طباعة

إعلان الدعوة

إعلان الدعوة

 

 

بعد أن أنذر النبي (ص) عشيرته الأقربين وانتشر أمر نبوّته في مكـّة، بدأت قريش تتعرّض لشخص النبيّ (ص) بالاستهزاء والسخرية وأنواع التهم، وكان لذلك تأثير على إقبال الناس على الدخول في الإسلام، فاغتمّ النبيّ (ص) لذلك جدّا ً، فأنزل الله عليه: { فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ * إِنَّا كَفَيْنَاكَ الْمُسْتَهْزِئِينَ}[1] ، وبهذا أمره تعالى بإظهار دعوته، فامتثل النبي (ص)، وأظهر دعوته وطلب من الناس جميعا ً أن يسلموا لربّهم.

وكان هذا حدثا ً عظيما ً ومفاجأة مذهلة لقريش؛ إذ أنـّها شعرت بتحدّي محمّد (ص) لها وإنطلاق دعوته، فتحرّكت لتقف بوجه الإسلام والمسلمين وتتصدّى للنبي (ص) بمختلف الأساليب، وبجميع ما لديها من قوى. وبهذا بدأت مرحلة الصراع، وهي مرحلة جديدة من المواجهة، فقد توجّهوا إلى عمّه أبي طالب سيّد قريش وزعيم مكـّة، وطالبوه بالتدخّل لدى محمّد (ص) وأن يطلب منه الكفّ عن دعوته فقالوا له: إنّ ابن أخيك قد عاب آلهتنا، وسفـّه أحلامنا... فليمسك عن ذلك، وليَحكُم في أموالنا بما يشاء، فقال: إنّ الله لم يبعثني لجمع الدنيا والرغبة فيها، وإنّما بعثني لاُبلـَّغ عنه، وأدُلَّ عليه، فآذوه أشدّ الايذاء [2] .

لكنّ هذه المفاوضات فشلت، ورأوا أنّ أبا طالب حدب عليه وقام دونه ومنعه، فالتجأووا إلى تهديده، فذهبوا إلى أبي طالب وقالوا له: إن لم تكفّ ابن أخيك عن شتم آبائنا، وتسفيه أحلامنا... فلسوف ننازلك وإيّاه... فأرسل أبو طالب إلى الرسول (ص) وأخبره، وطلب منه أن يبقي على نفسه وعليه... فقال (ص): "يا عم، والله لو وضعوا الشمس في يميني، والقمر في شمالي على أن أترك هذا الأمر حتـّى يظهره الله أو أهلك فيه، ما تركته"، فوعده أبو طالب بالنصر.

ولمّا فشلت هذه المحاولة أيضا ً عرضوا على أبي طالب أن يتـّخذ عمارة بن الوليد ولدا ً له، ويسلـّمهم النبيّ، الذي فارق دين أبي طالب ودين آبائه.

فقال أبو طالب: والله، لبئس ما تسومونني! أتعطونني ابنكم أغذوه لكم، وأعطيكم ابني تقتلونه! هذا والله ما لا يكون أبدا [3]ً .

وبعد فشل جميع هذه المحاولات ظهر لأبي طالب (رض) أنـّه لابدّ من الحذر والحيطة للأمر، فجمع بني هاشم وبني عبد المطلب، ودعاهم إلى منع الرسول، والقيام دونه فأجابوه باستثناء أبي لهب (لعنه الله).

وبهذا منع الله عزّوجل رسوله (ص) ، فلم يكن لهم أن يضرّوه في شعره وبشره سبيل، غير أنـّهم يرمونه بالجنون، والسحر، والكهانة، والشعر، والقرآن ينزل عليه (ص) بتكذيبهم، ومن ورائه عمّه ومعظم بني هاشم يدافعون عنه.

 


 

[1] الحجر: 94 – 95.

[2] تاريخ اليعقوبي 2: 24.

[3] انظر السيرة النبويّة – لابن هشام – 1: 282 – 286.