمير المؤمنين(عليه السلام) قال: «عباد الله، إنّ تقوى الله حَمت أولياء الله محارمه، وألزمت قلوبهم مخافته، حتى أسهرت لياليهم...»([27]).

وعن أبي عبدالله(عليه السلام) قال: «إنّ لصاحب هذا الأمر غيبة، فليتّقِ الله عبد وليتمسّك بدينه»([28]).

 

أهمية التقوى وأثرها في حياة الفرد والمجتمع في عصر الغيبة :

إنّ آثار التقوى وإن كانت غير منحصرة في عصر الغيبة، إلاّ أنّ أهميتها تتجلّى بصورة واضحة في هذه الفترة; لما تتميّز بها من خصوصيات وتغيّرات مهمّة، ويمكن الإشارة لبعض هذه الآثار من خلال النقاط التالية:

1 ـ إنّ التقوى  تجعل حياة المتّقي، سهلةً يسيرةً، كما قال تعالى: (فَأَمَّا   مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى * وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى * فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى )([29])، وبذلك يكون المؤمن قادراً على مواجهة المصاعب والشدائد واستقبالها بوجه مشرق وبقلب مطمئن، قال تعالى: (أَلاَ بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ )([30]) باعتبار أنّ المتّقي لا يغفل عن ذكر الله تعالى.

2 ـ تساهم التقوى في إعداد الفرد والمجتمع وتجعلهم قادرين على تحمّل المسؤولية في يوم الظهور.

3 ـ يتمتّع الإنسان المتّقي بقدرة على التمييز بين الحقّ والباطل في المواقف الحرجة، وهذا ممّا لا تخفى أهمّيته، لاسيّما في ظلّ هذه الأوضاع المريرة، قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَتَّقُوا اللَّهَ يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقَانًا )([31]).

4 ـ إنّ الذي لا يتحلّى بهذه الصفة الكريمة سوف يجد صعوبة وعسراً في حياته، وبذلك يكون فريسةً سهلةً للدعوات الضالّة، قال تعالى:  (وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنَى * وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى * فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى )([32]).

 

5 ـ التسليم:

لمّا كان المطلوب منّا التحرك على خطّ الاستقامة السلوكية وهو خطّ أهل البيت(عليهم السلام)، فمن الواضح أنّ هذا الهدف لا يتأتّى إلاّ إذ كان قائماً على أساس التسليم لله تعالى، فعن أبي عبدالله(عليه السلام) في قول الله عزّوجلّ: (إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلاَئِكَةُ أَلاَّ تَخَافُوا وَلاَ تَحْزَنُوا )([33])قال: «هم الأئمة(عليهم السلام) تجري فيمن استقام من شيعتنا، وسلّم لأمرنا، وكتم حديثنا عند أعدائنا، وتستقبلهم الملائكة بالبُشرى من الله بالجنّة...»([34]).

إذن التسليم لأمر الله تعالى هو الشعور الحقيقي بأنّه تعالى عالم بالأمر، وأنّه لو أراد النصر لأمر وليّه بالظهور، فالتسليم هو منهاج ودستور الإنسان السائر إلى الله تعالى. ففي تفسير مواهب القرآن قال السيد السبزواري: «إنّ المنهاج السليم للإنسان هو التسليم لله تعالى والانقياد له عزّوجل، وإنّ دستوره في الحياة هو الطاعة لله تعالى، والعمل بما أنزله على أنبيائه المرسلين(عليهم السلام)، وفي غير ذلك بطلان الإنسانية والنيل من مقامها الرفيع، ولأجل ذلك تكون في الآخرة من الخاسرين»([35]).

وعلى هذا الأساس يتّضح دور التسليم في عصر الحيرة على حدّ تعبير الرواية.

