طباعة

لا يوجد مَن يُهاب في الله

لا يوجد مَن يُهاب في الله

 

قوله (صلى الله عليه وآله): «إذا كنت في عشرين رجلاً أو أقلّ أو أكثر، فتصفّحت وجوههم فلم ترَ فيهم رجلاً يُهاب في الله، فاعلم أنَّ الأمر قد قرب»([1]).

نعم الوجوه وجوه الآدميّين، والقلوب قلوب الشياطين، إن حدّثتهم كذّبوك، وإن ولّيت عنهم اغتابوك، يحبّون الزنا ويعدّون الزكاة مغرماً، فمن أين لك أن ترى وجهاً يُهاب في الله؟

غرّتهم الدنيا بغرورها، وعرّضتهم لمفاسدها، فهم يحبّون المال حبّاً جمّاً، ويتوغّلون في الذنوب والمعاصي كمَن يسير على أرض جمّاء، لا يذكرون الله إلاّ قليلاً ويذكرون معبود الدنيا كثيراً، المال والنّساء والأولاد، نسوا الله فأنساهم ذكره، يشربون الخمر ويأتون الزنا ويقعون على المحرّمات وقوع الآكلة على قصعتها، طبع الله على سمعهم، فهم لا يفقهون إلاّ ما فيه المصلحة والهوى ; جاء في بعض الأحاديث: «إنَّ الإنسان إذا أذنب وقع في قلبه نكتة سوداء، وإذا أذنب وقعت أُخرى، حتّى تكبر هذه النكتة وتشمل القلب»، ومن الذنوب ما تغيّر معالم الوجه، وإذا أحسن الإنسان وقعت في قلبه نكتة من النّور، وإذا تكرّر منه الإحسان والعمل الصالح تكرّرت هذه النكتة وتوسّعت حتّى شملت القلب فتنوّر قلبه ووجهه ولكن من أين لك مثل هذا الذي يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر؟ من أين لك هذا الذي يخشى الله كأنَّه يراه وإن لم يكن يراه فالله يراه؟

ذلك الذي تنطبع على وجهه آثار ذلك، قال تعالى: (سِيمَاهُم فِي وُجُوههم مِنْ أثَرِ السُّجُودِ)([2])، ومَن لم يسجد لله وقد بلغ من العمر عتيّاً أنّى لك أن ترى على وجهه آثار الهيبة والوقار، وهناك مَن يتظاهر ولكنّه أشدّ بغضاً ومعصية ; تراهم من دين ملك إلى دين ملك، ومن حزب إلى حزب وكلّ الأحزاب علمانيّة، وإن لم تجهر بالعداء، فهي تخفيه وتظهر على تصرّف أفرادها.

جاءت الأحزاب وجاءت الذنوب والآثام، جاءت الأحزاب، وجاءت الحروب والفتن، جاءت الأحزاب وكثر القتل والإقتتال، جاءت الأحزاب وجاءت الإنقسامات، جاءت الأحزاب وكثر الفسق والفجور والظلم والجور، وجاءت الأحزاب ومُنع النّاس من المساجد والزيارات: (وَكُلُّ حِزْب بِمَا لَدَيْهِم فَرِحُونَ)([3]).

قال تعالى في يوم القيامة: (يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ)([4])، وكذا في الدنيا مَن يعمل سوءاً تراه مكفهراً عليه علاماته، ومَن يعمل صالحاً يُجزَ به، وعلى وجهه سيماء الصلاح، والتاريخ ينقل لنا أنَّ ذوي الجباه السود جاؤوا بالبشاعة وذهبوا بالعار وغضب الجبّار، فهي علامة من علامات الظهور، لأنَّ النّاس محّصوا وميّزوا وغربلوا ولم يبقَ منهم إلاّ الأندر فالأندر كالكبريت الأحمر، وقد خرج الكثير منهم في الغربال، فمن أين لنا أن نرى مَن يُهاب في الله وقد عمَّ الفساد والظلم البلاد والعباد؟ النّاس تعظّم الملوك ورؤساء الأحزاب وتتكلَّم في السياسة التي لحمتها وسداها كيف القضاء على الدّين والمتديّنين، وكيف جذب الآخرين بالترغيب والترهيب، في العطاء والهدايا والأراضي والمناصب، والترهيب في السجون والمعتقلات والقتل والفصل والمطاردة؟ من أين لك أن ترى وجهاً يُهاب في الله والوجوه وجوه أعداء الله؟

إذا أردت أن ترى وجهاً يُهاب في الله، تجده بعيداً عن هذا المجتمع في زوايا بعض المساجد، وفي السجون والمعتقلات السياسيّة، وفي البيوت المجهولة، بين الكتب والدفاتر.

الوجه الذي لم يأكل لقمة الحرام، ولم يشرب الجرعة الحرام، ولم يأكل لحم أخيه ميتاً.

ذلك الذي يبكي ليلاً ويقوم نهاراً، يرجو عفو ربّه ورضاه، لا الوجه الذي سوّدته الذنوب والآثام، فمن أين لك أن ترى الوجه الذي يُهاب في الله وقد دخل الحابل بالنابل؟ صدق رسول الله (صلى الله عليه وآله)، اللَّهمَّ إنّا علمنا أنَّ الأمر قد قرب فعجِّل لوليّك الفرج والعافية والنصر.

 

 

--------------------------------------------------------------------------------

([1]) يوم الخلاص، ص: 443.

([2]) الفتح / 29.

([3]) الروم / 32.

([4]) آل عمران / 106.