طباعة

صلح الحديبيّة

صلح الحديبيّة

لمّا تخلّص المسلمون من يهود المدينة كبني قريظة وبني قينقاع وبني النضير، وأجلوهم منها، واطمأنّوا إلى أنّ قريشا ً لم تعد بإمكانها غزوهم، خصوصا ً بعد واقعة الخندق وما لحق بهم من الهزيمة النكراء؛ أخذ الشوق يهزّ المهاجرين، بل أصحاب النبيّ (ص) على العموم إلى زيارة بيت الله الحرام الذي اعتاد العرب زيارته والحجّ إليه منذ عهد إبراهيم الخليل (ع). وفي أواخر السنة السادسة من الهجرة قرّر الرسول (ص) أن يسير بأصحابه إلى مكـّة المكرّمة ليزور البيت الحرام بعد أن رأى في المنام انـّه يدخله هو وأصحابه آمنين من غير قتال، فأنزل الله تعالى قول: { لَقَدْ صَدَقَ الله رَسُولَهُ الرُّؤْيَا بِالْحَقِّ لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ إِن شَاء الله آمِنِينَ ...}[1].

فعزم (ص) على زيارة البيت، وأخبر أصحابه بذلك، ففرح المسلمون خصوصا ً المهاجرين وأخذ يبشّر بعضهم بعضا ً في راحة وسرور، لأنـّهم يعلمون أن وعد الله صدق، وسوف يتحقـّق لا محالة.

ثمّ أنّ النبيّ (ص) دعا القبائل العربية غير المسلمة للخروج معه إلى البيت العتيق.

فتوجّه (ص) إلى مكـّة ومعه ما يقرب من ألف وأربعمائة من المهاجرين والأنصار وبعض قبائل الجزيرة وذلك في شهر ذي القعدة في السنة السادسة من الهجرة، وساقوا معهم سبعين بدنة ً هديا ً لِتُنحر في مكـّة.

ولمّا وصل الخبر إلى قريش فزعت، وظنّت أنّ محمّدا ً (ص) يريد الهجوم عليها، فأخذت تخطّط لصد الرسول وأصحابه، فبلغ النبيّ (ص) استعداد قريش وتهيّؤها لقتاله، فغيّر مسيره وسلك طريقا ً غير الطريق التي سلكته قريش حتى استقرّ في وادي الحديبيّة، فشكا أصحابه انعدام الماء في هذا الوادي، فأظهر الله سبحانه معجزة خالدة على يده المباركة؛ حيث توضّأ (ص) وألقى ماء المضمضة في البئر التي جفّ ماؤها، فانفجر الماء وارتوى الجميع.

فاستقرّ النبيّ (ص) في ذلك الوادي ليبدأ حواره مع قريش، فأكّد لهم انـّه لم يخرج لغزوهم وإنّما جاء ليزور البيت ويعتمر، فأرسلت قريش عدّة أشخاص إلى النبي (ص) للتفاهم معه وأرسل النبيّ (ص) لهم رجلا ً من خزاعة ليبلّغهم القصد من تلك الزيارة.

وبعد جدل طويل استجابت قريش لنداء النبيّ (ص)، فأرسلت سهيل بن عمرو ممثـّلا ً عنها للتفاوض معه، فبدأ الحوار وثبـّتت النقاط التي اتّفقوا عليها، وأمر النبيّ (ص) الامام علي (ع) أن يكتب وثيقة الصلح، فكتبها، وكان مضمونها: أنّ الطرفين اصطلحا على وضع الحرب عشر سنين، وأنّ من أتى محمّد (ص) من قريش بغير إذن وليّه يردّه إليه، ومَن أتى قريشا ً من أصحاب النبيّ (ص) لم تردّه إليه، وأن يكون الإسلام ظاهرا ً بمكـّة لا يكره أحد على دينه، وأنّ محمّدا ً يرجع عنهم عامه هذا، ثمّ يدخل في العام القابل مكـّة فيقيم فيها ثلاثة أيّام... الخ.

وبعد كتابة الوثيقة وإبرام الإتفاق أمرَ النبيّ (ص) بالحلق والتقصير وذبح الهدي خارج مكـّة وقبل بالصلح وفق ما ورد في نصوص المعاهدة، فأظهر بعضهم جزعه وتساؤله، بل اعتراضه على بعض بنود تلك المعاهدة، ولكن جاءت النتائج كما أراد النبيّ (ص)، إذ شلّ نشاط قريش المعادي، وأخذت الدعوة إلى الإسلام تشقّ طريقها، وأقبل الناس على الدخول في الإسلام، فكان صلح الحديبية حادثة سياسية كبيرة أدّت إلى مكاسب عقائدية وعسكرية وسياسية عظيمة.

رسول الله (ص) : السيرة / المقالات

المكتبة الصوتية

معرض الصور : مسجد النبي (ص)

بطاقات : مبعث النبي (ص) / ليلة المعراج



[1] الفتح: 27.