 

أهمّية التسليم في عصر الغيبة :

بعدما نلاحظ شدّة وكثرة الجور والفساد والمظالم في هذا العالم تتضح أهمية التسليم في حياة الفرد والمجتمع في عصر الغيبة، ويمكن إجمال ذلك من خلال النقاط التالية:

1 ـ بالتسليم لله تعالى تحصل النجاة من الضلال والفتن; لأنّ المؤمن من خلال التسليم يكون راضياً بقضاء الله وقدره، فلا يستعجل أمر الله تعالى. ففي الرواية عن الإمام محمد الجواد(عليه السلام) أنّه قال: «... فينتظر خروجه المخلصون، وينكره المرتابون، ويستهزئ بذكره الجاحدون، ويكذّب بها الوقّاتون، ويهلك فيها المستعجلون، وينجو فيها المسلّمون»([36]).

2 ـ المؤمن المسلّم أمره لله تعالى لا تزحزحه المصاعب، ولا تثني عزمه البلايا مهما توالت وكثرت، وهذا بدوره يساهم في زيادة إخلاصه لله تعالى ولإمامه، وبذلك يكتسب الإرادة القوية والخبرة، ومن ثمّ يكون مُعدِّاً نفسه إعداداً روحياً وعملياً للقيام بتحمّل المسؤولية والمشاركة مع إمامه يوم الظهور.

3 ـ للفرد المؤمن المسلّم أمره لله تعالى دور مهمّ في إصلاح المجتمع.

4 ـ التسليم لله تعالى من جملة شرائط قبول الأعمال، فعن الإمام أبي عبدالله(عليه السلام) أنّه قال ذات يوم: «ألا اُخبركم بما لا يقبل الله عزّوجلّ من العباد عملا إلاّ به؟»، فقلت: بلى، فقال: «شهادة أن لا إله إلاّ الله، وأنّ محمداً عبده ورسوله، والإقرار بما أمر الله، والولاية لنا، والبراءة من أعدائنا يعني الأئمة خاصة والتسليم لهم، والورع والاجتهاد...»([37]).

إذن التسليم شرط أساسي في قبول الأعمال عند الله تعالى، وبهذا ينبغي علينا الاهتمام بهذا الأمر.

 

6 ـ الاقتداء بأهل البيت (عليهم السلام):

من الوظائف والواجبات الأساسية ـ خصوصاً في عصر الغيبة ـ هي الاقتداء بأهل البيت(عليهم السلام)، وهذا ما أكّدوه هم صلوات الله عليهم، ولعلّ السبب يرجع إلى أنّ الإنسان مطبوع على الارتباط بالأشياء من المواقع المحسوسة التي يعيشها في حياته العملية، لذا يكون لها دور رئيسي في الوصول إلى الغرض والهدف والنجاح في أي حركة عملية في الحياة، فعندما يجد الإنسان أمامه قدوة تتحرك وتجسد ما تأمره به، عند ذلك يكون التأثير في النفس أوقع وأشد بحيث لا يضاهيه تأثير الألفاظ والوعظ والأوامر المجردة، ولذا ورد عن أهل البيت(عليهم السلام) «كونوا دعاةً لنا بغير ألسنتكم; لِيَروا منكم الاجتهاد والصدق والورع»([38]).

وقد اهتم القرآن الكريم بمسألة القدوة، قال تعالى: (لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِى رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُواْ اللَّهَ وَالْيَوْمَ الآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا )([39]).

وعندما نرجع لحياة أهل البيت(عليهم السلام) نجدها حافلة بما يفوق حدّ الإحصاء فيما يجسّده عملهم وسلوكهم وأخلاقهم وتعاملهم مع الناس من اُسوة حسنة، ولو لم يوجد القدوة الذي يطبّق هذه الاُمور لبقيت المفاهيم التي دعا إليها القرآن الكريم مثالية ونظرية بحتة، فلو لم يجسّد الإمام الحسين(عليه السلام) ـ مثلا ـ التضحية بعياله وبهذه الكيفية لبقي مفهوم التضحية نظرية، ولسرت إليها الاحتمالات، وهل يمكن مثل هكذا تضحية أم لا إلى غيرها من التساؤلات؟ وهكذا الأمر عندما جسّد أمير المؤمنين(عليه السلام) الرحمة في حقِّ ابن ملجم، وذلك بسؤال أمير المؤمنين(عليه السلام) عن ضاربه وأنـّه هل سقي ممّا شربه أو لا ؟

