طباعة

المحتاج يُعطى لغير وجه الله

المحتاج يُعطى لغير وجه الله

 

 

«ورأيت المحتاج يُعطى على الضحك به ويُرحم لغير وجه الله»([1]).

لمَّا كان النّاس يبتعدون عن الله شيئاً فشيئاً، في المأكل والمشرب، والمعتقد ويتقرّبون إلى الشيطان واتّباع الشيطان سراعاً، لما تُسَوِّله أنفسهم وتوسوس به، وما تخفيه صدورهم أعظم.

امتنعوا عن الصدقات والزكوات وأعدّوها مغرماً، وامتنعوا عن أداء الخُمس وردّ المظالم قياساً وبغضاً وتسويفاً في حقوق السادة والإمام، وإذا أرادوا أن يُعطوا المحتاج أعطوه على الضحك به، وللمرء، ولغير وجه الله، أو يُعطوه لتحقيق أغراض أُخرى، ينتفعوا من ورائها.

نعم أضحت الرغبة هي المتحكّمة، والمعرفة هي القاضية، والتحزّب والجماعات هي الفاصلة في العطاء، لا إرضاءاً لله تعالى، وامتثالاً لأمر الله عزَّوجلَّ، والذي يسكب ماء وجهه له حوبة: (وَالذِينَ فِي أمْوَالِهِم حَقٌّ مَعْلُومٌ لِلسَّائِلِ وَالمَحْرُومِ)([2])، وقال تعالى: (إنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالمَسَاكِينِ وَالعَامِلينَ عَلَيْهَا وَالمُؤلَّفَةِ قُلُوبُهُم وَفِي الرِّقَابِ وَالغَارِمينَ وَفِي سَبيلِ اللهِ وَابنِ السَّبِيلِ فَرِيضَة مِنَ اللهِ وَاللهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ)([3]).

لكنّها اليوم تُعطى لمَن ينحني أكثر، ولمَن يسكب ماء وجهه أكثر، ويكذب أكثر، ويتملَّق أكثر، تُعطى للمعارف، ولا تُعطى لوجه الله تعالى، وهناك مواقف يندى لها الجبين، فكَم سُرقت حقوق وصُرفت في عير محلّها؟ وكَم تلاعبت الأهواء بها حيث تشاء لا حيث يريد الله تعالى؟

كَم صُرفت الملايين من حقوق الفقراء والمساكين في غير محلّها، ولو أنَّها صُرفت في محلّها لقضت على التسوّل والسرقة، ولقضت على الزنا بسبب الحاجة، نعم لو أنَّها صُرفت على تزويج الشاب المؤمن الفقير، والمؤمنة الفقيرة، لكان في محلّه، ولكنّها تُصرف في أُمور أُخرى فيها رضى الشيطان والنفس الأمّارة بالسوء، فكَم بُنيت عمارات وأسواق ومحلاّت بأموال الفقراء والمحتاجين، وكَم بُنيت مؤسسات من غير سند ودعم في المستقبل سرعان ما تنهار فتذهب الملايين طعمة للطامعين، وكَم اشتريت دُور وقصور بأسماء أُناس لا يُؤتَمَنون على شسع نعل بال، وكَم بُذلت الملايين على موائد للمباهاة ولتكون سبباً للسرقة

وكَم سُرقت الملايين من حقوق الآخرين بحجّة الشأنيّة، وصُرفت في غير محلّها، والحديث يقول: «لو سرقت فاطمة بنت محمَّد لقطعت يدها».

كان أمير المؤمنين (عليه السلام) إذا جاءته الحقوق لا ينام ليله حتّى يجعلها في محلّها، ويعطي كلّ ذي حقّ حقّه، ثمَّ يرشّ البيت بعد كنسه ويُصلِّي فيه ركعتين شكراً لله، واليوم ذوو الشأنيّة لهم دُور وقصور في كلّ البلاد في أُوربا وأمريكا وهنا وهناك، فلعن الله تلك الشأنيّة التي تعلو على شأنيّة الرسول (صلى الله عليه وآله) الأعظم، والصدّيقة الطاهرة (عليها السلام)، وأمير المؤمنين (عليه السلام)، والأئمّة الهداة الميامين (عليهم السلام).

هذه الشأنيّة الطبقيّة التي ملأت القلوب بغضاً وحنقاً على ذوي الشأنيّة في هذا الزمان، وجعلت النّاس تمتنع من إعطاء الحقوق، فيتلوّى الفقير والمحتاج ويضجّ إلى الله تعالى بالدعاء على المغتصبين وعلى الذين يعطون أهل الحقّ حقوقهم للضحك بهم ولغير وجه الله، نعم تغيّرت الموازين، وأضحى الحلال حراماً والحرام حلالاً، والمعروف منكراً، فنزل البلاء وينزل، والنّاس في سخط الله لا يدرون كيف ومتى ينزل غضب الجبّار، فيأخذ النّاس أخذ عزيز مقتدر، ويومها لا ينفع نفس إلاّ ما قدّمت لنفسها.

فهناك من ذوي الشأنيّة كما جاءت به الآثار إذا ظهر الحجّة (عج) قالوا له: ارجع يا بن فاطمة من حيث أتيت، لا حاجة لنا بك، نعم يقولون ويجادلون ويحتجّون ولكن يقع السيف في رقابهم.

أتدري لماذا يقولون: ارجع من حيث أتيت؟ لأنَّه صلوات الله عليه وعلى آبائه يحاسبهم على ما هم عليه، وقد اعتادوا أن يحاسبوا النّاس ولا يحاسبهم أحد كائن مَن كان.

أخي القاري العزيز: الذنب ليس ذنب الإسلام كدين، وإنَّما ذنب أُولئك الذين تدرّعوا بالدّين وعملوا على إشباع نهمهم من خلاله، فالإسلام دين المساواة ودين السماح ودين العدل: (وَأمَّا السّائِلَ فَلا تَنْهَرْ)([4])، (وَفِي أمْوَالِهِم حَقٌّ مَعْلُومٌ للسَّائِلِ وَالمَحْرُومِ)([5]).

أمَّا أُولئك فيحاسبهم الله حساباً عسيراً: (وَيَوْمَ نَقُولَ لِجَهَنَّمَ هَلِ امْتَلأتِ وَتَقُولُ هَلْ مِنْ مَزِيد)([6])، ونحن لا ننسى أنَّ عليَّاً (عليه السلام) أحمى حديدة وقرَّبها من أخيه عقيل ابن أبي طالب وقال له ما مضمونه: فكيف بك ونار سعرها جبّارها لغضبه؟

ولكن النّاس في غفلة من أنفسهم، ولو أنَّهم تخلّقوا بأخلاق القرآن وأخلاق أهل البيت (عليهم السلام) أذهب الله عنهم الرِّجس وطهّرهم تطهيراً، ما أخطأوا ولا قصروا ولا كان ذوو الشأنيّة تأكل حقوق الآخرين بحجّة واهية أعاذنا الله وإيّاكم من نومة الغافلين، ووسوسة الشيطان الرجيم ولا حول ولا قوّة إلاّ بالله العليِّ العظيم.

 

 

--------------------------------------------------------------------------------

([1]) بشارة الإسلام، ص: 134، فروع الكافي، ج 8، ص: 35، دار الأضواء، بيروت.

([2]) المعارج / 25.

([3]) التوبة / 60.

([4]) الضحى / 10.

([5]) المعارج / 25.

([6]) ق / 30.