طباعة

الهجرة الثانية

الهجرة الثانية

 

 

استمرّ الرسول يواصل الدعوة إلى الله والإسلام، ومعه الفئة المؤمنة الصابرة، واستمرّت قريش وقادة الشرك على عنادها وتعذيب المسلمين واضطهادهم، فأمر الرسول (ص) أصحابه بالهجرة والعودة إلى الحبشة بقيادة جعفر ابن أبي طالب مرّة ثانية، فهاجروا أفرادا ً وجماعات، رجالا ً ونساءً، ودخلوا الحبشة وقد بلغ عددهم اثنين وثمانين رجلا ً، أو ثلاثا ً وثمانين رجلاً، إن قلنا إنّ عمّار بن ياسر كان معهم، وتسعة عشر إمرأة عدا الأطفال[1] .

واستقرّ المسلمون في الحبش واطمأنـّوا بجوار ملكها العادل، فخافت قريش من امتداد الدعوة الإسلاميّة وانتشارها، فأوفدت شخصين ممّن تعتمدهم إلى النجاشي للتفاوض معه، وإقناعه بالتخلـّي عن حماية المهاجرين وتسليمهم إلى قريش، ووقع اختيارهم على بحيرى[2]  بن أبي ربيعة، وعمرو بن العاص، فأرسلوهما إلى النجاشي، وحملوا معهم الهدايا الثمينة له ولرجال السلطة هناك، فوصلا إلى الحبشة ودفعا الهدايا إلى النجاشي ورجال دولته وبطارقته، ثم فتحا الحوار معه لردّ المهاجرين إلى قومهم، ولكن باءت محاولتهم بالفشل، وأبى النجاشي أن يردّهم بعدما استدعى جعفر بن أبي طالب وأصحابه وسأله عن الدين الجديد، فأوضح له جعفر (رض) ما جاء به الرسول الأكرم (ص) وما كانوا عليه قبل ذلك، وأخيرا ً قال النجاشي: “إن هذا والـّذي جاء به عيسى ليخرج من مشكاة واحدة انطلقا فلا والله لا اُسلـّمهم إليكما ولا يُكادون”[3] .

ثمّ خرجا خائبين، ولكن سرعان ما عاد عمرو بن العاص ودخل على النجاشي في محاولة اُخرى، فطلب منه أن يسأل المسلمين المهاجرين عن عقيدتهم في عيسى بن مريم (ع) فأرسل إلى جعفر بن أبي طالب (رض) وسأله، فقال جعفر: “نقول فيه الذي جاءنا به نبيّنا محمّد (ص): هو عبد الله ورسوله وروحه وكلمته ألقاها إلى مريم العذراء البتول. قالت اُمّ سلمة: فضرب النجاشي بيده إلى الأرض فأخذ منها عودا ً، ثمّ قال: والله ما عدا عيسى بن مريم ما قلت هذا العود”[4] .

وهكذا انتصر الحق والعقل والمنطق السليم على الكذب والدجل والتضليل، وبقي جعفر وأصحابه ينعمون برعاية النجاشي حتـّى غزوة خيبر سنة سبع من الهجرة النبوية، فالتحقوا بالرسول في المدينة المنوّرة.

 


 

[1] انظر السيرة النبوية لابن كثير 2: 3 وما بعدها. والسيرة النبوية لابن هشام 1: 344 وما بعدها.

[2] وعن بعض المؤرّخين أنـّه كان عمارة بن الوليد بن المغيرة.

[3] السيرة النبوية لابن هشام 1: 359.

[4] المصدر السابق.