وكذلك الأمر عند ملاحظة حياة كلّ واحد من الأئمة(عليهم السلام) وما عانوه، فهذا الإمام الكاظم(عليه السلام) قضى شطراً كبيراً من حياته الشريفة مغيّباً في غياهب السجون. إذن فما لم يجسد الإمام(عليه السلام) هذه الأُمور فمن الذي يجسّدها. وعلى هذا الأساس تتّضح ضرورة الاقتداء بأهل البيت(عليهم السلام)والتمسّك بهم، فهم العلاج الناجح أمام الفتن والتحديات التي تواجهنا، وهذا المعنى قد أكّده أهل البيت(عليهم السلام)، لاسيّما في عصر الغيبة من خلال توجيه شيعتهم وأتباعهم على ضرورة الالتزام به، وهذا رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)يزفّ البُشرى للمقتدين بقائم أهل البيت(عليه السلام) في عصر الغيبة، حيث قال: «طوبى لمن أدرك قائم بيتي وهو مقتد به قبل قيامه، يتولّى وليّه، ويتبرّأ من عدوّه ويتولّى الأئمة الهادين من قبله، اُولئك رفقائي، وذوو ودّي، وأكرم اُمّتي عليّ يوم القيامة»([40]).

ولا ريب فإنّ التمسّك بهم(عليهم السلام) هو التمسّك بالعروة الوثقى، فما ورد عنه(صلى الله عليه وآله وسلم): «ياعلي، مَن أحبّكم وتمسّك بكم فقد استمسك بالعروة الوثقى»([41])، «أنتم حجة الله على خلقه، والعروة الوثقى، مَن تمسّك فقد اهتدى، ومَن تركها ضلّ»([42]).

أهمية الاقتداء بأهل البيت في عصر الغيبة:

لا شكّ أنّ الالتزام والتمسّك بمنهج وطاعة أهل البيت(عليهم السلام) والاقتداء بهم في عصر  الغيبة له دور استثنائي في حياة الفرد والمجتمع، ويمكن الإشارة إلى بعض آثار هذه الوظيفة في عصرنا الراهن:

1 ـ حيث إنّ نفس غيبة الإمام(عليه السلام) هي الامتحان والابتلاء، كما في الرواية عن أبي عبدالله(عليه السلام) يخاطب عبدالله بن سنان: «كيف أنتم إذا صرتم في حال لا يكون فيها إمام هدىً ولا علم يرى، فلا ينجو من تلك الحيرة إلاّ من دعا...»([43])، لذا يكون المسلم في حيرة وتردّد; لطول الغيبة وما يقرب من اختلاف وشكّ في شأنه(عليه السلام)، لذا يجب الالتزام والتمسّك بأهل البيت(عليهم السلام)والاقتداء بهم للخروج من الحيرة والتردد.

2 ـ بالتمسّك والاقتداء بأهل البيت(عليهم السلام) وملاحظة ما واجهوه من محن وظلم وتشريد وذبح... كل ذلك يجعل المؤمن ذا إرادة قوية راسخة، ومن ثمّ يتمكن من مواجهة البلاء والمحن فبالاقتداء بأهل البيت(عليهم السلام) تزداد ثقة المؤمن بنفسه ويحصل الاطمئنان والاستقرار النفسي مهما تطاولت عليه المحن والمصاعب.

3 ـ إنّ التمسّك بأهل البيت(عليهم السلام) والاقتداء بهم يسدّ الطريق أمام مَن يدّعون القيادة والقدوة في عصر الغيبة.

