طباعة

أركان الإبتلاء, أولا: من هو المبتلي والممتحن؟

 

من هو المبتلي والممتحن؟
أما بالنسبة إلى المبتلي والممتحن فهو الله تعالى، خالقنا وبارئنا، الذي له الأمر والخلق، الذي لا يسأل عما يفعل وهم يسألون، ربنا وسيدنا ومولانا، الذي يعلم كل شيء، ويعلم ما ينفعنا ويصلحنا، ويضرنا وينفعنا، وهو القاهر فوق عباده وهو الحكيم الخبير، فقد نسب الإبتلاء إلى نفسه من خلال الآيات القرآنية الشريفة قال تعالى في سورة النحل الآية 92 {إنما يبلوكم الله به} وقال تعالى في سورة الأنعام الآية 165 {وهو الذي جعلكم خلائف الأرض ورفع بعضكم فوق بعض درجات ليبلوكم في ما آتاكم إن ربك سريع العقاب وإنه لغفور رحيم}. وقال تعالى في سورة الملك الآية 2 {الذي خلق الموت والحياة ليبلوكم أيكم أحسن عملا وهو العزيز الغفور}. وقال تعالى في سورة محمد الآية31 {ولنبلونكم حتى نعلم المجاهدين منكم والصابرين ونبلو أخباركم}. وقال تعالى في سورة آل عمران الآية 154 {وليبتلي الله ما في صدوركم وليمحص ما في قلوبكم}. وقال تعالى في سورة البقرة الآية249 {إن الله مبتليكم بنهر}. وهناك آيات أكثر مما ذكرت تدل على ما ذهبنا إليه.
وبناء على ذلك فإن الله تعالى جعل الثواب والعقاب في الآخرة، وجعل الدنيا دار ابتلاء واختبار، فليست الدنيا دار جزاء للمؤمن ولا دار عقاب للكافر، فكانت دار امتحان واختبار قدر الله تعالى لها ذلك، حتى تكون محل عمل يعمل فيها العبد ويبنى لآخرته، أو ينسى نفسه فيها ويظن أنها دار مقر. فقد جعلها الله دارا يشهد فيها العبد على حقيقة ذاته وأعماله ظاهرها وباطنها.
روى في كنز العمال والديلمي عن ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال (يا أيها الناس، إن هذه الدنيا دار التواء لا دار استواء، ودار ترح لا دار فرح، فمن عرفها لم يفرح لرخاء، ولم يحزن لشدة، ألا وإن الله تعالى خلق الدنيا دار بلوى، والآخرة دار عقبى، فجعل بلوى الدنيا لثواب الآخرة، وثواب الآخرة من بلوى الدنيا عوضا، فيأخذ ويبتلي ليجزي، فاحذروا حلاوة رضاعها لمرارة فطامها واحذروا لذيذ عاجلها لكربة آجلها، ولا تسعوا في عمران دار قد قضى الله خرابها، ولا تواصلوها وقد أراد منكم اجتنابها، فتكونوا لسخطه متعرضين ولعقوبته مستحقين).
قال الإمام علي عليه السلام في نهج البلاغة (إن الدنيا دار صدق لمن صدقها، ودار عافية لمن فهم عنها، ودار غنى لمن تزوّد منها، ودار موعظة لمن اتعظ بها. مسجد أحباء الله ومهبط وحي الله، ومتجر أولياء الله، اكتسبوا فيها الرحمة وربحوا فيها الجنة).
وروي عن الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام أنه قال - لا تسبوا الدنيا فنعم مطية المؤمن الدنيا إلى الآخرة.
وروي عن الإمام زين العابدين علي بن الحسين (عليهما السلام) أنه سئل: من أعظم الناس خطراً؟ فقال (عليه السلام): (من لم ير الدنيا خطراً لنفسه).