طباعة

محنة الإمام (عليه السلام)

ولم يكن للمشاغبين سوى محاولة الغلبة على رأي الإمام(عليه السلام)كما كانوا يجبرون أباه على أمر لم يكن قد قنع به بقدر ما ينصاع إلى ضجيج الكثرة المشاغبة على رأيه لتكون لهم الغلبة ولرأي الإمام الخذلان، كما فعلوها في أمر التحكيم من فرضهم أبي موسى الأشعري ليكون أحد الحكمين، وعليٌّ(عليه السلام) لم يكن قد قنع بما اتفق عليه قومه سوى الانصياع لغلبة اُولئك الذين غرّهم ظاهر الزهد المشوب بنفاق الجاه، ودعوى التقوى التي تغرُّ اُولئك السذّج فينبهرون لأدنى خديعة يمارسها اُولئك الذين ترعرعت مصالحهم على خداع «التقوى» وزيف «الإيمان» وقد تلبّسوا به لنيل مآربهم.
هذا ما يواجه الإمام الحسن بن عليّ(عليهما السلام) في أزمة الحرب وفي محنة السلم، فكلاهما يَحولُ بين ما يدبّره الإمام(عليه السلام) وبين قومه الذين غلبوه بهياج العواصف، وضجيج المشاعر، وشغب الهوس في تقدير الاُمور وتيسيرها، وتوجيه الأزمات وتدبيرها، وما الذي يفعله الإمام(عليه السلام) سوى الانصياع لشغب الكثرة ومداراة الضعفة من ذوي العقول الساذجة، أو تجنب المجابهة مع ذوي المطامع الهائجة التي من شأنها أن تسحق كل مبدأ وتستعدي على كل رأي، وليس الإمام الحسن(عليه السلام) في صدد المواجهة مع التيارات الخائضة في صراعٍ من شأنه شلّ جهود الإمام الحسن(عليه السلام) وتحديد تحرّكه وإدخاله في دوامة الصراع الداخلي لإشغاله عن صدِّ الخطر الخارجي وتطويق جهوده الاصلاحية في ترتيب دولته المنهكة من صراعات المعارضات الداخلية فضلاً عن تمرّدات الشاميين وخروجهم عن طاعة الخلافة.
إذن فالإمام(عليه السلام) جدير بأن يفضح دواخل اُولئك المنبثين في صفوف قواته، فضلاً عن كشف ما تنطوي عليه نوايا أغلبهم على حبّ العافية والركون إلى السلامة، فخيانة ثلاثة من قوّاده لاتكشف إلاّ عن زعزعة همم الجيش الكوفي، وتقهقر شعارات النصرة والدفاع عن حياض الحقّ، لتحال إلى شعارات جوفاء تكشف عمّا يكنّه بعض المتلبّسين بصحبة الإمام(عليه السلام) وما أكثرهم، وهم بقايا الخوارج وشذّاذ الأهواء، وأهل السوابق الذين تربّصوا بالإمام عليّ(عليه السلام) من قبل، حتّى بدت غوائلهم تنكشف يوم دسّ لهم معاوية الأموال والرجال للوقيعةِ بالإمام الحسن(عليه السلام) والفتك به، وأوعدهم بكل ما يحلو له خواطر أهل الدنيا وذوي المطامع الذين لا همَّ لهم سوى الانصياع إلى نزواتهم الجامحة التي تقودهم إلى مهاوي الهلكة.
«دسّ معاوية إلى عمرو بن حريث، والأشعث بن قيس، وإلى حجر بن الحارث، وشبث بن ربعي دسيساً أفرد كل واحد منهم بعين من عيونه أنك إن قتلت الحسن بن عليّ فلك مائتا ألف درهم، وجند من أجناد الشام، وبنت من بناتي، فبلغ الحسن(عليه السلام) فاستلأم ولبس درعاً وكفرها، وكان يحترز ولا يتقدّم للصلاة بهم إلاّ كذلك»(1).
____________________
(1) البحار: 44/33.