وعلى هذا الأساس نجد هذا الحشد الكثير من روايات أهل البيت(عليهم السلام)على ضرورة الاقتداء والتمسّك بهم، فعن الإمام أبي عبدالله(عليه السلام) قال: «... تمسّكوا بما في أيديكم حتى يتضح لكم الأمر»([44]).

وباسناد آخر عن أبي عبدالله(عليه السلام) قال: «...تمسّكوا بالأمر الأوّل الذي أنتم عليه حتى يتبيّن لكم»([45]).

وقال العلاّمة المجلسي في بيان هذا الخبر: «إنّ المقصود من هذه الأخبار عدم التزلزل في الدين والتحيّر في العمل، أي تمسّكوا في اُصول دينكم وفروعه بما وصل إليكم من أئمتكم، ولا تتركوا العمل، ولا ترتدّوا حتى يظهر إمامكم...»([46]).

وعن أبي عبد الله الصادق(عليه السلام) قال: «إنّ لصاحب هذا الأمر غيبة، فليتّقِ الله عبد عند غيبته، وليتمسّك بدينه»([47]).

ولا شكّ أنّ التمسّك بأهل البيت(عليهم السلام) هو عين التمسّك بالدين، وهنالك الكثير من الروايات في هذا المضمون.

وبعد ذلك نودّ أن نشير إلى أمر، وهو: أنّه قد يُقال: كيف يمكن الاقتداء بأهل البيت(عليهم السلام) مع مالهم من المقامات الرفيعة التي لا يمكن الوصول إليها؟

وفي مقام الجواب نقول : صحيح أنّ الوصول إلى مقاماتهم أمر مستحيل بالنسبة لنا، أمّا تحصيل بعض درجات كمالاتهم(عليهم السلام) فهو أمر مرجوّ، وممكن الوصول إليه، فيسعى الإنسان إلى تحصيل هذه الكمالات الممكنة، وقد يستطيع تحصيل بعضها وقد لا يستطيع، «إلاّ أنّكم لا تستطيعون على ذلك، فأعينوني بورع واجتهاد، وعفّة وسداد»([48]).

 

7 ـ الصبر

من أهم الوظائف المعنوية للإنسان المؤمن هي الصبر من أجل المقاومة والصمود أمام المصاعب والآلام والمحن، خصوصاً في عصر الفتن والملاحم، وهو عصر الغيبة.

وقد اهتم القرآن الكريم وأشار إلى الصبر في مواطن كثيرة، قال تعالى: (وَاللَّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ )([49])، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ )([50])، وكذا قوله تعالى: (إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَاب )([51]).

ويعتبر الصبر من صفات الأنبياء والرسل الذين اُمرنا بالاقتداء بفعلهم والاهتداء بهم، قال تعالى مخاطباً الرسول الأعظم(صلى الله عليه وآله وسلم): (فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُولُواْ الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ وَلاَ تَسْتَعْجِلْ لَهُمْ )([52]).

وعلى هذا الأساس اهتّم أهل البيت(عليهم السلام) كثيراً في هذا الجانب، وقد وردت عنهم أحاديث كثيرة جداً في فضل الصَبر وأنواعه وثوابه...

وقد اختصّ عصر الغيبة بجملة من النصوص الشريفة، للتأكيد على أهميته وضرورة التحلّي به في هذا العصر، فعن رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) قال: «سيأتي قوم من بعدكم، الرجل منهم له أجر خمسين منكم...»، قالوا: يارسول الله، نحن كنّا معك ببدر وحنين واُحد ونزل فينا القرآن! فقال: «إنّكم لو تحملون ما حملوا لم تصبروا صبرهم!»([53])، ثمّ  يكرّر (صلوات الله عليه) هذا المعنى ويزفّ لأتباعه الصابرين البُشرى، بمعرفته(صلى الله عليه وآله وسلم) بتعريفه للمحن التي يواجهونها، فقال(صلى الله عليه وآله وسلم): «طوبى للصابرين في غيبته، طوبى   للمقيمين على محبّته، اُولئك الذين وصفهم الله في كتابه: (هُدًى لِلْمُتَّقِينَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ )([54])»([55]).

