طباعة

شعب أبي طالب وصحيفة المقاطعة الظالمة

شعب أبي طالب وصحيفة المقاطعة الظالمة

 

 

لقد أيقنت قريش أنّ محمّداً (ص) مصرّ على دعوته، وأنّ وسائل الإرهاب والتعذيب والحرب النفسيّة قد فشلت كلـّها، ورأوا أنّ المسلمين يزدادون يوما ً بعد يوم، وأصبحت لهم قوّة لا يمكن تجاهلها، ولا يمكن مواجهتهم إلاّ بحرب أهلية قد يكون خطرها على قريش وأتباعها أكثر من خطرها على المسلمين؛ إذ ما من عشيرة، بل ما من بيت إلا وفيه مَن آمن بالدعوة الإسلاميّة. ولكن بعد تفكير طويل التجأوا إلى أسلوب الحصار الاقتصادي والمحاصرة الاجتماعية، فكتبوا صحيفة العهد الظالم، وكان مضمون الصحيفة أن لا يناكحوا بني هاشم ولا ينكحوا منهم، ولا يتعاملوا معهم بشيء بيعا ً وشراءً مهما كان نوعه، ولا يجتمعوا معهم على أمر من الاُمور ووقـّع على الصحيفة أربعون رجلا ً من وجوه قريش، وعلّقوها في جوف الكعبة خلال محرّم سنة سبع من البعثة، فانحاز بنو هاشم وبنو المطـّلب إلى أبي طالب ودخلوا معه في شعبه إلاّ أبا لهب فكان مع قريش[1] .

وحصّن أبو طالب الشعب، وتولـّى حراسته في الليل والنهار هو والحمزة وغيرهما مخافة أن يقتل النبي محمّد (ص) على حين غفلة من قومه، واستمرّ الحصار الظالم حتـّى طال، وانفق أبو طالب (رض) والنبي محمّد (ص) مالهما، كما أنفقت خديجة (رض) أموالها الطائلة في هذا الحصار.

وحين اشتدّ العسر والأذى وصبر المسلمون جاء الفرج واليسر؛ إذ جاء النصر الإلهي بإرسال حشرة الأرضة إلى الصحيفة فأكلت كلّ ما كتب فيها، وتلقـّى النبيّ محمّد (ص) هذه اليد الغيبيّة، والمعجزة الإلهيّة، وكانت دليلا ً دامغا ً على صدق نبوّته، فخبّر عمّه أبا طالب وأطلعه على ما حدث على الصحيفة الظالمة، فجاء أبو طالب (رض) وجلس بفناء الكعبة، وحدث بينه وبين قريش مناقشة، قال فيها: أنّ محمّدا ً أعلمني عن ربّه: أنه بعث الأَرضَةَ فأكلت كلّ ما فيها إلا ذكر الله. أفرأيتم أن كان صادقا ً ماذا تصنعون؟ قالوا: نكفّ ونمسك، قال: فإن كان كاذبا ً دفعته إليكم تقتلونه، فقالوا: قد أنصفت وأجملت.

ولكن بهت الطغاة، واستولى عليهم الصلف، وأخذتهم العزّة بالإثم، لمّا رأوا النتيجة كما قال الرسول صلـّى الله عليه و آله عن ربّه تعالى.   وكان هذا حدثا ً عظيما ً، أسلم على أثره ناس كثيرون، وفكّ الحصار، وسقطت المؤامرة، وخرج النبي محمّد (ص) ومَن معه من الشعب.

 


 

[1] انظر: الكامل في التاريخ (لابن الاثير) 2: 87؛ السيرة النبوية (لابن هاشم) 1: 375 – 376. تاريخ اليعقوبي 2: 31.