وعن أمير المؤمنين(عليه السلام) قال: «الزموا الأرض واصبروا على البلاء...»([56]).

وعن الإمام الحسين(عليه السلام) يصف الصابر في عصر الغيبة بأنّه بمنزلة المجاهد بالسيف بين يدي رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)، حيث قال: «... أمّا الصابر في غيبته على الأذى والتكذيب، بمنزلة المجاهد بالسيف بين يدي رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)»([57]).

وكذا الإمام الباقر(عليه السلام) في تأويل الآية الكريمة نجده يحثّ شيعته المؤمنين على الصبر: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا ) على أداء الفرائض، (وَصَابِرُوا )على أذية عدوّكم([58]).

وعن الإمام الصادق(عليه السلام) يبشّر الصابرين من شيعته بأنّهم من زمرتهم(عليهم السلام)، حيث قال: «... مَن انتظر أمرنا، وصبر على ما يرى من الأذى والخوف فهو غداً في زمرتنا»([59]).

 

دور الصبر في حياة الفرد والمجتمع في عصر الغيبة:

لا شكّ أنّ آثار الصبر غير منحصرة في عصر الغيبة، إلاّ أنّها في عصر الغيبة تتضاعف وتتجلّى بصورة واضحة، ومن جملتها هي:

1 ـ إنّ الصبر على الابتلاء يعتبر مفتاح الولوج والارتقاء في درجات التكامل والقرب الإلهي، وحيث إنّه كلما كان الصبر أشدّ وأصعب يكون الارتقاء والقرب منه تعالى أكثر وأكمل، ومن هنا يتّضح دوره في عصر الغيبة الذي  يكون الصبر فيها أقسى وأشدّ، كما ورد عن الرضا(عليه السلام) قوله: «ما أحسن الصبر وانتظار الفرج... أما سمعتم قول الله تعالى: (وَارْتَقِبُوا إِنِّي مَعَكُمْ رَقِيبٌ... )، فعليكم بالصبر، فإنّما يجيء الفرج بعد اليأس... والله ما يكون ما تمدّون إليه أعناقكم حتى تمحّصوا، ولا يبقى منكم إلاّ الأندر الأندر...»([60]). مشيراً إلى  شدّة الصبر وصعوبته.

2 ـ من خلال الصبر يمكن الحصول على الثواب الجزيل الذي يتناسب مع شدّة البلاء وصعوبته، كما ورد عن الإمام الحسن(عليه السلام) بأنّ الصابر في عصر الغيبة بمنزلة المجاهد بالسيف بين يدي رسول الله([61]).

3 ـ من خلال الصبر يمكن ضمان البقاء والاستمرار وحفظ الأمانة المتمثلة بإيصال  الدين إلى الأجيال التي تأتي بعدنا.

4 ـ بالصبر تتحقق صفة الإخلاص التي هي من شروط الظهور.

5 ـ من خلال الصبر يمكن للمؤمن أن يهيّئ نفسه ويوطّنها على طاعة الإمام في عصر الظهور الذي تتضاعف فيه المحن، ففي الدعاء
«... واجعلنا في حزبه القوّامين، بأمره الصابرين معه»([62]).

6 ـ بالصبر تقوى الإرادة، ويشتدّ العزم لمقاومة الظالمين وعدم الخضوع لهم.

ونودّ الإشارة إلى الفرق بين الصبر والمصابرة، ففي الميزان ميّز العلاّمة بين الصبر والمصابرة بما يلي: الصبر: هو فيما إذا تعلق بالفرد المسلم، أمّا المصابرة: هي الصبر الجماعي، باعتماد صبر بعضهم على صبر البعض الآخر، فيقوى الحال، ويتضاعف تأثير الصبر عند كلّ فرد ضمن المجموعة بالقياس لما لو كان وحده»([63]).

 

 

--------------------------------------------------------------------------------

[1] ـ الشورى : 23 .

[2] ـ الأحزاب : 56 .

[3] ـ الكافي : 2/18/1 .

[4] ـ الكافي: 2/46/2، عنه وسائل الشيعة: 11/141 ح 6 .

[5] ـ آل عمران: 103.

[6] ـ آل عمران: 112.

[7] ـ الزمر: 56.

[8] ـ الفرقان: 27.

[9] ـ إبراهيم: 37.

[10] ـ آل عمران: 7.

[11] ـ غيبة النعماني: 46 ح1، عنه البحار: 34/17 ح6 و ص112 ح60، وغاية المرام: 3/31 .

[12] ـ المحاسن : 1/135/171، عنه البحار: 2/145 ح10، وج 26/227 ح2 .

[13] ـ تفسير القمي: 2/248، عنه البحار: 23/238 ضمن ح5 .

[14] ـ السرائر (المستطرفات): 3/640، عنه بحار الأنوار: 27/58/18.

[15] ـ غيبة الطوسي: 456/466، عنه بحار الأنوار : 52/130/25.

[16] ـ كمال الدين: 2/361/5، عنه بحار الأنوار : 51/151/6، كشف الغمة : 2/1018.

[17] ـ الزمر : 2 ـ 3 .

[18] ـ كمال الدين: 1/287/6، عنه البحار : 52/124/11 .

[19] ـ تفسير الميزان : 11/160 .

[20] ـ التوحيد: 22/8.

[21] ـ التوحيد: 25/17 .

[22] ـ نهج البلاغة : الخطبة 1/ ص14 .

[23] ـ التوحيد: 29/26 .

[24] ـ الاحتجاج: 2/854، عنه البحار : 52/122/4، ومنتخب الأثر: 3/206، والزام الناصب: 1/519 .

[25] ـ الحشر: 18.

[26] ـ الحجرات: 13.

[27] ـ نهج البلاغة: 220، الخطبة (114).

[28] ـ البحار: 52/135 عن غيبة النعماني: 174 ضمن ح 11.، وج 51/145 ح13، عن كمال الدين: 343 ح25 .

[29] ـ الليل : 5 ـ 7 .

[30] ـ الرعد : 28 .

[31] ـ الأنفال : 29 .

[32] ـ الليل : 8 ـ 10 .

[33] ـ فصلت : 30 .

[34] ـ تفسير البرهان: 7/53/9.

[35] ـ مواهب الرحمن في تفسير القرآن :  6/110.

[36] ـ كمال الدين وتمام النعمة :  2/378 ، كفاية الأثر: 279.

[37] ـ غيبة النعماني: 207/16، عنه بحار الأنوار :  52/140/50 .

[38] ـ الكافي: 2/86/10، عنه وسائل الشيعة: 12/162، أبواب أحكام العشرة ب108 ح1.

[39] ـ الأحزاب : 21 .

[40] ـ غيبة الطوسي : 456/466 ، عنه البحار: 52/129/25، ينابيع المودّة: 3/396/48، الخرائج والجرائج: 3/1148، كمال الدين: 286 ح2، عن أبي جعفر(عليه السلام) عن النبي(صلى الله عليه وآله وسلم)، عنه البحار: 51/72 ح14 و15، ونور الثقلين: 2/505 ح132 .

[41] ـ كفاية الاثر: 71، ارشاد القلوب: 2/312، عنه البحار: 36/302 ضمن ح140.

[42] ـ أمالي المفيد: 110 ضمن ح9، عنه البحار: 23/142 ح93.

[43] ـ غيبة النعماني: 161/4، عنه بحار الأنوار : 52/133 ح37 .

[44] ـ نفس المصدر السابق: 162 ذيل ح4، عنه البحار: 52/133 ضمن ح37 .

[45] ـ نفس المصدر السابق ح5.

[46] ـ بحار الأنوار : 52/133 .

[47] ـ غيبة النعماني: 174/11، عنه البحار: 52/135 ح39، غيبة الطوسي: 455/465 .

[48] ـ  نهج البلاغة، خطب الإمام علي(عليه السلام) ج3 ص7، دار الذخائر، قم .

[49] ـ آل عمران :  146 .

[50] ـ آل عمران : 200 .

[51] ـ الزمر: 10.

[52] ـ الأحقاف: 35 .

[53] ـ غيبة الطوسي: 456/467، عنه البحار: 52/130 ح26، الخرائج والحرائج: 3/1149 .

[54] ـ البقرة: 2 ـ 3.

[55] ـ ينابيع المودّة : 3/285/ 2، غاية المرام: 743 ح57.

[56] ـ نهج البلاغة: 280 خطبة 190، ينابيع المودة: 1/87 .

[57] ـ كمال الدين: 317 ضمن ح3، مقتضب الأثر: 27، عنه البحار: 36/385 ح6، وعن عيون أخبار الرضا(عليه السلام): 1/69 ذيل ح36 .

[58] ـ غيبة النعماني: 206/13، ينابيع المودة: 3/236 ح4، والآية في آل عمران: 200 .

[59] ـ الكافي: 8/37 ح7، عنه بحار الأنوار : 52/256 .

[60] ـ  غيبة النعماني: 216 ح15، والآية في هود: 93 .

[61] ـ كمال الدين: 317 ذيل ح3 .

[62] ـ مصابيح الجنان : 81 .

[63] ـ تفسير الميزان : 4/91 .


أضف تعليق

كود امني
تحديث

مؤسسة السبطين عليهما السلام

loading...
أخبار المؤسسة
إصدارات
حول المؤسسة
loading...
المرئيات
اللطميات
المحاضرات
الفقه
الصور

مشاهدة الكل

telegram ersali arinsta ar

۱ شوال

  ۱ـ عيد الفطر السعيد.۲ـ غزوة الكدر أو قرقرة الكدر.۳ـ وفاة عمرو بن العاص.۱ـ عيد الفطر السعيد:هو اليوم الاوّل م...

المزید...

۳شوال

قتل المتوكّل العبّاسي

المزید...

۴ شوال

۱- أميرالمؤمنين يتوجه إلى صفين. ۲- وصول مسلم إلى الكوفة.

المزید...

۸ شوال

هدم قبور أئمة‌ البقيع(عليهم سلام)

المزید...

۱۰ شوال

غزوة هوازن يوم حنين أو معركة حنين

المزید...

11 شوال

الطائف ترفض الرسالة الاسلامية في (11) شوال سنة (10) للبعثة النبوية أدرك رسول الله(ص) أن أذى قريش سيزداد، وأن ...

المزید...

۱۴ شوال

وفاة عبد الملك بن مروان

المزید...

۱۵ شوال

١ـ الصدام المباشر مع اليهود واجلاء بني قينقاع.٢ـ غزوة أو معركة اُحد. ٣ـ شهادة اسد الله ورسوله حمزة بن عبد المط...

المزید...

۱۷ شوال

۱- ردّ الشمس لأميرالمؤمنين علي (عليه السلام) ۲ـ غزوة الخندق ۳ـ وفاة أبو الصلت الهروي ...

المزید...

۲۵ شوال

شهادة الامام الصادق(عليه السلام)

المزید...

۲۷ شوال

مقتل المقتدر بالله العباسي    

المزید...
012345678910
سيرة العلماء
تطبيق اندرويد لكتاب العروة الوثقی والتعليقات عليها
مكتبة أنيس
ثبّت سؤالك هنا
العروة الوثقى
Sibtayn International Foundation
Tel: +98 25 37703330 Fax: +98 25 37706238 Email : sibtayn[at]sibtayn.com
© 2024 Sibtayn International Foundation. All Rights Reserved.

Hi! Click one of our representatives below to chat on WhatsApp or send us email to [email protected]

الإتصال بنا
Close and go back to page